(إجازة الطب و الأطباء "اخبار المهنة و المهارة" ونموذجين للإجازة )
.
.
.
كان الأطباء في أول عهد الدول الإسلامية
تكتفي لمعاناة التطبيب بقراءة الطب على أي طبيب من النابهين في عصره، حتى إذا آنس من
نفسه القدرة على مزاولة الصنعة، باشرها بدون قيد أو شرط.
وإن أول من نظم صناعة التطبيب وقيدها بنظام
خاص حرصا على مصلحة الجمهور، هو الخليفة العباسي المقتدر بالله جعفر بن المعتضد الذي
تولى الخلافة سنة 295هـ، ففرض على من يريد معاناة التطبيب تأدية امتحان للحصول على
إجازة تحوله هذا الحق بين الناس, والسبب الذي دعا الخليفة المقتدر إلى هذا التقييد،
هو ما نرويه عن لسان سنان بن ثابت رئيس الأطباء في عصره وطبيب الخليفة ومن النابهين
بين الأطباء:
.
.
.
.
قال سنان بن ثابت : لما كان في عام 319هـ
931م، اتصل بالمقتدر أن غلطا جرى على رجل من العامة من بعض المتطببين فمات الرجل، فأمر
الخليفة أبا إبراهيم بن محمد بن أبي بطيحة المحتسب بمنع سائر المتطببين من التصرف،
إلا من امتحنه سنان بن ثابت بن قرّضة، وكتب له رقعة بخطه بما يطلق له التصرف فيه من
الصناعة. فصاروا إلى سنان وامتحنهم وأطلق لكل واحد منهم ما يصلح أن يتصرف فيه. وبلغ
عددهم في جانبي بغداد ثمانمائة رجل ونيف وستين رجلا، سوى من استغنى عن محنته باشتهاره
بالتقدم في صناعته وسوى من كان في خدمة السلطان. وصار النظام بعد ذلك: متى أتم الطالب دروسه يتقدم إلى رئيس الأطباء
في القطر المصري، ووظيفته هي أكبر وظائف الأطباء، ويطلب إليه إجازته لمعاناة صنعه التطبيب.
وكان الطالب يتقدم إليه برسالة في الفن الذي يريد الحصول على الإجازة في معاناة وهذه
الرسالة أشبه بما يسمى اليوم أطروحة تيز وتكون هذه الرسالة له أو لأحد مشاهير الأطباء
المتقدمين أو المعاصرين يكون قد أجاد دراستها فيمتحنه فيها ويسأله في كل ما يتعلق بما
فيها من الفن فإذا أحسن الإجابة أجازه الممتحن بما يطلق له التصرف
فيه من الصناعة.
.
.
.
.
طريقة الإجازة الطبية ( كالشهادة العلمية اليوم ) :
.
.
.
.
ومن محاسن الصدف أني عثرت في دشت قديم في
خزانة كتب أستاذنا وصديقنا العلامة أحمد زكي باشا، على صورتين لإجازتين في الطب من
القرن السادس عشر الميلادي، منحت إحداهما لفصَّاد ومنحت الأخرى لجراح، أنقلهما هنا
لكي يعلم الباحث ما كان عليه الحال في تلك العصور:
.
.
.
الإجازة الأولى, وهي من القرن الحادي عشر الهجري
:
وهذه صورة ما كتبه الشيخ الأجل عمدة الأطباء
ومنهاج الألباء الشيخ شهاب الدين ابن الصايغ الحنفي رئيس الأطباء بالديار المصرية إجازة
للشاب المحصل محمد عزام، أحد تلامذة الشيخ الأجل والكهف الأحول الشيخ زين الدين عبد
المعطي رئيس الجراحين على حفظه لرسالة الفصد كما سنبينه:
.
.
.
.
الحمد لله ومنه أستمد العناية.
الحمد لله الذي وفق من عباده من اختاره
لخدمة الفقراء والصالحين وهدى من شاء للطريق القويم والنهج المستقيم على ممر الأوقات
والأزمان إلى يوم الدين.
وبعد فقد حضر عندي الشاب المحصل شمس الدين
محمد بن عزام بن. . . بن. . . هنا كلمات مفقودة على المؤذن الجرواني المتشرف بخدمة
الجراح والمتقيد بخدمة الشيخ الصالح بقية السلف الصالحين العارفين وشيخ طائفة الجراحين
بالبيمارستان المنصوري هو الشيخ عبد المعطي المشهور بابن رسلان نفعنا الله ببركاته
ورحم أسلافه العارفين الصالحين وعرض علي جميع الرسالة اللطيفة المشتملة على معرفة الفصد
وأوقاته وكيفيته وشروطه وما يترتب عليه من المنافع المنسوبة والرسالة المذكورة للشيخ
الإمام العلامة التمام شمس الدين محمد بن ساعد الأنصاري شكر الله سعيه ورحمه وأسكنه
بحابيح جناته بمنه وكرمه،
.
.
.
.
عرضا جيدا دل على حسن حفظه للرسالة المذكورة
وقد أجزته أن يرويها عني بحق روايتها وغيرها من الكتب الطبية هذا آخر ما عثرت عليه
وباقي الإجازة مفقود ضاع مع ما ضاع من نفائس الكتب العربية.
