"وصف مَكَّة"
.
.
يسعد صباحكم يا اصدقاء كيف انتم ؟!
وصف مكة كما يرويه الرحالة ناصر خسرو الحكيم وكان هذا في القرن الرابع الهجري وكانت خاضعة للدولة العباسية العظيمة، و الكتاب جميل ساورد لكم مشاهدته في مكة و جمع الامصار بالقدر المستطاع ..
.
.
يقول المصنف :
.
.
تقع مَكَّة بَين جبال عالية وَلَا ترى من بعيد من أَي جَانب يقصدها السائر وَأقرب جبل مِنْهَا هُوَ جبل أبي قبيس وَهُوَ مستدير كالقبة لَو رمي سهم من أَسْفَله لبلغ قمته وَهُوَ شَرْقي مَكَّة فترى الشَّمْس من دَاخل الْمَسْجِد الْحَرَام وَهِي تشرق من فَوْقه فِي شهر دي (ديسمبر) وَقد نصب على قمته برج من الْحجر يُقَال إِن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام رَفعه عَلَيْهِ وتشغل هَذِه الْمَدِينَة الْوَادي الَّذِي بَين الْجبَال وَالَّذِي لَا تزيد مساحته عَن رمية سَهْمَيْنِ فِي مثلهَا وَالْمَسْجِد الْحَرَام وسط هَذَا الْوَادي وَمن حوله مَكَّة والشوارع والأسواق وحيثما وجدت ثغرة بَين الْجبَال سدت بسور قوي وضعت عَلَيْهِ بوابة وَلَيْسَ بِمَكَّة شجر أبدا إِلَّا عِنْد بَاب الغربي لِلْمَسْجِدِ الْحَرَام الْمُسَمّى بَاب إِبْرَاهِيم حَيْثُ يُوجد كثير من الشّجر الْكَبِير الَّذِي يرْتَفع على حافة الْبِئْر، وَعند الْجَانِب الشَّرْقِي لِلْمَسْجِدِ سوق تمتد من الْجنُوب إِلَى الشمَال وَفِي أَولهَا نَاحيَة الْجنُوب جبل أبي قبيس الَّذِي تقع الصَّفَا على سفحه وتبدو على هَذَا السفح دَرَجَات كَبِيرَة من الْحِجَارَة المستوية الَّتِي يصعد الْحجَّاج عَلَيْهَا وَيدعونَ رَبهم والمروة فِي نِهَايَة السُّوق شمَالي الْجَبَل وَهِي أقل ارتفاعا فِي وسط مَكَّة وَقد شيدت عَلَيْهَا منَازِل كَثِيرَة وَمَا يُسمى السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة هُوَ الْمَسْعَى فِي هَذِه السُّوق من أَولهَا لآخرها ويجد من يرغب الْعمرَة وَهُوَ آتٍ من بعيد أبراجا ومساجد على مَسَافَة نصف فَرسَخ ( 2.5 كيلو متر ) حول مَكَّة فَيحرم مِنْهَا للْعُمْرَة وَالْإِحْرَام هُوَ نزع الملابس المخيطة من على الْجَسَد وَشد الْمحرم وَسطه بإزار ولف جسده بإزار أَو وشاح آخر وصياحه بِصَوْت عَال أَن لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك ثمَّ يسير نَحْو مَكَّة فَإِذا أَرَادَ حَاج أَن يعْتَمر وَهُوَ بِمَكَّة فَإِنَّهُ يذهب إِلَى تِلْكَ الأبراج ويرتدي ثوب الْإِحْرَام ويهتف لبيْك وَيدخل مَكَّة بنية الْعمرَة فحين يبلغ مَكَّة يدْخل الْمَسْجِد الْحَرَام ويسير نَحْو الْكَعْبَة ثمَّ يطوف نَاحيَة الْيَمين بِحَيْثُ تكون هَذِه على يسَاره وَيتَوَجَّهُ إِلَى الرُّكْن الَّذِي بِهِ الْحجر الْأسود فيقبله ثمَّ يمْضِي وَيسْتَمر فِي الطّواف حَتَّى يعود إِلَى الْحجر الْأسود مرّة أُخْرَى فيقبله وَبِهَذَا يكون قد أتم طوفة وَاحِدَة وعَلى هَذَا النَّحْو يطوف سبع مَرَّات ثَلَاثًا مِنْهَا بِسُرْعَة وأربعا على مهل وَبعد إتْمَام الطّواف يتَوَجَّه نَحْو مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ أَمَام الْكَعْبَة فيقف خَلفه بِحَيْثُ يكون الْمقَام بَينه وَبَين الْكَعْبَة وَهُنَاكَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ هما صَلَاة الطّواف ثمَّ يذهب إِلَى حَيْثُ بِئْر زَمْزَم فيشرب من مَائِهَا أَو يمسح بهَا وَجهه ثمَّ يخرج من الْمَسْجِد الْحَرَام من بَاب الصَّفَا الَّذِي سمي كَذَلِك لِأَن جبل الصَّفَا يَقع خَارجه فيصعد على عتبات الصَّفَا موليا وَجهه شطر مَكَّة وَيَدْعُو بِالدُّعَاءِ الْمَعْلُوم ثمَّ ينزل وَيتَّجه نَاحيَة الْمَرْوَة مارا بِالسوقِ الَّتِي يسير فِيهَا من الْجنُوب إِلَى الشمَال وَعَلِيهِ أَن ينظر إِلَى أَبْوَاب الْحَرَام حِين يمر بهَا وَأَن يحث الخطى فِي الْمسَافَة الَّتِي سعاها الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مسرعا وَالَّتِي أَمر النَّاس باجتيازها مُسْرِعين وَهِي خَمْسُونَ خطْوَة وعَلى طرفِي هَذَا الْموضع (الَّذِي يسَار فِيهِ بِسُرْعَة) أَربع منارات على الْجَانِبَيْنِ فَإِذا بلغ الْحَاج الْآتِي من الصَّفَا مَا بَين المنارتين الْأَوليين أسْرع حَتَّى يصل إِلَى مَا بَين المنارتين الثانيتين ثمَّ يسير الهوينى حَتَّى يبلغ الْمَرْوَة فيصعد عتباتها وَيَدْعُو ذَلِك الدُّعَاء الْمَعْلُوم وَهَكَذَا يُكَرر هَذَا السَّعْي فِي السُّوق بِحَيْثُ يسْعَى من الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَة أَربع مَرَّات وَمن الْمَرْوَة إِلَى الصَّفَا ثَلَاث مَرَّات فَيكون قد سعى فِي هَذِه السُّوق سبع مَرَّات، وعندما ينزل الْحَاج من جبل الْمَرْوَة يجد سوقا فِيهَا عشرُون دكانا متقابلة يشغلها جَمِيعًا حجامون لحلق شعر الرَّأْس وَحين يتم الْحَاج شَعَائِر الْعمرَة وَيخرج من الْمَسْجِد الْحَرَام يدْخل السُّوق الْكَبِيرَة الَّتِي تقع نَاحيَة الشرق والمسماة سوق العطارين وَهِي سوق جميلَة البنايات وَكلهَا عطارون، وبمكة حمامان بلاطهما من الْحجر الْأَخْضَر السنان وقدرت أَن سكانها القاطنين بهَا لَا يزِيدُونَ على أَلفَيْنِ وَالْبَاقِي ويقربون من الْخَمْسمِائَةِ من الغرباء والمجاورين وَفِي ذَلِك الْوَقْت كَانَ بِمَكَّة قحط فَكَانَ السِّتَّة عشر منا من الْقَمْح بِدِينَار مغربي وَقد هَاجر مِنْهَا كَثِيرُونَ وَقد كَانَ لأهالي كل مَدِينَة من خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر وَالْعراق وَغَيرهَا منَازِل بِمَكَّة وَلَكِن أغلبها كَانَ خرابا وقتذاك وَقد بنى بهَا خلفاء بَغْدَاد عمارات كَثِيرَة وأبنية جميلَة وَكَانَ بَعْضهَا وَأَنا هُنَاكَ خربا وَالْبَعْض الآخر اشْتَرَاهُ النَّاس (أصبح ملكا خَاصّا) وَمَاء آبار مَكَّة مالح وَمر لَا يساغ شربه وَلَكِن بهَا كثيرا من الأحواض والمصانع الْكَبِيرَة بلغت تكاليف الْوَاحِد مِنْهَا أَكثر من عشرَة آلَاف دِينَار وَهِي تملأ من مَاء الأمطار الَّذِي يتدفق من الأودية وَكَانَت فارغة وَنحن هُنَاكَ وَقد أنشأ ابْن أحد أُمَرَاء عدن مجْرى للْمَاء تَحت الأَرْض وَأنْفق عَلَيْهِ أَمْوَالًا كَثِيرَة يسقى مِنْهُ مَا على حافتيه من شجر فِي عَرَفَات وَقد حبس هَذَا المَاء هُنَاكَ حَيْثُ غرست الحدائق فَلَا يصل (قرب) مَكَّة مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل لِأَن الْقَنَاة لَا تبلغها وَهَذَا الْقَلِيل يجمع فِي حَوْض خَارج مَكَّة فَيَأْخُذ مِنْهُ السقاءون ويذهبون بِهِ إِلَيْهَا ويبيعونه وعَلى مَسَافَة نصف فَرسَخ (2.5 كم) من طَرِيق برقة بِئْر يُسمى بِئْر الزَّاهِد عِنْده مَسْجِد جميل وَمَاء هَذَا الْبِئْر عذب ويحمله السقاءون إِلَى مَكَّة لبيعه وجو مَكَّة حَار جدا وَفِي آخر بِهن الْقَدِيم (يناير فبراير) رَأَيْت بهَا الْخِيَار والأترنج والباذنجان وَكَانَت كلهَا طازجة هَذِه هِيَ الْمرة الرَّابِعَة الَّتِي أَزور بهَا مَكَّة وَقد مكثت بهَا مجاورا من غرَّة رَجَب 44 (10 نوفمبر 1050) إِلَى الْعشْرين من ذِي الْحجَّة (3 مايو 1051) وَقد أثمر بهَا الْعِنَب فِي الْخَامِس عشر من فروردين (مارس أبريل) فأحضر من السوَاد إِلَى مَكَّة وَبيع فِي السُّوق وَكَانَ الْبِطِّيخ كثيرا فِي أول اردبهشت (ابريل مايو) وَكَانَت الْفَاكِهَة متوفرة طول الشتَاء فَلم تَنْقَطِع قطّ ..انتهى ..
.
.
المصدر :
سفر نامه
المؤلف: أبو معين الدين ناصر خسرو الحكيم القبادياني المروزي (المتوفى: 481هـ)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق