الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

حضارات العراق "ﺍﻵ‌ﺷـﻮﺭﻳﻮﻥ Assyrians"
.
.
ﺍﻟﻨﺴﺒﺔ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺔ «ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻮﻥ» ﺇﻟﻰ ﺁﺷﻮﺭ، ﻭﻫﻢ ﻗﻮﻡ ﻳﺮﺟﻊ ﺃﺻﻠﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﻘﺮﺕ ﺧﻼ‌ﻝ ﺍﻷ‌ﻟﻒ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼ‌ﺩ ﺷﻤﺎﻟﻲ ﻭﺍﺩﻱ ﺍﻟﺮﺍﻓﺪﻳﻦ، ﻧﺠﺤﺖ ﻓﻲ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺇﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺣﻜﻤﺖ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﻣﻦ ﻏﺮﺏ ﺁﺳﻴﺎ ﻭﺍﺗﺨﺬﺕ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺁﺷﻮﺭ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ ﻓﻲ ﺃﻋﺎﻟﻲ ﻧﻬﺮ ﺩﺟﻠﺔ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻟﻬﺎ، ﻭﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﺗﺨﺬﺕ ﻛﺎﻟﺢ (ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻌﺮَﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﺑﺎﺳﻢ «ﻧﻤﺮﻭﺩ») ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻟﻬﺎ، ﺛﻢ ﺟُﻌﻠﺖ ﺍﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﻲ ﻧﻴﻨﻮﻱ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﺜﻼ‌ﺙ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ: 
.
.
1 ـ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ 2000 ـ 1500 ق.م : ﻭﻗﺪ ﺧﻀﻊ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻮﻥ ﺇﺑﺎﻧﻬﺎ ﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺑﺎﺑﻞ ﺛﻢ ﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﻣﻴﺘﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺳﺴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻮﺭﻳﻮﻥ.
.
.
 2 ـ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻮﺳﻴﻄﺔ 1500 ـ 911 ﻕ.ﻡ : ﻭﻗﺪ ﺍﺯﺩﺍﺩﺕ ﺇﺑّﺎﻧﻬﺎ ﻗﻮﺓ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻴﻦ، ﻓﺴﻴﻄﺮﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﻏﺮﺏ ﺁﺳﻴﺎ. .
.
.
3 ـ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ 911 ـ 609 ﻕ.ﻡ: 
ﻭﻗﺪ ﺷﻬﺪﺕ ﺁﺷﻮﺭ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻟﻮﺳﻴﻄﺔ ﻫﺠﻤﺎﺕ ﺍﻷ‌ﺧﻼ‌ﻣﻮ (ﺍﻵ‌ﺭﺍﻣﻴﻴﻦ) ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﻤﺮﺕ ﺯﻫﺎﺀ ﺛﻼ‌ﺛﺔ ﻗﺮﻭﻥ، ﻭﻇﻬﺮﺕ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﺍﻟﺪﻭﻳﻼ‌ﺕ ﺍﻵ‌ﺭﺍﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺒﺮﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ. ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ، ﺃﻱ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﻫﻲ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻬﻤﻨﺎ، ﻓﻬﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﻣﺼﻴﺮ ﺍﻟﻌﺒﺮﺍﻧﻴﻴﻦ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺛﻼ‌ﺙ ﻓﺘﺮﺍﺕ: 
.
.
ﺃ- ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻷ‌ﻭﻟﻰ (911 ـ 824 ﻕ.ﻡ): 
ﻭﻗﺪ ﺷﻬﺪﺕ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ. ﻓﺄﻭﻗﻒ ﺷﻠﻤﺎﻧﺼﺮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ (853 ـ 824 ﻕ.ﻡ) ﻫﺠﻤﺎﺕ ﺍﻵ‌ﺭﺍﻣﻴﻴﻦ، ﺛﻢ ﻫﺎﺟﻢ ﺗﺤﺎﻟﻔﺎً ﻋﺒﺮﻳﺎً ﺁﺭﺍﻣﻴﺎً ﺑﻴﻦ ﺁﺧﺎﺏ ﺍﻟﻌﺒﺮﺍﻧﻲ ﻭﺑﻦ ﻫﺪﺩ ﻣﻠﻚ ﺩﻣﺸـﻖ ﻓﻲ ﻣﻌـﺮﻛﺔ ﻗـﺮﻗـﺮ ﻋﺎﻡ 853 ﻕ.ﻡ، ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺣﺎﺳﻤﺔ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺃﺩﺕ ﺇﻟﻰ ﻇﻬﻮﺭ ﺣﺰﺏ ﺁﺷﻮﺭﻱ ﻗﻮﻱ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ، ﻭﺑﻌﺪ ﺳﻘﻮﻁ ﺁﺧﺎﺏ ﻋﺎﻡ 852 ﻕ.ﻡ، ﺩﻓﻌﺖ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺠﺰﻳﺔ ﻵ‌ﺷﻮﺭ. ﻭﺗﻈﻬﺮ ﺃﻭﻝ ﺻﻮﺭﺓ ﻟﻤﻠﻚ ﻋﺒﺮﺍﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻠﺔ ﺷﻠﻤﺎﻧﺼﺮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ، ﻓﻨﺮﺍﻩ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﻓﺮﻭﺽ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﻮﻻ‌ﺀ ﻟﻠﻤﻠﻚ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻱ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻮﻥ ﻳﻬﺪﻓﻮﻥ ﺇﺑﺎﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﺣﺘﻼ‌ﻝ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻔﺘﺤﻮﻧﻬﺎ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻬﺪﻓﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﻴﻴﺪ ﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻭﺇﺑﻄﺎﻝ ﺃﺛﺮﻩ ﻭﺍﻻ‌ﺳﺘﻴﻼ‌ﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻐﺎﻧﻢ ﻭﺍﻷ‌ﺳﺮﻯ ﻻ‌ﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻳﻊ ﺍﻹ‌ﻧﺸﺎﺋﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ .

ﺏ) ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ (825 ـ 744 ﻕ.ﻡ): ﺷﻬﺪﺕ ﺍﻹ‌ﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺕ ﺷﻠﻤﺎﻧﺼﺮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺗﺮﺍﺟﻌﺎً ﺑﺴﺒﺐ ﺍﺯﺩﻳﺎﺩ ﻗﻮﺓ ﺟﻴﺮﺍﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻭﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻨﺰﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ. ﻭﻗﺪ ﺍﻧﺘﻬﺰﺕ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺘﺎﻥ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﻭﺯﺍﺩﺗﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﺮﻗﻌﺔ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻬﻤﺎ، ﻭﺑﻌﺜﺘﺎ ﺍﻟﺤﻠﻒ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻱ ﻟﻶ‌ﺷﻮﺭﻳﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺿﻢ ﻛﻼ‌ًّ ﻣﻦ ﻳﺮﺑﻌﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﻋﺰﻳﺎ. 
.
.
ﺟـ) ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ (743 ـ 609 ﻕ.ﻡ): ﻋﺎﺩ ﺍﻟﻨﻔﻮﺫ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻱ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺎﻡ ﺁﺷﻮﺭ ﻧﺎﺻﺮ ﺑﺎﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ (884 ـ 759 ﻕ.ﻡ) ﺑﺜﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻜﺘﻴﻚ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﻟﻠﺠﻴﺶ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻱ، ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﺤﻘـﺒﺔ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺑﺄﺑﻄﺎﻟﻬﺎ ﺗﻴﺠﻼ‌ﺕ ﺑﻼ‌ﺳﺮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ (745 ـ 727 ﻕ.ﻡ) ﻭﺷﻠﻤﺎﻧﺼﺮ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ (726 ـ 722 ﻕ.ﻡ) ﻭﺳﺮﺟﻮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ (722 ـ 705 ﻕ.ﻡ) ﻭﺳﻨﺎﺧﺮﻳﺐ (705 ـ 681 ﻕ.ﻡ) ﻭﺃﺳﺮﺣﺪﻭﻥ (680 ـ 669 ﻕ.ﻡ) ﻭﺁﺷﻮﺭ ﺑﺎﻧﻴﺒﺎﻝ (668 ـ 630 ﻕ.ﻡ). 
ﺗﻤﻜﻦ ﻫﺆﻻ‌ﺀ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ﻣﻦ ﺗﺪﻋﻴﻢ ﻗﻮﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ، ﻭﺃﺳﺴﻮﺍ ﺟﻴﻮﺷﺎً ﻧﻈﺎﻣﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻧﺠﺤﺖ ﻓﻲ ﺿﻢ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻷ‌ﺩﻧﻰ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﺑﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺣﺘﻔﻈﺖ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻻ‌ﺳﺘﻘﻼ‌ﻝ.
.
.
 ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻤﻐﺎﻧﻢ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔ ﻭﺗﺄﺳﻴﺲ ﺇﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﻣﻜﻮَّﻧﺔ ﻣﻦ ﺃﻗﺎﻟﻴﻢ ﻭﺩﻭﻝ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﺗﺴﺎﻧﺪﻫﺎ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺗﻬﺠﻴﺮ ﻟﻠﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻤﻬﺰﻭﻣﺔ ﻭﺗﺪﻳﺮﻫﺎ ﺑﻴﺮﻭﻗﺮﺍﻃﻴﺔ ﻣﺮﻛﺒﺔ ﺗﻀﻢ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻏﻴﺮ ﺁﺷﻮﺭﻳﺔ ﺃﻏﻠﺒﻬﺎ ﺁﺭﺍﻣﻴﺔ ﺳﺎﺩﺕ ﻟﻐﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺪﺭﻳﺞ، ﻭﻗﺪ ﺷﻬﺪﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ ﻓﻲ ﻋﻈﻤﺔ ﻭﺃﺑﻬﺔ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ، ﻭﻗﺪ ﺳﻴﻄﺮ ﺗﻴﺠﻼ‌ﺕ ﺑﻼ‌ﺳﺮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﺑﻠﻴﻴﻦ ﻭﺗﻠَّﻘﺐ ﺑﻤﻠﻚ ﺑﺎﺑﻞ، ﻭﺃﻋﺎﺩ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ،ﻓﻮﻗﻊ ﺗﺤﺖ ﻧﻔﻮﺫﻩ ﻋﻤﻮﻥ ﻭﺃﺩﻭﻡ ﻭﻣﺆﺍﺏ ﻭﻳﻬﻮﺩﺍ، ﻭﺃﺧﺬ ﻣﻨﺎﺣﻴﻢ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﺠﺰﻳﺔ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ.
.

ﻭﻟﻜﻦ ﻛﺎﻥ ﺛﻤﺔ ﺿﻌﻒ ﺃﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺍﻹ‌ﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ ﺇﺫ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺰﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻤﻐﻠﻮﺑﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻬﺠَّﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻤﻬﺰﻭﻣﺔ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻤﻘﻬﻮﺭﺓ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ . 

ﻭﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ، ﺑﺈﻳﻌﺎﺯ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ، ﺣﺰﺏ ﻣﻌﺎﺩ ﻵ‌ﺷﻮﺭ ﺳﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻷ‌ﻣﺮ، ﻭﻛﺎﻥ ﻓﺎﻗﺢ ﻣﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺰﺏ، ﻓﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻳُﺮﻏﻢ ﺁﺣﺎﺯ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﺤﻠﻒ، ﻭﻟﻜﻦ ﺁﺣﺎﺯ ﻓﻀﻞ ﺃﻥ ﺗﻈﻞ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ ﺩﻭﻟﺔ ﺗﺎﺑﻌﺔ، ﻭﻃﻠﺐ ﺍﻟﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﺁﺷﻮﺭ ﺿﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ﺍﻟﻌﺒﺮﺍﻧﻲ ﺍﻵ‌ﺭﺍﻣﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﻀﻢ ﻟﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﺘﻴﻮﻥ ﻭﺍﻷ‌ﺩﻭﻣﻴﻮﻥ، ﻓﻬﺐ ﺗﻴﺠﻼ‌ﺕ ﺑﻼ‌ﺳﺮ ﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺗﻪ، ﻭﺳﻘﻄﺖ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺩﻣﺸﻖ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ 732 ﻕ.ﻡ، ﺛﻢ ﺧﻠﻊ ﻓﺎﻗﺢ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﻭﺃﺣﻞ ﻣﺤﻠﻪ ﻫﻮﺷﻊ ﻋﺎﻡ 726 ﻕ.ﻡ. 
.
.
ﻭﻧﺘﻴﺠﺔً ﻟﺬﻟﻚ، ﻓﻘﺪﺕ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﺮﻕ ﺍﻷ‌ﺭﺩﻥ ﻭﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﻓﻠﺴﺘﻴﺎ ﻭﺻﻮﺭ ﻭﻣﺆﺍﺏ ﻭﺃﺩﻭﻡ ﺃﻗﺎﻟﻴﻢ ﺁﺷﻮﺭﻳﺔ، ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﺣﺎﻭﻝ ﻫﻮﺷﻊ ﻋﺎﻡ 726 ﻕ.ﻡ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻫﻴﻤﻨﺔ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻴﻦ، ﺣﺎﺻﺮ ﺷﻠﻤﺎﻧﺼﺮ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﺍﻟﺴﺎﻣﺮﺓ، ﺛﻢ ﺍﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺧﻠﻔﻪ ﺳﺮﺟﻮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ، ﻓﺎﺧﺘﻔﺖ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻷ‌ﺑﺪ ﺑﺎﻻ‌ﺳﺘﻴﻼ‌ﺀ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺗﻢ ﺗﺮﺣﻴﻞ ﺯﻋﻤﺎﺋﻬﺎ ﻭﺭﺅﻭﺱ ﻗﺒﺎﺋﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺁﺷﻮﺭ ﻭﻣﻴﺪﻳﺎ (ﺷﺮﻗﻲ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ) ﻭﺇﺣﻼ‌ﻝ ﺁﺭﺍﻣﻴﻴﻦ (ﻣﻦ ﺳﻮﺭﻳﺎ) ﻭﺑﺎﺑﻠﻴﻴﻦ ﻣﺤﻠﻬﻢ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻤﺪﻭﻧﺎﺕ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ.
.
.
ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳُﺴﻤَّﻰ «ﺍﻟﺴﺒﻲ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻱ» ﺃﻭ «ﺍﻟﺘﻬﺠﻴﺮ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻱ» ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺧﺘﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﺛﺮﻩ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺍﻟﻌﺸﺮ « ﺍﻟﻤﻔﻘﻮﺩﺓ ». 
ﺍﺳﺘﻤﺮﺕ ﻳﻬﻮﺩﺍ ﻓﻲ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﺠﺰﻳﺔ، ﻭ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻷ‌ﻣﺮ، ﺍﻧﺪﻟﻌﺖ ﺛﻮﺭﺓ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺘﺄﻳﻴﺪ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺭﺩّ ﺳﻨﺎﺧﺮﻳﺐ ﺣﺎﺳﻤﺎً، ﻓﺄﺧﻤﺪ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺳﻤﺢ ﻟﻴﻬﻮﺩﺍ ﺃﻥ ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻛﺪﻭﻟﺔ ﺗﺎﺑﻌﺔ، ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﻋﺎﻭﺩ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﺍﻟﻜﺮَّﺓ، ﺣﺎﺻﺮ ﺳﻨﺎﺧﺮﻳﺐ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺴﻘﻂ ﺇﺫ ﺍﺿﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﻓﻚ ﺍﻟﺤﺼﺎﺭ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻮﺑﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺪﻓﻊ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﺍﻟﺠﺰﻳﺔ،
ﻭﻗﺪ ﺃﺭﻫﻘﺖ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻹ‌ﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ، ﻭﻭﻟَّﺪﺕ ﺍﻟﺘﻮﺗﺮﺍﺕ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻨﺨﺒﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ، ﻭﺍﻧﺘﻬﻰ ﺍﻷ‌ﻣﺮ ﺑﺎﻏﺘﻴﺎﻝ ﺳﻨﺎﺧﺮﻳﺐ ﻋﺎﻡ 681 ﻕ.ﻡ. ﻭﻧﺸﺒﺖ ﺑﻴﻦ ﺁﺷﻮﺭ ﺑﺎﻧﻴﺒﺎﻝ ﻭﺃﺧﻴﻪ ﺣﺎﻛﻢ ﺑﺎﺑﻞ ﺣﺮﺏ ﺍﻧﺘﺼﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻷ‌ﻭﻝ ..

ﻭﻗﺎﻡ ﻣﻨﺎﺷﻲ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺑﺜﻮﺭﺓ ﺿﺪ ﺁﺷﻮﺭ ﺑﺎﻧﺒﻴﺎﻝ ﻋﺎﻡ 652 ﻕ.ﻡ ﻓﻨﻔﺎﻩ ﻫﺬﺍ ﺇﻟﻰ ﺁﺷﻮﺭ، ﺛﻢ ﺍﻧﺪﻟﻌﺖ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ، ﺑﺸﻜﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﺿﻮﺣﺎً، ﻓﻲ ﺃﻃﺮﺍﻑ ﺍﻹ‌ﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ، ﻓﺄﻛﺪﺕ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺍﺳﺘﻘﻼ‌ﻟﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ ﻫﻮﺷﻊ، ﻭﺍﺳﺘﻘﻠﺖ ﺑﺎﺑﻞ ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ ﺍﻷ‌ﺳﺮﺓ ﺍﻟﻜﻠﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﺒﺎﺑﻠﻴﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﺛﻢ ﺍﻧﺪﻟﻊ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺑﻴﻦ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﺍﻟﻨﺨﺒﺔ ﻓﻲ ﺁﺷﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺒﻘَّﻰ ﻣﻦ ﻗﻮﺓ، ﻓﻬﺎﺟﻤﻬﻢ ﺍﻟﺒﺎﺑﻠﻴﻮﻥ (ﺗﺤﺎﻟﻒ ﺍﻟﻜﻠﺪﺍﻧﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﺤﻮﺭﻳﻴﻦ) ﻭﺳﻘﻄﺖ ﻓﻲ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﺍﻟﻌﻮﺍﺻﻢ ﺍﻵ‌ﺷـﻮﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔـﺘﺮﺓ (614 ـ 612 ﻕ.ﻡ). ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻱ، ﻭﻛﺎﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻳﺸﻜﻞ ﺩﻭﻟﺔ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻓﻘﺪ ﺻﻤﺪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ ﺣﺮﺍﻥ ﺑﻤﺴﺎﻧﺪﺓ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ، ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ (610 ـ 609 ﻕ.ﻡ)، ﻧﺠﺢ ﺍﻟﻜﻠﺪﺍﻧﻴﻮﻥ (ﺑﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﻫﻮﺷﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﺮَّ ﺻﺮﻳﻌﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ) ﻓﻲ ﺗﺄﺧﻴﺮ ﺯﺣﻒ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﺔ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺍﺧﺘﻔﺖ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ ﻭﻇﻬﺮﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺒﺎﺑﻠﻴﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ.
.
.
 ﻭﻻ‌ ﻳﻤﻜﻦ ﻭﺻﻒ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ ﺑﻤﻌﺰﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﺎﺑﻠﻴﺔ، ﻓﻌﻠﻰ ﺣﺪّ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻤﺆﺭﺧﻴﻦ: ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻮﻥ ﻫﻢ ﺭﻭﻣﺎﻥ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻷ‌ﺩﻧﻰ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ، ﻓﺎﻟﺒﺎﺑﻠﻴﻮﻥ ﻫﻢ ﺇﻏﺮﻳﻘه، ﻭﻗﺪ ﻧﺠﺢ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻮﻥ ﻓﻲ ﺣﻘﻞ ﺍﻹ‌ﺩﺍﺭﺓ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻘﺪﻳﺮﻫﻢ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮﻥ ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻡ، ﻭﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻛﺎﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﺍﻟﻤﻠﻚ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺆﻟﻬﺎً، ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪﻩ ﺍﻟﻜﻬﻨﺔ ﻭﻃﺒﻘﺔ ﺍﻟﻤﺤﺎﺭﺑﻴﻦ، ﻭﻗﺪ ﻗُﺴِّﻤﺖ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻃﻌﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺱ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺎﻛﻢ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻀﺮﺍﺋﺐ ﻭﺗﻨﻔﻴﺬ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻷ‌ﺳﺎﺳﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﻭﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻭﺻﻴﺪﻫﺎ ﻭﺻﻴﺪ ﺍﻷ‌ﺳﻤﺎﻙ (ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺼﻴﺪ ﻫﻮﺍﻳﺔ ﺍﻟﻨﺒﻼ‌ﺀ ﺍﻷ‌ﻭﻟﻰ)، ﻛﻤﺎ ﻃﻮﺭﻭﺍ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﻭﺍﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﻭﺍﻟﺠﺰﻳﺔ ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺿﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻤﻐﻠﻮﺑﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺃﻳﻀﺎً، ﻭﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﻭﺍﺋﻞ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻮﻟﺖ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﻓﻦ، ﻓﻠﻘﺪ ﻃﻮﺭﻭﺍ ﻭﺃﺑﺪﻋﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻷ‌ﺳﻠﺤﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﺃﺳﻠﺤﺔ ﺍﻟﺤﺼﺎﺭ (ﺍﻟﺘﻜﺘﻴﻚ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ)، ﻭﺍﻟﻬﺠﻮﻡ ﺑﺠﻴﻮﺵ ﺟﺮﺍﺭﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺗﻜﺘﺴﺢ ﻣﺎ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ ﺑﺸﺪﺓ ﻭﺿﺮﺍﻭﺓ ﺭﻫﻴﺒﺔ. 
.
.
ﻭﻟﻬﺬﺍ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺸﻨﻮﻥ ﺣﺮﻭﺑﺎً ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻳﺴﺒﻮﻥ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻬﺰﻣﻮﻧﻬﺎ، ﻭﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﺘﻬﺠﻴﺮﻫﺎ ﻭﺗﻮﻃﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻋﻦ ﺃﻭﻃﺎﻧﻬﻢ ﺛﻢ ﻳﻮﻃِّﻨﻮﻥ ﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﺃﻗﻮﺍﻣﺎً ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻫﺬﻩ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺗﺸﺒﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﻧﺰﻉ ﺍﻟﺴﻼ‌ﺡ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﻭﻓﺮﺽ ﺍﻟﺴﻼ‌ﻡ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ، ﻭﻗﺪ ﺍﺿﻄﺮ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﺠﻮﺀ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻹ‌ﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﻟﻌﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺟﻴﺶ ﺍﺣﺘﻼ‌ﻝ ﺩﺍﺋﻢ ﻗﻮﻱ... 

ﻭﻗﺪ ﻃﻮَّﺭ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻮﻥ ﻓﻦ ﺇﻧﺸﺎﺀ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺧﺬ ﺷﻜﻼ‌ً ﻣﺮﺑﻌﺎً ﻭﺗﺤﺘﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﺍﺋﻖ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﻭﻧﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﻗﻨﻮﺍﺕ ﻣﻴﺎﻩ ﺗﺠﻠﺐ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﻦ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻱ ﺗﻄﻮﻳﺮﺍً ﻟﻠﻔﻨﻮﻥ ﺍﻟﺒﺎﺑﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﻴﺜﻴﺔ، ﻓﻄﻮﺭﻭﺍ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻷ‌ﺣﺠﺎﺭ ﻓﻲ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ﻭﺃﻋﻤﺪﺗﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﻃﻮﺭﻭﺍ ﺍﻟﻘﻮﺱ ﺍﻟﺒﺎﺑﻠﻲ، ﻭﻓﻲ ﻧﻘﻮﺷﻬﻢ ﺍﻟﺒﺎﺭﺯﺓ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ، ﻇﻬﺮﺕ ﺃﻛﺜﺮ ﺭﺳﻮﻣﻬﻢ ﺃﺻﺎﻟﺔ ﺣﻴـﺚ ﺻـﻮﺭﻭﺍ ﻣﻨـﺎﻇﺮ ﺍﻟﺼـﻴﺪ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﻣﻨﻈﺮ ﺁﻻ‌ﻡ ﺍﻷ‌ﺳﺪ ﺍﻟﺬﺑﻴﺢ. ﻭﻫﻢ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺃﻭﻝ ﻧﻮﺗﺔ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ، ﻭﻗﺪ ﻃﻮَّﺭ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻮﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﺒﺎﺑﻠﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻄﺐ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﺍﻷ‌ﺩﺑﻴﺔ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺍﻟﻤﻼ‌ﺣﻢ ﻭﺍﻷ‌ﺳﺎﻃﻴﺮ ﻛﻤﺎ ﺗﻀﻤﻨﺖ ﻧﺼﻮﺻﺎً ﺩﻳﻨﻴﺔ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﺘﻄﻮﺭﺓ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺇﺣﺴﺎﺱ ﻋﻤﻴﻖ ﺑﺎﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﺍﻷ‌ﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺆﺳﺴﻮﻥ ﺃﻭﻝ ﻣﻜﺘﺒﺎﺕ ﺗﻀﻢ ﻣﺪﻭﻧﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ. .
.
ﻭﻳُﻘﺎﻝ ﺇﻥ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺁﺷﻮﺭ ﺑﺎﻧﻴﺒﺎﻝ ﺿﻤَّﺖ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺃﻟﻒ ﻟﻮﺡ ﻃﻴﻨﻲ ﻭﺃﺳﻄﻮﺍﻧﺎﺕ ﺗﺤﺘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﺎﺷﻴﺪ ﻭﺃﺳﺎﻃﻴﺮ ﻭﺃﻋﻤﺎﻝ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻭﺭﻳﺎﺿﻴﺔ، ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻹ‌ﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ ﺗﻀﻢ ﻋﺪﺓ ﺷﻌﻮﺏ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺗﻬﺠﻴﺮ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻤﻐﻠﻮﺑﺔ ﺃﺩَّﻯ ﺇﻟﻰ ﺗﺰﺍﻭﺝ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻴﻦ ﻭﺑﻨﺎﺕ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻷ‌ﺧﺮﻯ، ﺍﻷ‌ﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺩَّﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻟﺘﺠﺎﻧﺲ ﺍﻟﻌﺮْﻗﻲ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻭﻇﻬﻮﺭ ﺭﺅﻳﺔ ﺃﻣﻤﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻐﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﺔ، ﻭﺗُﻌَﺪُّ ﻟﻬﺠﺘﻬﺎ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺃﺻﻼ‌ً ﻟﻠﻐﺔ ﺍﻷ‌ﻛﺎﺩﻳﺔ، ﺃﻣﺎ ﻟﻬﺠﺘﻬﺎ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﺒﺎﺑﻠﻴﺔ، ﻭﻗﺪ ﺗﺒﻨَّﻰ ﺍﻵ‌ﺷـﻮﺭﻳﻮﻥ ﺍﻟﺨـﻂ ﺍﻟﻤﺴـﻤﺎﺭﻱ، ﺛﻢ ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﻮﺍ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻵ‌ﺭﺍﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﻣﺘﺄﺧﺮ. ﻭﺇﻟﻬﻬﻢ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﻫﻮ ﺁﺷﻮﺭ ﺧﺎﻟﻖ ﺍﻵ‌ﻟﻬﺔ ﻭﺍﻟﺒﺸﺮ ﺟﻤﻴﻌﺎً، ﻭﻫﻮ ﺇﻟﻪ ﺣﺮﺏ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻤﺜﻠﻮﻧﻪ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﺭﺍﻣﻲ ﺳﻬﺎﻡ ﺩﺍﺧﻞ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺗﻤﺜﻞ ﻗﺮﺹ ﺷﻤﺲ ﻟﻬﺎ ﺃﺟﻨﺤﺔ. ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻋﺸﺘﺎﺭ (ﻋﺸﺘﺮﻭﺕ)، ﺍﻹ‌ﻟﻬﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻟﻠﺤﺮﺏ ﻭﺍﻟﺨﺼﺐ، ﺗُﻌﺒَﺪ ﻓﻲ ﻛﻞٍّ ﻣﻦ ﻧﻴﻨﻮﻱ ﻭﺁﺷﻮﺭ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻵ‌ﻟﻬﺔ ﺍﻷ‌ﺧﺮﻯ ﺗﻤﺜﻞ ﻗﻮﻯ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻓﻴﻤﺜﻞ ﺃﻧﻮ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﻭﻳﻤﺜﻞ ﺑﻞ ﺍﻷ‌ﺭﺽ، ﻭﺃﻳﺎ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ، ﻭﺳﻴﻦ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﻘﻤﺮ، ﻭﺷﻤﺎﺵ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻭﺭﻣﺎﻥ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﻌﺎﺻﻔﺔ. .
.
ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﻛﻠﻬﺎ ﺁﻟﻬﺔ ﺑﺎﺑﻠﻴﺔ ﻣﺎﻋﺪﺍ ﺁﺷﻮﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻧﻈﻴﺮﺍً ﻟﻤﺮﺩﻭﺥ ﺍﻟﺒﺎﺑﻠﻲ. ﻭﻗﺪ ﺭﻓﻊ ﺍﻵ‌ﺷﻮﺭﻳﻮﻥ ﺇﻟﻬﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﺘﺴﺎﻣﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻵ‌ﻟﻬﺔ ﺣﺘﻰ ﻭﺻﻠﻮﺍ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺸﻮﺍﺑﻴﺔ (ﺍﻟﺘﻐﻠﻴﺒﻴﺔ)، ﻭﻫﻮ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺃﺛَّﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ.
.
.
"ونلاحظ من خلال الخاتمه ان الآشوريون مشركون ليسوا على ديانة سماوية فقد اتخذوا من الأحجار و الأشكال آلهه فآلوا إلى الزوال فمن يشرك ونلاحظ من خلال الخاتمه ان الآشوريون مشركون ليسوا على ديانة سماوية فقد اتخذوا من الأحجار و الأشكال آلهه فآلوا إلى الزوال فمن يشرك بالله لا خلاق له لا دنيا ولا آخرة و الآخره هي دار القرار ولا يدوم إلا الحي القيوم، استودعكم الله ولنا عودة في سلسلة قادمة من التاريخ الإنساني"
.
.
ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ:ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ "ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻴﺔ"
ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔو ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻹ‌ﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔو ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ .
المرجع :
متدى التاريخ العام للمؤرخة هيام عبده مزيد ..

السبت، 19 سبتمبر 2015

باب ذكر يحيى عَلَيْهِ السلام [1]
قَالَ مؤلف الكتاب: ولد يحيى قبل عِيسَى بستة [أشهر] [2] .
وقيل: قبل أن يرفع عِيسَى عَلَيْهِ السلام، وكان يحيى قد رزق الفطنة والفهم فِي زمن الصبا من الصغر [3] .
قَالَ قتادة [فِي قوله] [4] : وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا 19: 12 [5] . قَالَ: ابن ثلاث سنين.
قَالَ علماء السير: نبّئ يحيى صغيرا. فساح ثم دخل الشام يدعو الناس، وكان طعامه الجراد وقلوب الشجر. وكان يحيى كثير العبادة غزير الدمعة.
أَخْبَرَنَا المُحَمَّدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني، قَالَ: عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحسين، قَالَ: حدثني [سَعِيد] [6] بن شرحبيل، قال: حدّثنا سعيد بن عطارة، عَنْ وهيب بْن الورد، قَالَ:
كان ليحيى بْن زكريا خطان فِي خديه من البكاء، فَقَالَ له أبوه زكريا: إني إنما سألت اللَّه عز وجل ولدا تقر به عيني، فَقَالَ: يا أبت، إن جبريل عَلَيْهِ السلام أخبرني أن بين الجنة والنار مفازة لا يقطعها إلّا كل بكّاء.

ذكر سبب قتل يحيى بْن زكريا [7]
رَوَى الأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
بَعَثَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فِي اثْنَيْ عَشَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ، وَكَانَ فِيمَا نَهَوْهُمْ عَنْهُ نِكَاحُ ابْنَةَ الأَخِ، وَكَانَ لِمَلِكِهِمُ ابْنَةُ أَخٍ تُعْجِبُهُ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَكَانَ لَهَا كُلُّ يَوْمٍ حَاجَةٌ يَقْضِيهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ أُمَّهَا، فَقَالَتْ لَهَا: إِذَا دَخَلْتِ عَلَى الْمَلِكِ فَسَأَلَكِ مَا حَاجَتُكِ، فَقُولِي: حَاجَتِي أَنْ تَذْبَحَ لِي يَحْيَى، فَقَالَتْ لَهُ: فَقَالَ: سَلِي غَيْرَ هَذَا، قالت: ما أسأل غيره.
فدعا يَحْيَى وَدَعَا بِطِسْتٍ فَذَبَحَهُ فَنَدَرَتْ قَطْرَةٌ مِنْ دَمِهِ عَلَى الأَرْضِ، فَلَمْ تَزَلْ تَغْلِي حَتَّى بعث الله بُخْتَ نَصَّرَ [عَلَيْهِمْ] [8] فَجَاءَتْهُ عَجُوزٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَدَلَّتْهُ عَلَى ذَلِكَ الدَّمَ، فَأَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِهِ أَنْ يَقْتُلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْكُنَ، فَقَتَلَ سَبْعِينَ أَلْفًا [مِنْهُمْ] [9] فَسَكَنَ [10] .
.
.
وذكروا في قتله أسبابا مِنْ أَشْهَرِهَا أَنَّ بَعْضَ مُلُوكِ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِدِمَشْقَ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبَعْضِ مَحَارِمِهِ أَوْ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهَا فَنَهَاهُ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ ذَلِكَ فَبَقِيَ فِي نَفْسِهَا مِنْهُ. فَلَمَّا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَلِكِ مَا يُحِبُّ مِنْهَا اسْتَوْهَبَتْ مِنْهُ دَمَ يَحْيَى فوهبه لها فبعث إِلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ وَجَاءَ بِرَأْسِهِ وَدَمِهِ فِي طشت إِلَى عِنْدِهَا فَيُقَالُ إِنَّهَا هَلَكَتْ مِنْ فَوْرِهَا وَسَاعَتِهَا وَقِيلَ بَلْ أَحَبَّتْهُ امْرَأَةُ ذَلِكَ الْمَلِكِ وَرَاسَلَتْهُ فَأَبَى عَلَيْهَا فَلَمَّا يَئِسَتْ مِنْهُ تَحَيَّلَتْ فِي أَنِ اسْتَوْهَبَتْهُ مِنَ الْمَلِكِ فَتَمَنَّعَ عَلَيْهَا الملك ثم أجابها الى ذلك فبعث مَنْ قَتَلَهُ وَأَحْضَرَ إِلَيْهَا رَأْسَهُ وَدَمَهُ فِي طشت.
وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَاهُ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ فِي كِتَابِهِ الْمُبْتَدَأُ حَيْثُ قَالَ أَنْبَأَنَا يَعْقُوبٌ الْكُوفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ رَأَى زَكَرِيَّا فِي السَّمَاءِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ يَا أَبَا يَحْيَى خَبِّرْنِي عَنْ قَتْلِكَ كَيْفَ كَانَ وَلِمَ قَتَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ. قَالَ يَا مُحَمَّدُ أُخْبِرُكَ أَنَّ يَحْيَى كَانَ خَيْرَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَكَانَ أَجْمَلَهُمْ وَأَصْبَحَهُمْ وَجْهًا وَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (سَيِّداً وَحَصُوراً) 3: 39 وكان لا يحتاج الى النساء فهوته امْرَأَةُ مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانَتْ بَغِيَّةً فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ وَعَصَمَهُ اللَّهُ وَامْتَنَعَ يَحْيَى وَأَبَى عَلَيْهَا فأجمعت عَلَى قَتْلِ يَحْيَى وَلَهُمْ عِيدٌ يَجْتَمِعُونَ فِي كُلِّ عَامٍ وَكَانَتْ سُنَّةُ الْمَلِكَ أَنْ يُوعِدَ وَلَا يُخْلِفَ وَلَا يَكْذِبَ. قَالَ فَخَرَجَ الْمَلِكُ إِلَى الْعِيدِ فَقَامَتِ امْرَأَتُهُ فَشَيَّعَتْهُ وَكَانَ بِهَا مُعْجَبًا وَلَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ فِيمَا مَضَى فَلَمَّا أَنْ شَيَّعَتْهُ قَالَ الْمَلِكُ سَلِينِي فَمَا سَأَلْتِنِي شَيْئًا إِلَّا أَعْطَيْتُكِ قَالَتْ أُرِيدُ دَمَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا قَالَ لَهَا سَلِينِي غَيْرَهُ قَالَتْ هُوَ ذَاكَ قَالَ هُوَ لَكِ قَالَ فَبَعَثَتْ جَلَاوِزَتَهَا إِلَى يَحْيَى وَهُوَ فِي مِحْرَابِهِ يُصَلِّي وَأَنَا إِلَى جَانِبِهِ أُصَلِّي قَالَ فَذُبِحَ فِي طشت وَحُمِلَ رَأْسُهُ وَدَمُهُ إِلَيْهَا. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا بَلَغَ مِنْ صَبْرِكَ قَالَ مَا انْفَتَلْتُ مِنْ صَلَاتِي قَالَ فَلَمَّا حُمِلَ رَأْسُهُ إِلَيْهَا فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهَا فَلَمَّا أَمْسَوْا خَسَفَ اللَّهُ بِالْمَلِكِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَحَشَمِهِ فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدْ غَضِبَ إِلَهُ زَكَرِيَّا لِزَكَرِيَّا فَتَعَالَوْا حَتَّى نَغْضَبَ لِمَلِكِنَا فَنَقْتُلَ زَكَرِيَّا قَالَ فَخَرَجُوا فِي طَلَبِي لِيَقْتُلُونِي وَجَاءَنِي النَّذِيرُ فَهَرَبْتُ مِنْهُمْ وَإِبْلِيسُ أَمَامَهُمْ يَدُلُّهُمْ عَلَيَّ فَلَمَّا تَخَوَّفْتُ أَنْ لَا أُعْجِزَهُمْ عَرَضَتْ لِي شَجَرَةٌ فَنَادَتْنِي وَقَالَتْ إِلَيَّ الى وانصدعت لي ودخلت فِيهَا. قَالَ وَجَاءَ إِبْلِيسُ حَتَّى أَخَذَ بِطَرَفِ رِدَائِي وَالْتَأَمَتِ الشَّجَرَةُ وَبَقِيَ طَرَفُ رِدَائِي خَارِجًا مِنَ الشَّجَرَةِ وَجَاءَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَالَ إِبْلِيسُ أَمَا رَأَيْتُمُوهُ دَخَلَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ هَذَا طَرَفُ رِدَائِهِ دَخَلَهَا بِسِحْرِهِ فَقَالُوا نُحَرِّقُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَقَالَ إِبْلِيسُ شُقُّوهُ بِالْمِنْشَارِ شَقًّا. قَالَ فَشُقِقْتُ مَعَ الشَّجَرَةِ بِالْمِنْشَارِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ وَجَدْتَ لَهُ مَسًّا أَوْ وَجَعًا قَالَ لَا إِنَّمَا وَجَدَتْ ذَلِكَ الشجرة التي جَعَلَ اللَّهُ رُوحِي فِيهَا. هَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ جدا وَحَدِيثٌ عَجِيبٌ وَرَفْعُهُ مُنْكَرٌ وَفِيهِ مَا يُنْكَرُ على كل حال ولم ير في شيء من أحاديث الاسراء ذكر زكريا عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ فَمَرَرْتُ بِابْنَيِ الْخَالَةِ يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَإِنَّ أُمَّ يَحْيَى أَشْيَاعُ بِنْتُ عِمْرَانَ أُخْتُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ. وَقِيلَ بَلْ أَشْيَاعُ وَهِيَ امْرَأَةُ زَكَرِيَّا أُمُّ يَحْيَى هِيَ أُخْتُ حَنَّةَ امْرَأَةِ عِمْرَانَ أَمِّ مَرْيَمَ فَيَكُونُ يَحْيَى ابْنَ خَالَةِ مَرْيَمَ فاللَّه أَعْلَمُ ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي مَقْتَلِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا هَلْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَمْ بِغَيْرِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْمُسْتَقْصَى فِي فَضَائِلِ الْأَقْصَى مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ صُبْحٍ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ سعيد بن عبد العزيز عن قاسم مَوْلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ كَانَ مَلِكُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ يعنى دمشق هداد ابن هدار وكان قد زوجه ابنه بابنة أخيه أريل ملكة صيدا وَقَدْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْلَاكِهَا سُوقُ الْمُلُوكِ بِدِمَشْقَ وَهُوَ الصَّاغَةُ الْعَتِيقَةُ قَالَ وَكَانَ قَدْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا.
ثُمَّ إِنَّهُ أَرَادَ مُرَاجَعَتَهَا فَاسْتَفْتَى يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فَقَالَ لَا تَحِلُّ لَكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ فَحَقَدَتْ عَلَيْهِ وَسَأَلَتْ مِنَ الْمَلِكِ رَأْسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ أُمِّهَا فَأَبَى عَلَيْهَا ثُمَّ أَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ وَبَعَثَ إِلَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بمسجد حيرون مَنْ أَتَاهُ بِرَأْسِهِ فِي صِينِيَّةٍ فَجَعَلَ الرَّأْسَ يقول له لَا تَحِلُّ لَهُ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ الطَّبَقَ فَحَمَلَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا وَأَتَتْ بِهِ أُمَّهَا وَهُوَ يَقُولُ كَذَلِكَ فَلَمَّا تَمَثَّلَتْ بَيْنَ يَدَيْ أُمِّهَا خُسِفَ بِهَا إِلَى قَدَمَيْهَا ثُمَّ إِلَى حَقْوَيْهَا وَجَعَلَتْ أُمُّهَا تُوَلْوِلُ وَالْجَوَارِي يَصْرُخْنَ وَيَلْطِمْنَ وُجُوهَهُنَّ ثُمَّ خُسِفَ بِهَا إِلَى مَنْكِبَيْهَا فَأَمَرَتْ أُمُّهَا السَّيَّافَ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهَا لِتَتَسَلَّى بِرَأْسِهَا فَفَعَلَ فَلَفَظَتِ الْأَرْضُ جُثَّتَهَا عِنْدَ ذَلِكَ وَوَقَعُوا فِي الذُّلِّ وَالْفَنَاءِ وَلَمْ يَزَلْ دَمُ يَحْيَى يَفُورُ حَتَّى قدم نَصَّرَ فَقَتَلَ عَلَيْهِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ أَلْفًا قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهِيَ دَمُ كُلِّ نَبِيٍّ وَلَمْ يَزَلْ يَفُورُ حَتَّى وَقَفَ عِنْدَهُ أَرْمِيَا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ أَيُّهَا الدَّمُ أَفْنَيْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَاسْكُنْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَسَكَنَ فَرُفِعَ السَّيْفُ وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَتَبِعَهُمْ إِلَيْهَا فَقَتَلَ خَلْقًا كثيرا لا يحصون كثرة وسبى منهم ثم رجع عنهم. وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ الوليد ابن مُسْلِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ رَأَيْتُ رأس يحيى ابن زَكَرِيَّا حِينَ أَرَادُوا بِنَاءَ مَسْجِدِ دِمَشْقَ أُخْرِجَ مِنْ تَحْتِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْقِبْلَةِ الَّذِي يَلِي الْمِحْرَابَ مِمَّا يَلِي الشَّرْقَ فَكَانَتِ الْبَشَرَةُ وَالشَّعْرُ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَفِي رِوَايَةٍ كَأَنَّمَا قُتِلَ السَّاعَةَ. وَذُكِرَ فِي بِنَاءِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ أَنَّهُ جُعِلَ تَحْتَ الْعَمُودِ الْمَعْرُوفِ بِعَمُودِ السَّكَاسِكَةِ فاللَّه أَعْلَمُ[11] . [*]
.
.
__________
.
.
[1] بياض في ت مكان «ذكر يحيى عليه السلام» .
[2] في الأصل: «قبل عيسى بسنة» . وما أثبتناه من ت، وهو موافق لما في الطبري 1/ 585.
[3] في ت: «في زمن الصغر» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] سورة: مريم الآية: 12.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] بياض من ت مكان «ذكر سبب قتل يحيى بن زكريا» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 586.
[11] من هنا الى قصة عيسى لم يوجد في النسختين الموجودتين بالمكتبة الملكية المصرية .
.
.
المصادر :
[*]المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)(2/7)
[*]البداية والنهاية

المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)(2/53,54,55)
باب ذكر زكريا عليه السلام [١]
.
.
وهو زكريا بن أدي [٢]- وقيل: ابن برخيا- من أولاد سليمان بن داود [عليهما السلام] [٣] ، أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا القطيعي، قال:
حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا بريد، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي نافع، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
«كان زكريا نجارا» [٤] .
.
.
"ذكر الأحداث في زمن زكريا، وقتل اليهود له"
.
.
وجود نذر حنة بنت فاقود، فإنها لما حملت نذرت حملها محررا لله تعالى ليكون في المسجد متعبدا. فلما وضعت مريم جاءت بها إلى العباد، فاقترعوا على كفالتها، فرموا أقلامهم مع جرية الماء فرسبت وصعد قلم زكريا فكفلها، وكانت أخت مريم عند زكريا، فلما رأى رزقها يأتي من غير كلفة، سأل ربه عز وجل ولدا، وكانت زوجته اسمها: أشياع [٥] بنت عمران- وهي أخت مريم- فجاءته بيحيى، وطلب آية على وجود الحمل، لأن الحمل لا يتحقق بأوله ليبادر بالشكر، فأمسك لسانه عن كلام الناس من غير مرض، ولم يمسك عن الذكر لله سبحانه وتعالى.
قال الربيع بن أنس: لما سمع اليهود كلام عيسى في المهد حسدوا زكريا وعادوه وكان أخبرهم قبل ذلك بحبل مريم، فتغامزوا به، وقد وجدوا ذلك مكتوبا عندهم كيف يكون، وأخبرهم به سليمان، فالتمسوا زكريا ليقتلوه، فهرب حتى انتهى إلى شجرة عظيمة، فتجوفت له ودخل فيها فجاءوا يطيفون بالشجرة فرأوا هدبة من ثوبه، فقطعوا الشجرة حتى خلصوا إليه فقتلوه [6] .
وقال السدي: اتهموا زكريا وقالوا: هو أحبل مريم فطلبوه، فهرب إلى الشجرة.
قال أحمد بن جعفر المنادي: وكان له من العمر أقل من مائة سنة.
.
.
الحواشي: 
.
.
[١] في ت بياض مكان «ذكر زكريا عليه السلام» .
[٢] في الأصل: «أدن» . وفي ت: «أذن» . وما أثبتناه من الطبري ١/ ٥٩٠.
[٣] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناها من ت.
[٤] حديث: «كان زكريا نجارا» الفردوس بمأثور الخطاب رقم ٤٨١٢ ط. دار الكتب العلمية وفي الحاشية يخيل على مصادره. (وأخرجه الإمام أحمد في المسند ٢/ ٢٩٦، ٤٠٥، ٤٨٥) .
[٥] في الأصل: «أسباع» . وفي الطبري ١/ ٥٨٥: «الأشباع» وفي إحدى نسخ الطبري «الأشياع» . وما أثبتناه من ت. 
[6] أورد ابن كثير هذه القصة في البداية والنهاية ٢/ ٥٤- ضمن عدة أقوال- مطولة، وعزاها لإسحاق بن بشر في كتاب «المبتدإ» ، وقال ابن كثير بعد أن أوردها: «هذا سياق غريب جدا، وحديث عجيب ورفعه منكر، وفيه ما ينكر على كل حال، ولم ير في شيء من أحاديث الإسراء ذكر زكريا عليه السلام إلا في هذا الحديث، وإنما المحفوظ في بعض ألفاظ الصحيح في حديث الإسراء» وساق طرفا منه.
.
.
المصدر: 
المنتظم في تاريخ الملوك و الأمم لابي الفرج ابن الجوزي رحمه الله.. 

الجمعة، 18 سبتمبر 2015

(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
.
.
(مناظرة ابْن عَبَّاس للخوارج)
قَالَ الذَّهَبِيّ قَالَ عِكْرِمَة بن عمار حَدثنِي أَبُو زميل قَالَ حَدثنِي ابْن عَبَّاس قَالَ لما اجْتمعت الْخَوَارِج قلت لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أبرد بِالصَّلَاةِ لعَلي آتى الْقَوْم قَالَ فَإِنِّي أَخَافهُم عَلَيْك قلت كلا فَقَالَ أَنْت وَذَاكَ فَلبس حلتين من أحسن الْحلَل وَكَانَ جهيراً جميلا.
قَالَ فَأتيت الْقَوْم فَلَمَّا رأواني قَالُوا مرْحَبًا بِابْن عَبَّاس!
فَمَا هَذِه الْحلَّة ؟
قلت وَمَا تنكرون من ذَلِك لقد رَأَيْت على رَسُول الله حلَّة من أحسن الْحلَل قَالَ ثمَّ تَلَوت عَلَيْهِم {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ...الآية} الْأَعْرَاف 32 .
قالوا فَمَا جَاءَ بك ؟
قلت جِئتُكُمْ من عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن عِنْد أَصْحَاب رَسُول الله
وصهره, فَأقبل بَعضهم على بعض وَقَالُوا لَا تُكَلِّمُوهُ فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {بَل هُم قَوم خَصِمونَ} الزخرف 58 , وَقَالَ بَعضهم وَمَا يمنعنا من كَلَام ابْن عَم رَسُول الله يَدْعُونَا إِلَى كتاب الله فَقَالُوا ننقم عَلَيْهِ خلالا ثَلَاثًا :
-       أَحدهَا أَنه حكم الرِّجَال فِي دين الله وَمَا للرِّجَال وَحكم الله .
-       الثَّانِيَة أَنه قَاتل وَلم يسب وَلم يغنم فَإِن كَانَ قد حل قِتَالهمْ فقد حل سَبْيهمْ وَإِلَّا فَلَا .
-       الثَّالِثَة أَنه محا نَفسه من إمرة الْمُؤمنِينَ فَإِن لم يكن أَمِير الْمُؤمنِينَ فَهُوَ أَمِير الْمُشْركين .
قَالَ ابْن عَبَّاس : هَل غير هَذَا ؟
فَقَالُوا حَسبنَا هَذَا .
 فَقَالَ لَهُم أَرَأَيْتُم إِن خرجت لكم من كتاب الله وَسنة رَسُوله أراجعون أَنْتُم ؟
قَالُوا وَمَا يمنعنا !
قَالَ: أما قَوْلكُم إِنَّه حكم الرِّجَال فِي أَمر الله تَعَالَى فَإِنِّي سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه {يحكُمُ بِهِ ذوَا عَدل مِنكُم} الْمَائِدَة 95 وَذَلِكَ فِي ثمن صيد أرنب وَنَحْوه قِيمَته ربع دِرْهَم فوض الله تَعَالَى فِي الحكم إِلَى الرِّجَال وَلَو شَاءَ أَن يحكم لحكم وَقَالَ {وَإِن خِفتم شِقَاقَ بَينِهِمَا فَاَبعَثُوا حَكَمَاً مِن أهلِه وَحَكَمَاً مِّن أهلِهَا} الْآيَة النِّسَاء 35 .
أخرجت من هَذِه ؟
قَالُوا : نعم .
قلت: وَأما قَوْلكُم قَاتل وَلم يسب فَإِنَّهُ قَاتل أمكُم لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وأزواجه أمَهاتهم} الْأَحْزَاب 6 فَإِن زعمتم أَنَّهَا لَيست بأمكم فقد كَفرْتُمْ وَإِن زعمتم أَنَّهَا أمكُم فَمَا حل سباؤها فَأنْتم بَين ضلالتين ! أخرجت من هَذِه ؟
قَالُوا : نعم .
قلت : وَأماقَوْلكُم إِنَّه محا سمه من إمرة الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي أنبئكم عَن ذَلِك أما تعلمُونَ أَن رَسُول الله يَوْم الْحُدَيْبِيَة جرى الْكتاب بَينه وَبَين سُهَيْل بن عَمْرو كتاب الصُّلْح والهدنة فَقَالَ يَا عَليّ اكْتُبْ هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله فَقَالَ سُهَيْل لَو نعلم أَنَّك رَسُول الله مَا منعناك الدُّخُول وَلَا قَاتَلْنَاك وَلَكِن اكْتُبْ اسْمك وَاسم أَبِيك فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي رَسُولك ثمَّ أَخذ الصَّحِيفَة فمحاها بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ يَا عَليّ اكْتُبْ هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله إِلَخ فوَاللَّه مَا أخرجه ذَلِك عَن النُّبُوَّة .
أخرجت من هَذِه ؟
قَالُوا : نعم .
قَالَ : فَرجع ثلثهم وَانْصَرف ثلثاهم وَقتل سَائِرهمْ على الضَّلَالَة يَوْم النهروان كَمَا يَأْتِي قَرِيبا ذكره قَالَ عَوْف حَدثنَا أَبُو نَضرة عَن أبي سعيد تفترق أمتِي فرْقَتَيْن تمرق بَينهمَا مارقة تقتلهم أولى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ وَهَكَذَا رَوَاهُ قَتَادَة وَسليمَان التَّيْمِيّ عَن أبي نَضرة قاْل المَسْعُودِيّ فَاجْتمع الثُّلُث الْبَاقِي من الْخَوَارِج فِي أَرْبَعَة آلَاف قلت ظهر أَن المَسْعُودِيّ رجح رِوَايَة أَنهم كَانُوا اثْنَي عشر ألفا فَكَانَ الثُّلُث أَرْبَعَة آلَاف وَبَايَعُوا عبد الله بن وهب الرَّاسِبِي وَلَحِقُوا بِالْمَدَائِنِ وَقتلُوا عَامل عَليّ عَلَيْهَا عبد الله بن خباب رضي الله عنه, ذبحوه ذبحا وبقروا بَطْنه وبطن امْرَأَته وَكَانَت حَامِلا وَقتلُوا غَيرهَا من النِّسَاء .
وَكَانَ عَليّ قد انْفَصل عَن الْكُوفَة فِي خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألفا ثمَّ سَارُوا إِلَى النهروان وأتى إِلَى عَليّ من قبل عَامله على الْبَصْرَة ابْن عَبَّاس ثَلَاثَة آلَاف فيهم الْأَحْنَف بن قيس وَذَلِكَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ فَنزل عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى الأنبار والتأمت عَلَيْهِ العساكر فَسَار حَتَّى أَتَى إِلَى النهروان فَبعث إِلَيْهِم عَليّ بِالْحَارِثِ بن مرّة الْعَبْدي رَسُولا يَدعُوهُم إِلَى الرُّجُوع فَقَتَلُوهُ وبعثوا إِلَى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِن تبتَ من حكومتك وَشهِدت على نَفسك بالْكفْر بايعناك وَإِن أَبيت فاعتزلنا حَتَّى نَخْتَار لأنفسنا إِمَامًا فَإنَّا مِنْك بُرَآء فَقَالَ عَليّ كرم الله وَجهه ( ورضي عنه وارضاه) , سِيرُوا إِلَى الْقَوْم فَإِنَّكُم تجدونهم قد عسكروا بالرملة فوَاللَّه لَا يفلت مِنْهُم عشرَة وَلَا يقتل مِنْكُم عشرَة فَأَشْرَف عَلَيْهِم وَقد عسكروا بالرملة على حسب مَا قَالَه لأَصْحَابه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ أَتَى عَلَيْهِم فَلم يفلت مِنْهُم إِلَّا سَبْعَة وَلم يقتل من أَصْحَاب على إِلَّا تِسْعَة فَقَالَ الله أكبر لقد صدق رَسُول الله
فقد أَخْبرنِي بذلك ثمَّ أَمر ينظر المخدج من بَين الْقَتْلَى وَهُوَ ذُو الثدية لحم مُجْتَمع على مَنْكِبه كثدي الْمَرْأَة عَلَيْهِ شَعرَات سود إِذا مدت اللحمة امتدت حَتَّى تحاذي بطن يَده ثمَّ تتْرك فتعود إِلَى مَنْكِبه فَلَمَّا وجدوه بَين الْقَتْلَى ثني عَليّ رَضِي الله عَنهُ رجله وَنزل فَخر سَاجِدا وَمر بهم وهم صرعى فَقَالَ لقد صرعكم من غركم قَالُوا وَمن غرهم قَالَ الشَّيْطَان ..انتهى ..
.
.
رضي الله عنكم يا صحابة رسول الله كم من فتن جسام تهد الظهر و تدم الجنان وقفوا فيها وقوف الجبال الرواسي لا تهتز و لا تنهار, ورضي الله ورحم سيدنا ابن ابي الحسن و ابن عباس علم وجهاد وتقى وورع حتى مع من تجراء عليهم, هم و الله تلاميذ المصطفى صلى الله عليه وسلم.
.
.
المصدر :
سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

المؤلف: عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي المكي (المتوفى: 1111هـ)

ذكر خبر غزو بختنصر للعرب :
.
.
حدثت عن هشام بن مُحَمَّد، قَالَ: كان بدء نزول العرب ارض العراق وثبوتهم فيها، واتخاذهم الحيرة والأنبار منزلا- فيما ذكر لنا والله أعلم- أن الله عز وجل أوحى الى برخيا بن احنيا بن زر بابل بن شلتيل من ولد يهوذا- قَالَ هشام: قَالَ الشرقي: وشلتيل أول من اتخذ الطفشيل- أن ائت بختنصر وأمره أن يغزو العرب الذين لا أغلاق لبيوتهم ولا أبواب، ويطأ بلادهم بالجنود، فيقتل مقاتلتهم ويستبيح أموالهم، وأعلمه كفرهم بي، واتخاذهم الآلهة دوني، وتكذيبهم أنبيائي ورسلي.
قال: فاقبل برخيا من نجران حتى قدم على بختنصر ببابل- وهو نبوخذ نصر، فعربته العرب- وأخبره بما أوحى الله إليه وقص عليه ما أمره به، وذلك في زمان معد بن عدنان قَالَ: فوثب بختنصر على من كان في بلاده من تجار العرب، وكانوا يقدمون عليهم بالتجارات والبياعات.
ويمتارون من عندهم الحب والتمر والثياب وغيرها.
فجمع من ظفر به منهم، فبنى لهم حيرا على النجف وحصنه، ثم ضمهم فيه ووكل بهم حرسا وحفظة، ثم نادى في الناس بالغزو، فتأهبوا لذلك وانتشر الخبر فيمن يليهم من العرب فخرجت إليه طوائف منهم مسالمين مستأمنين، فاستشار بختنصر فيهم برخيا، فقال: إن خروجهم إليك من بلادهم قبل نهوضك إليهم رجوع منهم عما كانوا عليه فاقبل منهم، فأحسن إليهم قَالَ: فأنزلهم بختنصر السواد على شاطئ الفرات، فابتنوا موضع عسكرهم بعد فسموه الأنبار قال: وحلى عن اهل الحير، فاتخذوها منزلا حياة بختنصر، فلما مات انضموا إلى أهل الأنبار، وبقي ذلك الحير خرابا.
وأما غير هشام من أهل العلم بأخبار الماضين فإنه ذكر أن معد بن عدنان لما ولد، ابتدأت بنو إسرائيل بأنبيائهم فقتلوهم، فكان آخر من قتلوا يحيى بن زكرياء، وعدا أهل الرس على نبيهم فقتلوه، وعدا أهل حضور على نبيهم فقتلوه، فلما اجترءوا على أنبياء الله أذن الله في فناء ذلك القرن الذين معد بن عدنان من أنبيائهم، فبعث الله بختنصر على بني إسرائيل، فلما فرغ من إخراب المسجد الأقصى والمدائن وانتسف بني إسرائيل نسفا، فأوردهم أرض بابل أري فيما يرى النائم- أو أمر بعض الأنبياء أن يأمره- أن يدخل بلاد العرب فلا يستجبى فيها إنسيا ولا بهيمة، وأن ينتسف ذلك نسفا، حتى لا يبقي لهم أثرا فنظم بختنصر ما بين إيلة والأبلة خيلا ورجلا، ثم دخلوا على العرب فاستعرضوا كل ذي روح أتوا عليه وقدروا عليه وأن الله تعالى أوحى إلى إرميا وبرخيا أن الله قد أنذر قومكما، فلم ينتهوا، فعادوا بعد الملك عبيدا، وبعد نعيم العيش عالة يسألون الناس، وقد تقدمت إلى أهل عربة بمثل ذلك فأبوا إلا لحاجة، وقد سلطت بختنصر عليهم لأنتقم منهم فعليكما بمعد بن عدنان، الذى من ولده محمد الذي أخرجه في آخر الزمان، أختم به النبوة، وأرفع به من الضعة.
فخرجا تطوى لهما الأرض حتى سبقا بختنصر، فلقيا عدنان قد تلقاهما، فطوياه إلى معد، ولمعد يومئذ اثنتا عشرة سنة، فحمله برخيا على البراق، وردف خلفه، فانتهيا إلى حران من ساعتهما، وطويت الأرض لإرميا فأصبح بحران، فالتقى عدنان وبختنصر بذات عرق، فهزم بختنصر عدنان، وسار في بلاد العرب، حتى قدم إلى حضور واتبع عدنان، فانتهى بختنصر إليها، وقد اجتمع أكثر العرب من أقطار من عربة إلى حضور، فخندق الفريقان، وضرب بختنصر كمينا- وذلك أول كمين كان فيما زعم- ثم نادى مناد من جو السماء: يا لثارات الأنبياء! فأخذتهم السيوف من خلفهم ومن بين أيديهم، فندموا على ذنوبهم، فنادوا بالويل، ونهي عدنان عن بختنصر ونهي بختنصر عن عدنان، وافترق من لم يشهد حضور، ومن أفلت قبل الهزيمة فرقتين: فرقة أخذت إلى ريسوب وعليهم عك، وفرقة قصدت لوبار وفرقة حضر العرب، قَالَ: وإياهم عنى الله بقوله: «وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً» ، كافرة الأهل، فإن العذاب لما نزل بالقرى وأحاط بهم في آخر وقعة ذهبوا ليهربوا فلم يطيقوا الهرب، «فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا» انتقامنا منهم «إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ» يهربون، قد أخذتهم السيوف من بين أيديهم ومن خلفهم «لا تَرْكُضُوا» لا تهربوا «وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ» الى العيشه على النعم المكفورة «وَمَساكِنِكُمْ» مصيركم «لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ» .
فلما عرفوا أنه واقع بهم أقروا بالذنوب، فقالوا: «يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ» ، موتى وقتلى بالسيف فرجع بختنصر إلى بابل بما جمع من سبايا عربة فألقاهم بالأنبار، فقيل أنبار العرب، وبذلك سميت الأنبار، وخالطهم بعد ذلك النبط فلما رجع بختنصر مات عدنان وبقيت بلاد العرب خرابا حياة بختنصر، فلما مات بختنصر خرج معد بن عدنان معه الأنبياء، أنبياء بني إسرائيل صلوات الله عليهم حتى أتى مكة فأقام أعلامها، فحج وحج الأنبياء معه، ثم خرج معد حتى أتى ريسوب فاستخرج أهلها، وسأل عمن بقي من ولد الحارث بن مضاض الجرهمي، وهو الذي قاتل دوس العتق، فأفنى أكثرهم جرهم على يديه، فقيل له: بقي جوشم بن جلهمة، فتزوج معد ابنته معانة، فولدت له نزار بن معد
المصدر :
كتاب تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك لمؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)


الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

وَكَانَ مِمَّن يتبع فِي زمن إِبْرَاهِيم الخليل عَلَيْهِ السَّلام ذو الْقَرْنَيْنِ
وإن كَانُوا قَدِ اختلفوا فِي زمان كونه.
فروي عَنْ عَلِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ من القرون الأَوَّل من ولد يافث بْن نوح. وقيل: إنه من ولد عيلم بْن سام. وأنه ولد بأرض الروم حِينَ نزلها ولد سام.
وَقَالَ الْحَسَن البصري: كَانَ بَعْد ثمود.
وذكر أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي أَنَّهُ كَانَ فِي زمان الخليل، ومات فِي ذَلِكَ الزمان.
وَهَذَا الأشبه.
فَقَدْ رَوَى الفضل بْن عطية، عَنْ عَطَاء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَن ذا الْقَرْنَيْنِ لقي إِبْرَاهِيم الخليل بمَكَّة فسلم عَلَيْهِ وصافحه واعتنقه.
وجاء فِي حَدِيث آخر: أَن إِبْرَاهِيم الخليل كَانَ جالسا فِي مكان فسمع صوتا، فقال: ما هذا الصوت؟ قيل لَهُ: هَذَا ذو الْقَرْنَيْنِ فِي جنوده. فَقَالَ لرجل عنده: ائت ذا الْقَرْنَيْنِ وأقرئه مني السَّلاَم، فأتاه، فَقَالَ: إِن إِبْرَاهِيم يقرأ عليك السَّلام، قَالَ: ومن إِبْرَاهِيم؟ قَالَ: خليل الرحمن، قال: وَإِنَّهُ لَهَا هنا؟ قَالَ: نعم، فنزل [عَنْ فرسه ومشى] ، فقيل لَهُ: إِن بينك وبينه مسافة، فقال: ما كنت أركب فِي بلد فِيهِ إِبْرَاهِيم، فمشى إِلَيْهِ فسلم عَلَيْهِ، وأوصاه، وأهدى إِلَيْهِ إِبْرَاهِيم بقرا وغنما.
واختلف الْعُلَمَاء فِي اسم ذي الْقَرْنَيْنِ عَلَى أربعة أقوال: أحدها: عَبْد اللَّهِ. قاله علي رضي الله عَنْهُ. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: اسمه عَبْد اللَّهِ بْن الضَّحَّاك.
وَالثَّانِي: الإسكندر، قاله وهب. وقيل: هُوَ الإسكندر بْن قيصر. قاله أَبُو الْحُسَيْن ابن المنادي، وَكَانَ قيصر هَذَا أول القياصرة وأقدمهم، وإنما سمي بذي القرنين بعد ذلك بزمان طويل.
والثالث: عياش، قاله مُحَمَّد بْن عَلِي بْن الْحُسَيْن. والرابع: الصعب بْن جاثر بْن القلمس. ذكره أبو بكر بن أبي خثيمة.
واختلفوا هل كَانَ نبيا أم لا.
فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو، وسعيد بْن الْمُسَيِّب، والضحاك بْن مزاحم: كَانَ نبيا.
وخالفهم الأكثرون فِي هَذَا، فروينا عَنْ عَلِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عبدا صالحا أمر قومه بتقوى اللَّه، لَمْ يكن نبيا ولا ملكا. وَقَالَ وهب: كَانَ ملكا وَلَمْ يوح إِلَيْهِ.
وقال أحمد بن جعفر المنادي: كَانَ عَلَى دين إِبْرَاهِيم.
واختلفوا فِي سبب تسميته بذي الْقَرْنَيْنِ. عَلَى عشرة أقوال:
أحدها: أَنَّهُ دعا قومه إِلَى اللَّه تَعَالَى فضربوه عَلَى قرنه فهلك فغبر زمانا ثُمَّ بعثه الله تعالى فدعاهم إِلَى اللَّه فضربوه عَلَى قرنه الآخر فهلك فذلك قرناه. قاله عَلِي بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي رواية. وَالثَّانِي: أَنَّهُ سمي بذي الْقَرْنَيْنِ لأنه سار إِلَى مغرب الشمس وإلى مطلعها، رواه أَبُو صَالِح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأَرْمُويِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي، أَخْبَرَنَا عمر بن شاهين، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَائِدَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ جَادِمٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ بَلَغَ ذُو الْقَرْنَيْنِ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: سُخِّرَ لَهُ السَّحَابُ وَمُدَّتْ لَهُ الأَسْبَابُ وَبُسِطَ لَهُ النُّورُ. وَفِي رواية أُخْرَى عَنْ عَلِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عبدا صالحا ناصح للَّه وأطاعه فسخر له السحاب فحمله عَلَيْهِ/ وبسط النور. والثالث: لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس. والرابع: لأنه رأى فِي النوم كأنه امتد من السماء إِلَى الأَرْض، فأخذ بقرني الشمس، فقص ذلك عَلَى قومه فسمي بذي الْقَرْنَيْنِ.
والخامس: لأنه ملك فارس والروم.
والسادس: لأنه كَانَ فِي رأسه شبه القرنين. رويت هذه الأقوال الأربعة عن وهب ابن منبه.
والسابع: لأنه كانت لَهُ غديرتان من شعر. قاله الْحَسَن.
قَالَ أَبُو بَكْر بْن الأنباري: والعرب تسمى الضفيرتين من الشعر غديرتين وضفيرتين وقرنين. ومن قَالَ سمي بِذَلِكَ لأنه ملك فارس والروم قَالَ: لأنهما عاليان عَلَى جانبين من الأَرْض، فقال لهما قرنان.
والثامن: لأنه كَانَ كريم الطرفين من أَهْل بَيْت ذوي شرف.
والتاسع: لأنه انقرض فِي زمانه قرنان من النَّاس وَهُوَ حي.
والعاشر: لأنه سلك الظلمة والنور. ذكر هذه الأقوال [الأربعة]  أَبُو إِسْحَاق الثعلبي .
قَالَ مجاهد: ملك الأَرْض أربعة، مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سُلَيْمَان بْن دَاوُد، وذو الْقَرْنَيْنِ، والكافران: نمرود، ونصر.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن جَعْفَر: زعموا أَن ذا الْقَرْنَيْنِ أحد عظماء ملوك الأَرْض إلا أن الله أعطاه مَعَ ذَلِكَ التوحيد والطاعة واصطناع الخير، ومد لَهُ فِي الأسباب وأعانه عَلَى أعدائه، وفتح المدائن والحصون، وغلب الرجال وعمر عمرا طويلا بلغ فِيهِ المشارق والمغارب وبنى السد فيما بَيْنَ النَّاس وبين يأجوج ومأجوج، وَكَانَ في ذلك رحمة للمؤمنين، وحرزا منيعا من البلاء الَّذِي لا طاقة لَهُمْ به.

===================================================================================
ذكر طرف من أخباره
رَوَى أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادَى بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر ذَا الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ أَمْرُهُ أَنَّهُ كَانَ غُلامًا مِنَ الرُّومِ أُعْطِيَ مُلْكًا حَتَّى أَتَى أَرْضَ مِصْرَ، فَابْتَنَى عِنْدَهَا مَدِينَةً يُقَالُ لَهَا الإِسْكَنْدَرِيَّةُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَائِهَا أَتَاهُ مَلَكٌ فَعَرَجَ بِهِ فَقَالَ لَهُ: انْظُرْ مَا تَحْتَكَ، قَالَ: مَا أَرَى مَدِينَتِي وَأَرَى مَدَائِنَ مَعَهَا، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ، فَقَالَ له: انظر، فقال: قد اخْتَلَطَتِ الْمَدَائِنُ، ثُمَّ زَادَ فَقَالَ لَهُ: انْظُرْ، فَقَالَ: أَرَى مَدِينَتِي وَحْدَهَا لا أَرى غَيْرَهَا، فقال له الْمَلِكُ: إِنَّمَا تِلْكَ الأَرْضُ كُلُّهَا وَهَذَا السَّوَادُ الَّذِي تَرَى مُحِيطًا بِهِ الْبَحْرَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الله أَنْ يُرِيَكَ الأَرْضَ وَقَدْ جَعَلَ لَكَ سُلْطَانًا فِيهَا، فَسِرْ فِي الأَرْضِ عَلِّمِ الْجَاهِلَ وَثَبِّتِ الْعَالِمَ.
[فَسَارَ] حَتَّى بَلَغَ مَغَرْبَ الشَّمْسِ ثُمَّ أَتَى السَّدَّيْنِ، وَهُمَا جَبَلانِ لَيِّنَانِ يَنْزِلُ عَنْهُمَا كُلُّ شَيْءٍ، فَبَنَى السَّدُّ، ثُمَّ سَارَ فَوَجَدَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يُقَاتِلُونَ قَوْمًا وُجُوهَهُمْ كَوُجُوهِ الْكِلابِ ثُمَّ قَطَعَهُمْ، فَوَجَدَ أُمَّةً قِصَارًا يُقَاتِلُونَ الَّذِينَ وُجُوهَهُمْ كَوُجُوهِ الْكِلاب، ثُمَّ مَضَى فَوَجَدَ أُمَّةً من الغرانيق يقاتلون القوم الْقِصَارَ، ثُمَّ مَضَى فَوَجَدَ أُمَّةً مِنَ الْحَيَّاتِ تَلْتَقِمُ الْحَيَّةُ مِنْهَا الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ، ثُمَّ أَفْضَى إِلَى الْبَحْرِ الْمَدِيرِ بِالأَرْضِ» . وَرَوَى أَبُو الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ [، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ]  بْنِ أَبِي [طَالِبٍ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ عَبْدًا صَالِحًا، وَكَانَ قَدْ مَلَكَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَكَانَ لَهُ خَلْيلٌ مِنَ الْمَلائِكَة اسْمُهُ رَفَائِيلُ يَأْتِي ذَا الْقَرْنَيْنِ وَيَزُورُهُ، فَبَيْنَمَا هُمَا  يَوْمًا يَتَحَدَّثَانِ، قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: يَا رَفَائِيلُ، حَدَّثَنِي كَيْفَ عِبَادَتُكُمْ فِي السَّمَاءِ، فَبَكَى رَفَائِيلُ وَقَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ وَمَا عِبَادَتُكُمْ عِنْدَ عِبَادَتِنَا، إِنَّ فِي السموات من الملائكة هُوَ قَائِمٌ أَبَدًا لا يَجْلِسُ، وَمِنْهُم السَّاجِدُ لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ أَبَدًا، وَمِنْهُمُ الرَّاكِعُ لا يَسْتَوِي قَائِمًا أَبَدًا، وَمِنْهُم الرَّافِعُ وَجْهَهُ لا يجلس أبدا، وهم يقولون: سبحان الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ رِبِّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادِتَكَ. فَبَكَى ذُو الْقَرْنَيْنِ بُكَاءً شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَفَائِيلُ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ أَعِيشَ فَأَبْلُغُ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّي حَقَّ طاعته. فقال رفائيل: أو تحبّ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ للَّه عَيْنَا فِي الأَرْضِ تُسَمَّى عَيْنُ الْحَيَاةِ فِيهَا عَزِيمَةٌ أَنَّهُ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا شَرْبَةً إِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ الْمَوْتَ. قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنْتُمْ مَوْضِعَ تِلْكَ الْعَيْنِ، فَقَالَ رَفَائِيلُ: لا، غَيْرُ أَنَّنَا نَتَحَدَّثُ فِي السَّمَاءِ أَنَّ للَّه فِي الأَرْضِ ظُلْمَةٌ لا يَطَؤُهَا إِنْسٌ وَلا جَانٌّ، فَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ هِيَ الَّتِي فِي تِلْكَ الظُّلْمَةِ، فَجَمَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ حُكَمَاءَ أَهْلِ الأَرْضِ، وَأَهْلِ دِرَاسَةِ الْكُتُبِ وَآَثَارِ النُّبُوَّةِ، وَقَالَ: أَخْبِرُونِي هَلْ وَجَدْتُمْ فِيمَا قَرَأْتُمْ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَمَا جَاءَكُمْ مِنْ أَحَادِيثَ الأَنْبِيَاءِ، وَحَدِيثِ مِنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ فِي الأَرْضِ عَيْنًا سَمَّاهُ عَيْنَ الْحَياةِ؟ فَقَالَتِ الْعُلَمَاءُ: لا، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَهَلْ وَجَدْتُمْ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ فِي الأَرْضِ ظُلْمَةً لا يَطَؤُهَا إِنْسٌ وَلا جَانٌّ؟ قَالُوا: لا، فَقَالَ عَالِمٌ [مِنَ] الْعُلَمَاءِ وَاسْمُهُ أَفْشَنْجِيرُ:
أَيُّهَا الْمَلِكُ لِمَ تَسْأَلُ عَنْ هَذَا؟ فَأَخْبَرَهُ بالحَدِيثِ وَمَا قَالَ لَهُ رَفَائِيلُ فِي الْعَيْنِ وَالظُّلْمَةِ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنِّي قَرَأْتُ وَصِيَّةَ آَدَمَ فَوَجَدْتُ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ فِي الأرض ظلمة لا يطؤها إنس ولا جان، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَأَيُّ أَرْضٍ وَجَدْتَهَا فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: وَجَدْتَهَا عَلَى قَرْنِ الشَّمْسِ.
فَبَعَثَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي الأَرْضِ فَحُشِرَ النَّاسُ إِلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالأَشْرَافُ وَالْمُلُوكُ، ثُمَّ سَارَ يَطْلُبُ مَطْلعَ الشَّمْسِ، فَسَارَ إِلَى أَنْ بَلَغَ طَرَفَ الظُّلْمَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَإِذَا الظُّلْمَةُ لَيْسَتْ بِلَيْلٍ وَظُلْمَةٌ تَفُورُ مِثْلَ الدُّخَانِ، فَعَسْكَرَ ثُمَّ جَمَعَ عُلَمَاءَ عَسْكَرِهِ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْلُكَ هَذِهِ الظُّلْمَةَ، فَقَالَتِ الْعُلَمَاءُ: أَيُّهَا الْمَلِك، إِنَّهُ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَنْبِياءِ لَمْ يَطْلُبُوا هَذِهِ الظُّلْمَةَ فَلا تَطْلُبْهَا، فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَتَّفِقَ عَلَيْكَ مِنْهَا [أَمْرٌ] تَكْرَهُهُ، وَيَكُونُ فِيهَا فَسَادُ الأَرْضِ، فَقَالَ: مَا بُدٌّ مِنْ أَنْ أَسْلُكَهَا، فَخَرَّتِ الْعُلَمَاءُ سُجَّدًا، وَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ كُفَّ عَنْ هَذِهِ الظُّلْمَةِ وَلا تَطْلُبْهَا فَإِنَّا لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ إِنْ طَلَبْتَهَا ظَفَرَتَ بِمَا تُرِيدُ وَلَكِنَا نَخَافُ الْعتبَ مِنَ اللَّهِ، وَيَتَّفِقُ عَلَيْكَ أَمْرٌ يَكُونُ فِيهِ فَسَادُ الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهَا، فَقَالَ: مَا بُدٌّ مِنْ أَنْ أَسْلُكَهَا، فقالت العلماء: شأنك بها، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: أَيُّ الدَّوَابِ بِاللَّيْلِ أَبْصَرُ؟ قَالُوا: الْخَيْلُ، قَالَ: فَأَيُّهَا أَبْصَرُ؟ قَالُوا: الإِنَاثُ أَبْصَرُ، قَالَ: فَأَيُّ الإِنَاثِ؟ قَالُوا:
الْبَكَارَةُ.
فَأَرْسَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَجُمِعَ لَهُ سِتَّةُ آَلافِ فَرَسٍ أُنْثَى بَكَارَةً، ثُمَّ انْتَخَبَ مِنْ أَهْلِ عَسْكَرِهِ. أهل الجلد وَالْعَقْلِ سِتَّةَ آَلافِ رَجُلٍ، فَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ فَرَسًا، وَعَقَدَ لِلْخَضْرِ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ عَلَى أَلْفَيْنِ، وَكَانَ الْخَضْرُ وَزِيرَ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ خَالَتِهِ. وَبَقِيَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةِ آَلافٍ، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ لِلنَّاسِ: لا تَبْرَحُوا مِنْ عَسْكَرِكُمْ هَذَا اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً فَإِنْ نَحْنُ رَجَعْنَا إِلَيْكُمْ فَذَلِكَ وَإِلا فَارْجعُوا إِلَى بِلادِكُمْ، فَقَالَ الْخَضْرُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّا نَسْلُكُ ظُلَّمَةً لا نَدْرِي كَمُ السَّيْر فِيهَا وَلا يُبْصِرُ بَعْضُنَا بَعْضًا، فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِالضَّلالِ إِذَا أَصَابَنَا؟
فَدَفَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى الْخَضْرِ خَرَزَةً حَمْرَاءَ، فَقَالَ: حَيْثُ يُصِيبُكَ الضَّلالُ فَاطْرَحْ هَذِهِ الْخَرَزَةِ إِلَى الأَرْضِ فَإِذَا صَاحَتْ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهَا أَهْلُ الضَّلالِ. فَسَارَ الْخَضْرُ بَيْنَ يَدَي ذِي الْقَرْنَيْنِ يَرْتَحِلُ وَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَقَدْ عَرَفَ الخضر مَا يَطْلُبُ ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَذُو الْقَرْنَيْنِ يَكْتُمُ الْخَضْرَ.
فَبَيْنَمَا الْخَضْرُ يَسِيرُ إِذْ عَارَضَهُ وَادٍ، فَظَنَّ الْخَضْرُ أَنَّ الْعَيْنَ فِي الْوَادِي، فَلَّمَا قَامَ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي قَالَ لأَصْحَابِهِ: قِفُوا وَلا يَبْرَحَنَّ رَجُلٌ مِنْ مَوْقِفِهِ، وَرَمَى بِالْخَرَزَةِ في الوادي، فمكث طويلا ثم أضاءته الْخَرَزَةَ وَطَلَبَ صَوْتَهَا، فَانْتَهَى إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ على حافة العين، فنزع الخضر ثِيَابَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْعَيْنَ، فَإِذَا مَاءٌ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى/ مِنَ الشَّهْدِ فَشَرِبَ وَاغْتَسَلَ وَتَوَّضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ فَلَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ رَمَى بِالْخَرَزَةِ نَحْو أَصْحَابِهِ فَصَاحَتْ، فَرَجَعَ الْخَضْرُ إِلَى صَوْتِهَا وَإِلَى أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَهَا وَرَكِبَ فَسَارَ. وَمَرَّ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَأَخْطَأَ الْوَادِي فَسَلَكُوا تِلْكَ الظلمة أربعين يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخَرَجُوا إِلَى ضَوْءٍ لَيْسَ بِضَوْءِ شَمْسٍ وَلا قَمَرٍ، وَأَرْضٍ حَمْرَاءَ، وَرَمْلَةٍ. وَإِذَا قَصْرٌ مَبْنِيٌّ فِي تِلْكَ الأَرْضِ طَوْلُهُ فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ مُسَوَّرٌ لَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ، فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بِعَسْكَرِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَحْدَهُ حَتَّى دَخَلَ الْقَصْرَ، فَإِذَا حَدِيدَةٌ طَرَفَاهَا عَلَى حَافَّتَي الْقَصْرِ، وَإِذَا طَائِرٌ أَسْوَدٌ كَأَنَّهُ الْخُطَّافُ أَوْ شُبِّهَ بِالْخُطَّافِ، مَذْمُومٌ بِأَنْفِهِ إِلَى الْحَدِيدَةِ، مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْض فَلَمَّا سَمِعَ الطَّائِرُ خَشْخَشَةَ ذِي الْقَرْنَيْنِ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ الطَّائِرُ: يَا ذَا القرنين أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إِلَيَّ، يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ حَدَّثَنِي هَلْ كَثُرَ الْبِنَاءُ بِالأجُرِ وَالْجُصِّ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ انْتِفَاضَةً ثُمَّ انْتَفَخَ فَبَلَغَ ثُلُثَ الْحَدِيدَةِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ كَثُرَتْ شَهَادَاتِ الزُّورِ فِي الأَرْض؟ قَالَ: نَعَمْ. فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ ثُمَّ انْتَفَخَ فَبَلَغَ ثُلُثَي الْحَدِيدَةِ، ثُمَّ قَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ: حَدَّثَنِي هَلْ كَثُرَتِ الْمَعَازِفُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَانْتَفَضَ ثُمَّ انتفخ فملأ الحديدة وسد ما بَيْنَ جِدَارَيِّ الْقَصْرِ، فَاجْتثَّ ذُو الْقَرْنَيْنِ فرحًا، فَقَالَ الطَّائِرُ: هَلْ تَرَكَ النَّاسُ شَهَادَةَ أَنَّ لا إله إِلا اللَّهُ؟ قَالَ: لا، فَانْضَمَّ الطَّائِرُ ثُلُثًا ثُمَّ قَالَ: هَلْ تُرِكَتِ الصَّلاةُ الْمَفْرُوضَةُ؟ قَالَ: لا، فَانْضَمَّ الطَّائِرُ ثُلُثًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَرَكَ النَّاسُ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، قَالَ: لا، فَعَاد الطَّائِرُ كَمَا كَانَ ثُمَّ قَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ اسْلُكْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ إِلَى أَعْلَى الْقَصْرِ، فَسَلَكَهَا فَإِذَا سَطْحٌ وَعَلَيْهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، فَلَمَّا سَمِعَ خَشْخَشَةَ ذِي الْقَرْنَيْنِ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا ذُو الْقَرْنَيْنِ، قَالَ: يَا ذَا القرنين أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إِلَيَّ؟ قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا صَاحِبُ الصُّورِ، وَإِنَّ السَّاعَةَ اقْتَرَبَتْ وَأَنَا أَنْتَظِرُ أَمْرَ رَبِّي أَنِ انْفُخْ فَأَنْفُخُ. ثُمَّ نَاوَلَهُ حَجَرًا، فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنْ شَبِعَ شَبِعْتَ وَإِنْ جَاعَ جُعْتَ، فَرَجَعَ بِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَوَضَعُوا الْحَجَرَ فِي كَفِّهِ وَوَضَعُوا حَجَرًا آَخَرَ مُقَابِلهُ، فَإِذَا بِهِ يَمِيلُ، فَتَرَكُوا آَخَرَ كَذَلِكَ إِلَى أَلْفِ حَجَرٍ، فَمَالَ ذَلِكَ الْحَجَرُ بِالْكُلِّ. فَأَخَذَ الْخَضْرُ [كفا من تراب] وتركه فِي إِحْدَى الْكِفَّتَيْنِ وَأَخَذَ حَجَرًا مِنْ تِلْكَ الْحِجَارَةِ فَوَضَعَهُ فِي الْكِفَّةِ الأُخْرَى وَتَرَكَ مَعَهُ كَفًا مِنْ تُرَابٍ فَوَضَعَهُ عَلَى الْحَجَرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَاسْتَوَى فِي الْمِيزَانِ، فَقَالَ الْخَضْرُ: هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لَكُمْ إِنَّ ابْنَ آَدَمَ لا يَشْبَعُ أَبَدًا دُونَ أَنْ يُحْثَى عَلَيْهِ التُّرَابُ كَمَا لَمْ يَشْبَعْ هَذَا الحجر حَتَّى وَضَعْتُ عَلَيْهِ التُّرَابَ. قَالَ: صَدَقْتَ يَا خَضْرُ لا جَرَمَ، لا طَلَبْتُ أَثَرًا فِي الْبِلادِ بَعْدِ مَسِيرِي هَذَا، فَارْتَحَلَ رَاجِعًا حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسْطِ الظُّلْمَةِ وَطِئَ الْوَادِي الَّذِي فِيهِ زَبَرْجَدُ، فَقَالَ مَنْ مَعَهُ: مَا هَذَا الَّذِي تَحْتَنَا؟ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: خُذُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُ مَنْ أَخَذَ نَدِمَ وَمَنْ تَرَكَ نَدِمَ. فَأَخَذَ قَوْمٌ وَتَرَكَ قَوْمٌ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الظُّلْمَةِ إِذَا هُوَ بِزَبَرْجَدٍ، فَنَدِمَ الآَخِذُ وَالتَّارِكُ. ثُمَّ رَجَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَكَانَتْ مَنْزِلُهُ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ .
قَالَ الْحَسَن البصري: إِن ذا الْقَرْنَيْنِ كَانَ يركب وعلى مقدمته ستمائة ألف، وعلى ساقته ستمائة ألف.
كتاب أم الإسكندر إِلَيْهِ
قَالَ كعب الأحبار: إِن أم ذي الْقَرْنَيْنِ كانت حازمة عاقلة، فلما بلغها أَن ابنها قَدْ فتح المدائن واستعبد الرجال، ودانت لَهُ الملوك كتبت إِلَيْهِ.
بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من روقية أم الإسكندر إِلَى الإسكندر الموتى لَهُ، الضعيف الّذي بقوة ربه قوي، وبقدرته قهر، وبعزته استعلى، يا بَنِي لا تدع للعجب فيك مساغا فَإِن ذَلِكَ يرديك، ولا تدع للعظمة فيك مطمعا فَإِن ذَلِكَ يضعفك، يا بَنِي ذلل نفسك [للذي رفعك] . واعلم أنك عَنْ قليل محول عما أَنْتَ فِيهِ، يا بَنِي إياك والشح فَإِن الشح يرديك ويزري بك، وانظر هذه الكنوز الَّتِي جمعتها أَن تعجل حملها إلي كلها مَعَ رجل مفرد عَلَى فرس أجرد.
فلما ورد عَلَيْهِ الكتاب جمع النَّاس، فَقَالَ: انظروا فيما كتبت أمي وسألتني فِيهِ:
أَن أرسل بهذه الأموال، فقالوا: وكيف السبيل إِلَى حملها عَلَى فرس؟ فَقَالَ: هل عندكم غير هذا؟ قالوا: لا، فدعا كاتبه فَقَالَ: اكتب كُل مال جمعته فاحصه واجعله فِي كتاب وبين مواضعها وعدتها، ففعل الكاتب ثُمَّ ختم الكتاب، وحمل رجل عَلَى فرس، ثُمَّ قَالَ لَهُ: امض بِهَذَا الكتاب إِلَى أمي، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إِنَّمَا سألتني أمي أن أبعث إليها بعلم ما لي أجمع ومواضعها. قَالَ: إِن ذَلِكَ إِلَى اليوم معروف بالروم فِي بَيْت مملكتهم وبيوت أموالهم يجدُونَ علم ذَلِكَ فِي أرض كَذَا وكورة كَذَا، وموضع كَذَا وكذا، ومن المال كَذَا وكذا مِمَّا كنزه الإسكندر، وَكَانَ اللَّه لَمْ يجعل فِيهِ من الحرص شَيْئًا، وَلَمْ يجمع الدنيا إلا مَا كَانَ يسر بمن مَعَهُ فيقويهم عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ مسيرة ذَلِكَ رحمة للمؤمنين.
الكتاب: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)


ومن #الأندلس #الفردوس_المفقود يرسل سليل ملوك بني الأحمر الدكتور جمال بن الأحمر رسالة لملك اسبانيا #الأندلس كعادة الملوك المسلمون فيها عزة وكرامة وبين سطورها مجد تلد وختمها بالمقولة الشهيره ( #لا_غالب_إلا_الله ) وإليكم نص الرساله : 
.
.
" من ابن الأحمر إلى خوان كارلوس "
.
.
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتابٌ اكتـتـبه أبو محمد جمال بن عمار الأحمر؛ سليلُ بني الأحمر، ملوكِ الأندلسِ، إلى خوان كارلوس؛ ملكِ الأسبانِ
.
.
أحـمُـد إليك اللهَ الذي لا إلهَ إلا هو؛ يخلُـق الناسَ مِـن نَـفس واحدة؛ ويُـحـيِي الأرضَ بَـعد مَـوتِـها، وإلَـيهِ الـنُّـشور؛ ويَـبعثُ في كُلِّ عَـصر عِـبادا له من أُمَّـتِه؛ عُلماءَ وأُمراءَ، يَـجعلُهم مُـنَـاجِـزِين لظالميها عن حُـقوقِـهم، ومُـقَـارعين لِغَالِبيها عَن دِيـنِـهم ومِـلَّـتِهم، لا يَـألُـون في ذلك حِـرصـًا وطـلَـبـًا واحـتِـفَـالاً، فـيُـعِـدُّون مِن أَولِـيَـائِـهِـم، وأبناء دَعْـوَتِـهِـم ودَعـوَة آبَـائِـهِـم؛ أفضَلَهم شَـفَـاعَـة، وأحسَنَهم طَـاعَـة، وأكثَرَهم عُـدَّة، وأعـلَـمَـهم بالـمُـعـضِلات، ثُم يُـتـبِـعون الأَقـيَـالَ بالأقيالِ، والأَمْـوالَ بالأموالِ، والرِّجـالَ بالرجالِ، حتى تَـعُـودَ الـدَّارُ دارَهم، والـمَـحَـلََّة مـحَـلَّـتهم، والأمْـوالُ قِـسـما بَـينهم. وما ضاع حَــقٌّ وراءَه طَــالِـب.
.
.
أما بعد؛
.
.
بما بلغنا من أخبار أياديكم البيضاء على الشعب الأسباني، فإن قَـائدَ الشَّـعـبِ الأندلسِيِّ في شَـتَـاتِـه؛ رُومِـهِـم، وعَربِهم، وبَربرِهمُ الأمازِيغَ، وزُنوجِهم؛ يَسُره أن يُذَكِّركم بِـضَـيْـمٍ أصاب الشعبِ الأندلُسيّ المسلم الذي لا زال يُعاني الشَّتات في مَنَافِيه منذ عام (897هـ/1492م)، ويُجمل لكم خُلاصَة شَـأنِـه العَـامّ، ويُـقدّم إليكم هذه الأركان الجامعةَ التي بُنيت عليها "الـقـضـيـةُ الأنـدلـسـيـةُ المـعـاصـرة"، للنظر فيها، واتخاذِ ما يَلزم من قِـبَـلِـكُم، ولكُم مَـجدُ التَّاريخِ العَـادل:
.
.
1- الاعتذار عن نكث أسلافكم المعاهدة الأخيرة التي نكبت الشعب الأندلسي في موطنه عام (897هـ/1492م)، بعد أن كانوا قد أبرموها مع سلفنا أبي عبد الله محمد بن الأحمر 12، وفق الشريعة الإسلامية والأعراف الدولية.
.
.
2- تحمل نتائج نكث تلك المعاهدة، على المستويات: التاريخية، والقانونية، والاجتماعية، والدينية.
.
.
3- التحقيق التاريخي والقانوني في جرائم الحرب التي حدثت داخل الأندلس بأيدي بابوية وفرنسية وإنجليزية وأوربية صليبية؛ فراح ضحيتها المواطنون الأندلسيون المستضعفون في وطنهم بعد سقوط الحكم الإسلامي بالأندلس. ومن ثم تحديد المجرمين، معاقبتهم بأثر تاريخي، مع تحديد الضحايا في قوائم، والاعتذار إليهم، وتعويضهم عن نكباتهم، وإرجاع ألقابهم إلى أصولها.
.
.
4- التحقيق التاريخي والقانوني في حوادث التهجير القسري لأغلبية مواطني الأندلس (رومهم، وعربهم، وبربهم الأمازيغ، وزنجهم)، وتشتيتهم في شتى بقاع العالم. ومن ثم تحديد المجرمين، معاقبتهم بأثر تاريخي، مع تحديد الضحايا في قوائم، والاعتذار إليهم، وتعويضهم عن نكباتهم، وإصدار قوانين تخولهم العودة إلى مدنهم وقراهم وأريافهم الأندلسية، ومنحهم حق المواطنة الكامل.
.
.
5- إعادة المساجد، والأوقاف، وأملاك المسلمين الضائعة بأسبانيا، إلى الهيئات والمنظمات والمؤسسات الممثلة للمسلمين قانونيا، على غرار تعويضكم لأتباع الديانة اليهودية.
.
.
6- الإحسان إلى الجالية المسلمة المقيمة في أسبانيا، لأنها مخدوشة الكبرياء ومشوهة الصورة، من جراء جرائم محاكم التفتيش.
.
.
7- الإحسان إلى أفواج الشباب المهاجر إلى أسبانيا بغير وثائق سفر، لأن لهجرتهم ما يبررها تاريخيا وقانونيا ونفسيا. وتمييز هذه الهجرات من غيرها عند رسم سياسات الهجرة إلى الدول الأوربية.
.
.
8- إدماج القضية الأندلسية في كل حوار جاد ومسئول يعقد في أسبانيا مع ممثلي الديانات والجماعات العرقية والثقافية والسياسية الدولية، كبرهان عن حسن النيات الفكرية الحوارية.
.
.
9- منح الاستقلال وحق المصير إلى شعب مدينتي سبتة ومليلة المسلم كعلامة حسن نية في التبرؤ من عصور الاحتلال المظلمة.
.
.
10- الاعتذار للدول العربية والمسلمة التي شملتها اعتداءات أسبانيا واحتلالها لبلدانهم عند مطاردتها الشعب الأندلسي المشتت.
.
.
11- ضبط موارد السياحة من الآثار الإسلامية، وتدقيقها، ودفع الثلث إلى الممثل الشرعي الوحيد للشعب الأندلسي.
.
.
12- التحاور والتعامل معنا ومع هيئتنا لأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الأندلسي بشقيه المندمج والمشتت، والمبادر الأصيل في قضيته العادلة.
.
.
والحمدُ لله الذي تكفَّل بِنَصرِ مَن نَصرَه، وإعزَازِ مَن أَعزَّه.
هذا كتابُ ابن الأحمر إليكَ، وحجةُ الشعبِ الأندلسِـيِّ المسلم عليك. ( ولا غالبَ إلا الله )
في أرض الشتات، قبيل منتصف ليلة الخميس 9 شوال 1429هـ (9/10/2008)
.
.
المصدر:  
مدونة الدكتور " جمال بن عمار بن الأحمر الأندلسي "

الاثنين، 14 سبتمبر 2015

"صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم اطهر الناس ارواحاً وازكاهم أفئده"
.
.
يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد رجوعه من صفين : أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية؛ فإنكم لو فقدتموها رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل ..
.
.
وقد حزن معاوية رضي الله عنه لمقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه حزنًا شديدًا فيروي أنه عندما جاءه خبر قتله بكى بكاءً شديدًا؛ فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم . 
.
.
هؤلاء هم الصحابة رضوان الله عليهم أطهر الناس قلوباً واكثرهم رُقياً كيف لا وهم تربية النبي صلى الله عليه وسلم، و يأتيك الآن من لا يحسن ترتب الحروف ويطعن فيهم وينتقصهم بحجة انهم بشر ويخطؤن!! 
فهل يسوغ لك ذالك ان تطعن فيهم او تنتقدهم ؟!
ومن انت حتى تقيمهم ؟! 
اين انت من هذا الأثر ؟!
.
.
إذ روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهَ اللهَ في أصحابي، اللهَ اللهَ في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببُغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى، ومن آذى اللهَ فيوشك أن يأخذه».
.
.
ومن هذا ايضاً إذ روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه».. ومعنى قوله نصيفه أي: نصف المد..
.
.
وابين لمن لديه التباس، سيدنا معاويه لم يكن كارهاً لسيدنا علي ابداً ولا منازعاً في الحُكم، ولكن سيدنا معاوية رضوان الله عليه كان يطالب بدم الخليفه الشهيد سيدنا عثمان رضوان الله عليهم جميعاً وهو ابن عمه، وسيدنا علي كان يريد ترتيب الامور لا يريد ان يفرط في من بين يديه حتى يتثبت وحصلة الفتنه العظيمة التي ليس لنا ان نخوض فيها ابداً ولا نفتي فيها و الله المستعان .
.
.
وخذوا هذه إذ يقول الحسن البصري: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان بكتائب أمثال الجبال.
.
.
ولما رآهم عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: إني لأرى كتائب لا تولّى حتى تقتل أقرانها.
.
.
فقال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: إن قُتل هؤلاء وهؤلاء من لي بأمور الناس، من لي بضعفتهم، من لي بنسائهم، من لي بصبيانهم؟
.
.
وكان رضي الله عنه يكره القتال، وكان كما يقول الإمام ابن تيمية أشد الناس بعدًا عن القتال.
.
.
الأمر يطول لكن فكرة احببت اوردها، فتركوا صحابة رسول الله فهم خط احمر، انتهى و الله اعلم... 
.
.
بعض الآثار من موقع قصة الإسلام 
معبد الزرادشت ..

زرادشتيه يقومون بطقوسهم 
#الأديان_الوثنية ( #المجوس )
.
.
و المجوس
هم عبدة النيران، القائلون: إن للعالم أصلين: نور وظلمة. قال قتادة: الأديان خمسة، أربعة للشيطان، وواحد للرحمن, وقيل: المجوس في الأصل النجوس؛ لتدينهم باستعمال النجاسات [1].
.
.
عقيدتهم :
.
.
وأثبتوا أصلين، إلا أن المجوس الأصلية زعموا أن الأصلين لا يجوز أن يكونا قديمين أزليين، بل النور أزلي، والظلمة محدثة، ثم لهم اختلاف في سبب حدوثها:
أمن النور حدثت، والنور لا يحدث شرا جزئيا، فكيف يحدث أصل الشر؟
أم من شيء آخر، ولا شيء يشرك النور في الإحداث والقدم، وبهذا يظهر خبط المجوس.
وهؤلاء يقولون: المبدأ الأول من الأشخاص كيومرث، وربما يقولون: زروان الكبير، والنبي الثاني زردشت. والكيومرثية يقولون: كيومرث هو آدم عليه السلام. وتفسير كيومرث هو الحي الناطق.
وقد ورد في تواريخ الهند والعجم أن كيومرث هو آدم عليه السلام، ويخالفهم سائر أصحاب التواريخ [2] .
.
.
فرقهم :
.
.
الأولى الكيومرثية :
.
.
أصحاب المقدم الأول كيومرث أثبتوا أصلين: يزدان وأهرمن.
وقالوا: يزدان أزلي قديم، وأهرمن محدث مخلوق.
وقالوا: إن سبب خلق أهرمن أن يزدان فكر في نفسه أنه لو كان لي منازع كيف يكون؟ وهذه الفكرة كانت رديئة غير مناسبة لطبيعة النور، فحدث الظلام من هذه الفكرة، وسمي أهرمن، وكان مطبوعا على الشر والفتنة والفساد والفسق والضرر والإضرار، فخرج على النور، وخالفه طبيعة وفعلا، وجرت محاربة بين عسكر النور وعسكر الظلمة.
ثم إن الملائكة توسطوا فصالحوا على أن يكون العالم السفلي خالصا لأهرمن سبعة آلاف سنة، ثم يخلي العالم، ويسلمه إلى النور، والذين كانوا في الدنيا قبل الصلح أبادهم وأهلكهم، ثم بدأ برجل يقال له: كيومرث. وحيوان يقال له: ثور. فقتلهما فنبت من مسقط ذلك الرجل ريباس، وخرج من أصل ريباس رجل يسمى ميشة، وامرأة تسمى ميشانة، وهما أبو البشر، ونبت من مسقط الثور الأنعام وسائر الحيوانات.
وزعموا أن النور خير الناس- وهم أرواح بلا أجساد- بين أن يرفعهم عن مواضع أهرمن، وبين أن يلبسهم الأجساد فيحاربون أهرمن، فاختاروا لبس الأجساد ومحاربة أهرمن، على أن تكون لهم النصرة من عند النور والظفر بجنود أهرمن وحسن العاقبة وعند الظفر به وإهلاك جنوده تكون القيامة.
فذاك سبب الامتزاج وهذا سبب الخلاص [3].
.
.
الثانية  الزروانية:
قالوا: إن النور أبدع أشخاصا من نور كلها روحانية نورانية ربانية، ولكن الشخص الأعظم الذي اسمه زروان شك في شيء من الأشياء، فحدث أهرمن الشيطان- يعني إبليس- من ذلك الشك.
وقال بعضهم: لا، بل إن زروان الكبير قام فزمزم تسعة آلاف وتسعمائة وتسعا وتسعين سنة؛ ليكون له ابن، فلم يكن، ثم حدث نفسه وفكر وقال: لعل هذا العلم ليس بشيء. فحدث أهرمن من ذلك الهم الواحد، وحدث هرمز من ذلك العلم، فكانا جميعا في بطن واحد، وكان هرمز أقرب من باب الخروج، فاحتال أهرمن الشيطان حتى شق بطن أمه، فخرج قبله وأخذ الدنيا.
وقيل: إنه لما مثل بين يدي زروان، فأبصر ورأى ما فيه من الخبث والشرارة والفساد أبغضه ولعنه وطرده، فمضى واستولى على الدنيا.
وأما هرمز فبقي زمانا لا يد له عليه، وهو الذي اتخذه قوم ربا وعبدوه؛ لما وجدوا فيه من الخير والطهارة والصلاح وحسن الخلق.
وزعم بعض الزروانية أنه لم يزل كان مع الله شيء رديء: إما فكرة رديئة وإما عفونة رديئة، وذلك هو مصدر الشيطان, وزعموا أن الدنيا كانت سليمة من الشرور والآفات والفتن، وكان أهلها في خير محض ونعيم خالص، فلما حدث أهرمن حدثت الشرور والآفات والفتن والمحن، وكان بمعزل عن السماء، فاحتال حتى خرق السماء وصعد.
وقال بعضهم: كان هو في السماء، والأرض خالية عنه، فاحتال حتى خرق السماء ونزل إلى الأرض بجنوده كلها، فهرب النور بملائكته، واتبعه الشيطان حتى حاصره في جنته، وحاربه ثلاثة آلاف سنة لا يصل الشيطان إلى الرب تعالى، ثم توسط الملائكة وتصالحا على أن يكون إبليس وجنوده في قرار الأرض تسعة آلاف سنة بالثلاثة آلاف التي قاتله فيها، ثم يخرج إلى موضعه.
ورأى الرب - تعالى عن قولهم - الصلاح في احتمال المكروه من إبليس وجنوده، وأن لا ينقض الشرط حتى تنقضي المدة المضروبة للصلح، فالناس في البلايا والفتن والخزايا والمحن إلى انقضاء المدة، ثم يعودون إلى النعيم الأول، وشرط إبليس عليه أن يمكنه من أشياء يفعلها، ويطلقه في أفعال رديئة يباشرها، فلما فرغا من الشرط أشهد عليهما عدلين ودفعا سيفيهما إليهما، وقالا لهما: من نكث فاقتلاه بهذا السيف.
ولست أظن عاقلا يعتقد هذا الرأي القائل، ويرى هذا الاعتقاد المضمحل الباطل، ولعله كان رمزا إلى ما يتصور في العقل، ومن عرف الله سبحانه وتعالى بجلاله وكبريائه لم يسمح بهذه الترهات عقله، ولم يسمع مثل هذه الترهات سمعه.
وأقرب من هذا ما حكاه أبو حامد الزوزني أن المجوس زعمت أن إبليس كان لم يزل في الظلمة والجو خلاء بمعزل عن سلطان الله، ثم لم يزل يزحف ويقرب بحيله حتى رأى النور، فوثب وثبة فصار في سلطان الله في النور، وأدخل معه هذه الآفات والشرور، فخلق الله تعالى هذا العالم شبكة، فوقع فيها وصار متعلقا بها، لا يمكنه الرجوع إلى سلطانه، فهو محبوس في هذا العالم، مضطرب في الحبس، يرمي بالآفات والمحن والفتن إلى خلق الله تعالى، فمن أحياه الله رماه بالموت، ومن أصحه رماه بالسقم، ومن سره رماه بالحزن، فلا يزال كذلك إلى يوم القيامة.
وفي كل يوم ينقص سلطانه حتى لا تبقى له قوة، فإذا كانت القيامة ذهب سلطانه، وخمدت نيرانه، وزالت قوته، واضمحلت قدرته، فيطرحه في الجو، والجو ظلمة ليس لها حد ولا منتهى، ثم يجمع الله تعالى أهل الأديان فيحاسبهم ويجازيهم على طاعة الشيطان وعصيانه.
وأما المسخية فقالت: إن النور كان وحده نورا محضا، ثم انمسخ بعضه فصار ظلمة، وكذلك الخرمدينية قالوا بأصلين، ولهم ميل إلى التناسخ والحلول، وهم لا يقولون بأحكام وحلال وحرام.
ولقد كان في كل أمة من الأمم قوم مثل الإباحية والمزدكية والزنادقة والقرامطة كان تشويش ذلك الدين منهم، وفتنة الناس مقصورة عليهم [4] .
.
.
الثالثة  الزردشتية:
أولئك أصحاب زردشت بن يورشب الذي ظهر في زمان كشتاسب بن لهراسب الملك، وأبوه كان من أذربيجان وأمه من الري واسمها دغدوية.
وزعموا أن لهم أنبياء وملوكا أولهم كيومرث، وكان أول من ملك الأرض، وكان مقامه بإصطخر، وبعده أوشنهك بن فراوك، ونزل أرض الهند، وكانت له دعوة ثم, وبعده طمهودت، وظهرت الصابئة في أول سنة من ملكه, وبعده أخوه جم الملك, ثم بعده أنبياء وملوك: منهم منوجهر ونزل بابل وأقام بها, وزعموا أن موسى عليه السلام ظهر في زمانه حتى انتهى الملك إلى كشتاسب بن لهراسب، وظهر في زمانه زردشت الحكيم.
وزعموا أن الله عز وجل خلق من وقت ما في الصحف الأولى والكتاب الأعلى من ملكوته خلقا روحانيا، فلما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ مشيئته في صورة من نور متلألئ على تركيب صورة الإنسان، وأحف به سبعين من الملائكة المكرمين، وخلق الشمس والقمر والكواكب والأرض، وبني آدم غير متحركة ثلاثة آلاف سنة، ثم جعل روح زردشت في شجرة أنشأها في أعلى عليين، وأحف بها سبعين من الملائكة المكرمين، وغرسها في قمة جبل من جبال أذربيجان، يعرف باسمو يذخر، ثم مازج شبح زردشت بلبن بقرة، فشربه أبو زردشت فصار نطفة ثم مضغة في رحم أمه، فقصدها الشيطان وعيرها، فسمعت أمه نداء من السماء فيه دلالة على برئها فبرئت.
ثم لما ولد ضحك ضحكة تبينها من حضر، فاحتالوا على زردشت حتى وضعوه بين مدرجة البقر ومدرجة الخيل ومدرجة الذئب، فكان ينهض كل واحد منهم لحمايته من جنسه، ونشأ بعد ذلك إلى أن بلغ ثلاثين سنة، فبعثه الله تعالى نبيا ورسولا إلى الخلق فدعا كشتاسب الملك، فأجابه إلى دينه وكان دينه عبادة الله والكفر بالشيطان، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واجتناب الخبائث [5] .
.
.
----------------------------------
المراجع :
[1] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - 12/ 23
[2] الملل والنحل للشهرستاني - 1/ 278
[3] الملل والنحل للشهرستاني - 1/ 278
[4] الملل والنحل للشهرستاني - 1/ 278
[5] الملل والنحل للشهرستاني - 1/ 281
.
.
المصدر :
موسوعة الملل والأديان

مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف .
.
.
مع التحية شاهزاده ..