.
.
" لإجازة الثانية, وهي كذلك من القرن الحادي عشر الهجري :
.
.
وصادرة من رئيس الجراحين بدار الشفا المنصوري قلاوون.
.
.
.
" لإجازة الثانية, وهي كذلك من القرن الحادي عشر الهجري :
.
.
وصادرة من رئيس الجراحين بدار الشفا المنصوري قلاوون.
.
.
صورة ما كتبه الفقير على ذلك:
بسم الله الرحمن الرحيم
من ممد الكون أستمد العون. الحمد لله الذي
جعل لهذه الأمة بالطب المحمدي شفا، وداوى علل أفهامهم بصحيح حديثه بعد ما كانوا في
سقم الباطل على شفا. أحمده حمدا يتقوى به الضعيف، وأشكره شكرا وافيا يكون لنا نعم العلاج
عند الحكيم اللطيف. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي جعل الفصد والحجامة
للأبدان من أنفع العلاج، إذ بهما. . . كلمة مفقودة قف الحرارة الردية والمزاج. ونشهد
أن محمدا عبده ورسوله الذي قطع الاشتراك، وعلى آله وأصحابه سادة النساك، الذين جمعوا
بالعلم والفصاحة بين الحكمة وفصل الخطاب، وعالجوا زمان الجهل بحسن تدبيرهم فعوفي وحفظ
لهم الصحة وطاب.
وبعد فقد وقفت على هذه الرسالة العظيمة،
والمقالة الكريمة، الموسومة ببرء الآلام في صناعة الفصد والحجام نظم لوذعي زمانه، وألمعي
عصره وأوانه: الشمس شمس الدين محمد القيم شهرة، الجراح صنعه ومهره، التي أصلها للشيخ
الفاضل حاوي الفضائل الشيخ شمس الدين محمد الشربيني الجراح. لا زالت شآبيب الرحمة والرضوان
على قبره غادية رائحة، وشذا العبهري والريحان من مرقده فائحة، الموسومة بغاية المقاصد فيما يجب
على المفصود والفاصد إذ هي في هذا الفن أسمى المقاصد. وقد قرأها عليه قراءة إتقان وإمعان،
وحل لمشكلات الألفاظ والمعان، فلم ير بدا من أن يبسطها ليتيسر حفظ تلك الفوائد، ولتسهل
ضبط تلك القواعد فجاءت بجملة أبهى من نور الأنحار، وأضوأ من نور الأسمار، كالتبر المنسبك
أو القطر المنسكب. فقد أجاد ناظمها في تحقيقها، وبذل الجهد في تحريرها وتدقيقها. وأتقن
ألفاظ مبانيها. وغاص بحار معانيها، وأستخرج الدر الثمين من أصلها، وجمع بين فصلها ووصلها،
وصارت تجلى كالعروس لمعانيها. ولقد صارت في هذه الصناعة العمدة والكفاية وأعترف لها
الكامل أنها المنهاج والهداية. ونسيت بها التذكرة، ولم يبق لهذا العلم تذكرة حميدة.
وأحجم عندها كل مهذب بالمكنون، وصرح تأريخ الأطباء أنها نص ما في القانون. فلما ظهرت
نتيجة الانتخاب في المسألة والجواب وتغذى ناظم سلكها بالخاص من اللباب، وصارت الخناصر
عليها تعقد، وإن كان لساعد الأنصاري رسالة، فشتان رسالته ورسالة محمد. وكانت عين المقصود،
ورقمت فيما يجب على القاصد والمقصود، أستحق راقم وشيها وناسج بردها أن يتوج بتاج الإجازة
فاستخرت الله تعالى وأجزت له أن يتعاطى على صناعة الجراح، ما أتقن معرفته ليحصل له
النجاح والفلاح. وهو أن يعالج الجراحات التي تبرأ بالبط، ويقلع من السنان ما ظهر له
من غير شرط. وأن يقصد من الأوردة ويبتر الشرايين وأن يقلع من الأسنان الفاسدة المسوسين
كذا وأن يلم ما بعد من تفرق الاتصال، بقطان وغير ذلك وطهارة الأطفال. هذا مع مراجعته
وخدمته لرؤساء هذا الفن المتبحرين، والمهرة الأساتذة العارفين مع تقوى الله والنصح
في الصناعة، ولا يخشى مع ذلك من كساد البضاعة. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا
وإياه لصالح الأعمال، في كل حال ومآل. اللهم إني أسألك من فضلك العظيم مغفرة لذنوبنا
وعافية لأبداننا، لاإله غيرك، ولا مرجو إلا خيرك رب العالمين.
.
.
.
رقمه بقلمه أحقر عباد الفتاح الفقير للحق
علي بن محمد بن محمد بن علي الجراح خادم الفقراء الضعفاء بدار الشفا بمصر المحروسة
ومصليا ومسلما ومحمدا ومحوقلا ومستغفرا بتاريخ صفر الخير من شهور سنة إحدى عشرة وألف
1602م من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والحمد لله وحده.
.
.
تاريخ البيمارستانات في الإسلام
.
تاريخ البيمارستانات في الإسلام
المؤلف: الدُّكْتُور أَحمد عِيسى (المتوفى:
1365هـ)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق