" يمين الدولة السلطان المظفر محمود ابن سبكتكين الغزنوي التركي رحمه الله "
.
.
هذا السلطان السني العظيم ومملكته في بلاد الأفغان وما كان عليه من حب للعمل وتقرب إلى الله بحمل راية الدعوة وبث روح الجهاد والاستشهاد في جنده، ونشر السنة، وقمع البدع, وما كان يتحلى به من قيم إسلامية مثلى كان لها أعمق الأثر في ازدهار مملكته والتفاف الناس حوله في محبة وتفان ووفاء ([1]).
إن سيرة السلطان محمود الغزنوي ودولته السُّنية تستحق أن تُفرد لها دراسة خاصة بها وندعو طلاب العلم والمهتمين بالتاريخ الإسلامي وفق منهج أهل السنة والجماعة إلى القيام بهذا الواجب لسد ثغرة في المكتبة الإسلامية ويوضح أهمية الالتزام بالسنة وأثر ذلك في قوة الدولة وينسف أكاذيب وشبهات الرافضة والباطنية حول هذا البطل السني العظيم, ومع هذا لا يمنع من الحديث عنه في هذه العجالة، فقد وصفه ابن كثير بالملك العادل الكبير المثاغر ([2])، المرابط المؤيد المنصور المجاهد يمين الدولة أبو القاسم محمود بن سبكتكين صاحب بلاد غزنة وتلك الممالك الكبار، وفاتح أكثر بلاد الهند قهراً، وكاسر بُدودِهم([3])، وأوثانهم كسراً، وقاهر هنودهم وسلطانهم الأعظم قهراً ([4])، وقد سار في الرعية سيرة عادلة وقام بأعباء الإسلام قياماً تاماً، وفتح فتوحات كثيرة في بلاد الهند وغيرها، وعظم شأنه في العالمين، واتسعت مملكته وامتدت رعاياه وطالت أيامه، ولله الحمد والمنة، وكان يخطب في سائر ممالكه للخليفة العباسي القادر بالله، وكانت رسل الفاطميين من الديار المصرية تَفِد إليه بالكتب والهدايا والتحف فيحرق كتبهم ويُخرّق حللهم ([5])، ولما قدم التاهرتي الداعي مندوب الدعوة الفاطمية من مصر على السُّلطان يدعوه سراً إلى مذهب الباطنية، وكان التاهرتي يركب بغلاً يتلون كل ساعة من كل لون، ففهم السلطان محمود سِرَّ دعوتهم، فغضب، وقتل التَّاهَرتي الخبيث، وأهدى بغله إلى القاضي أبي منصور محمد الأزدي شيخ هراة، وقال: كان يركبه رأس الملحدين، فليركبه رأس المُوحَّدين ([6]). وأما فتوحاته فقد اتفقت له في بلاد الهند فتوحات لم تتفق لغيره من الملوك، لا قبله ولا بعده, وغنم مغانم كثيرة لا تنحصر ولا تنضبط كثرة من الذهب واللآلئ والسَّبْي، وكسر من أصنامهم وأبدادهم وأوثانهم شيئاً كثيراً جداً، بيَّض الله وجهه وأكرم مثواه, وكان من جملة ما كسر من أصنامهم صنم عظيم للهنود يقال له سُومَنات ([7])، الذي كان يعتقد كفرة الهند أنه يحيى ويُميت ويحُجُّونه، ويقربون له النفائس، بحيث إن الوقوف عليه بلغت عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزائنه من صنوف الأموال، وفي خدمته من البراهمة ألفا نفس، ومائة جوقة مغاني رجال ونساء، فكان بين بلاد الإسلام وبين قلعة هذا الصَّنم مفازة نحو شهر، فسار السلطان في ثلاثين ألفاً، فيسَّر الله فتح القلعة في ثلاثة أيام، واستولى محمود على أموال لا تحصى([8])، بلغ ما تحصل منه من الذهب عشرين ألف دينار، وكسر ملك الهند الكبير الذي يقال له «جيبال». وقهر ملك الترك الأعظم الذي يقال له: إيلك خان، وأباد ملك السامانية، وقد ملكوا بخراسان مائة سنة بلاد سمرقند وما حولها، ثم هلكوا, وبنى على جيحون جسراً غرم عليه ألْفيْ ألف دينار، وهذا شيء لم يتفق لغيره من الملوك، وكان معه في جيشه أربعمائة فيل تقاتل، وهذه أمور هائلة ومرتبة طائلة، وجرت له فصول ذكر تفصيلها يطول، وكان في غاية الديانة والصيانة، يحب العلماء والمحدثين ويكرمهم ويجالسهم ويحسن إليهم، وكان حنفيّ المذهب، ثم صار شافعياً على يدي أبي بكر القفال الصغير ([9])وكان صادق النية في إعلاء الدين، مظفراً كثير الغزو، وكان ذكياً بعيد الغور صائب الرأي، دخل ابن فورك على السلطان محمود، فقال: لا يجوز أن يوصف الله بالفوقية لأنَّ لازم ذلك وصفه بالتحتية، فمن جاز له أن يكون له فوق، جاز أن يكون له تحت. فقال السلطان: ما أنا وصفته حتى يلزمني، بل هو وصف نفسه، فبهت ابن فورك، فلما
خرج من عنده مات ([10]). وكان السلطان محمود مُكرماً لأمرائه وأصحابه، وإذا نقم عاجل، وكان لا يفتر ولا يكاد يَقِرُّ، وكان يعتقد في الخليفة العباسي ويخضع لجلاله ويحمل
إليه قناطير الذهب, وكان إلباً على القرامطة والإسماعيلية وعلى المتكلمين ([11]) وعندما
ملك الري كتب إلى الخليفة القادر بالله يذكر أنه وجد لمجد الدولة البويهي من النساء الحرائر ما يزيد على خمسين امرأة ولدن له نيفاً وثلاثين ولداً، ولما سئل عن ذلك قال: هذه عادة سلفي، وصلب من أصحاب الباطنيين خلقاً كثيراً، ونفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة والنجوم ([12])... انتهى ..
.
.
الهوامش :
.
.
([1])تاريخنا بين تزوير الأعداء وغفلة الأبناء, للعظم، ص 180.
(5)المثاغر: أي المرابط على الثغور. (6)البدود: جمع البُدّ وهو الصنم بالفارسية.
(7)البداية والنهاية (15/628). (8)المصدر نفسه (15/633).
([5])
([6])سير أعلام النبلاء (17/486). (2)البداية والنهاية (15/634).
([8])سير أعلام النبلاء (17/485). (4)البداية والنهاية (15/634).
([10]، 6)سير أعلام النبلاء (17/487).
([12])الكامل في التاريخ, نقلاً عن: أيعيد التاريخ نفسه؟، ص 66
.
.
اعده المؤرخة هيام عبده مزيد الحكمي شفاها الله وعافاها ..
.
.
هذا السلطان السني العظيم ومملكته في بلاد الأفغان وما كان عليه من حب للعمل وتقرب إلى الله بحمل راية الدعوة وبث روح الجهاد والاستشهاد في جنده، ونشر السنة، وقمع البدع, وما كان يتحلى به من قيم إسلامية مثلى كان لها أعمق الأثر في ازدهار مملكته والتفاف الناس حوله في محبة وتفان ووفاء ([1]).
إن سيرة السلطان محمود الغزنوي ودولته السُّنية تستحق أن تُفرد لها دراسة خاصة بها وندعو طلاب العلم والمهتمين بالتاريخ الإسلامي وفق منهج أهل السنة والجماعة إلى القيام بهذا الواجب لسد ثغرة في المكتبة الإسلامية ويوضح أهمية الالتزام بالسنة وأثر ذلك في قوة الدولة وينسف أكاذيب وشبهات الرافضة والباطنية حول هذا البطل السني العظيم, ومع هذا لا يمنع من الحديث عنه في هذه العجالة، فقد وصفه ابن كثير بالملك العادل الكبير المثاغر ([2])، المرابط المؤيد المنصور المجاهد يمين الدولة أبو القاسم محمود بن سبكتكين صاحب بلاد غزنة وتلك الممالك الكبار، وفاتح أكثر بلاد الهند قهراً، وكاسر بُدودِهم([3])، وأوثانهم كسراً، وقاهر هنودهم وسلطانهم الأعظم قهراً ([4])، وقد سار في الرعية سيرة عادلة وقام بأعباء الإسلام قياماً تاماً، وفتح فتوحات كثيرة في بلاد الهند وغيرها، وعظم شأنه في العالمين، واتسعت مملكته وامتدت رعاياه وطالت أيامه، ولله الحمد والمنة، وكان يخطب في سائر ممالكه للخليفة العباسي القادر بالله، وكانت رسل الفاطميين من الديار المصرية تَفِد إليه بالكتب والهدايا والتحف فيحرق كتبهم ويُخرّق حللهم ([5])، ولما قدم التاهرتي الداعي مندوب الدعوة الفاطمية من مصر على السُّلطان يدعوه سراً إلى مذهب الباطنية، وكان التاهرتي يركب بغلاً يتلون كل ساعة من كل لون، ففهم السلطان محمود سِرَّ دعوتهم، فغضب، وقتل التَّاهَرتي الخبيث، وأهدى بغله إلى القاضي أبي منصور محمد الأزدي شيخ هراة، وقال: كان يركبه رأس الملحدين، فليركبه رأس المُوحَّدين ([6]). وأما فتوحاته فقد اتفقت له في بلاد الهند فتوحات لم تتفق لغيره من الملوك، لا قبله ولا بعده, وغنم مغانم كثيرة لا تنحصر ولا تنضبط كثرة من الذهب واللآلئ والسَّبْي، وكسر من أصنامهم وأبدادهم وأوثانهم شيئاً كثيراً جداً، بيَّض الله وجهه وأكرم مثواه, وكان من جملة ما كسر من أصنامهم صنم عظيم للهنود يقال له سُومَنات ([7])، الذي كان يعتقد كفرة الهند أنه يحيى ويُميت ويحُجُّونه، ويقربون له النفائس، بحيث إن الوقوف عليه بلغت عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزائنه من صنوف الأموال، وفي خدمته من البراهمة ألفا نفس، ومائة جوقة مغاني رجال ونساء، فكان بين بلاد الإسلام وبين قلعة هذا الصَّنم مفازة نحو شهر، فسار السلطان في ثلاثين ألفاً، فيسَّر الله فتح القلعة في ثلاثة أيام، واستولى محمود على أموال لا تحصى([8])، بلغ ما تحصل منه من الذهب عشرين ألف دينار، وكسر ملك الهند الكبير الذي يقال له «جيبال». وقهر ملك الترك الأعظم الذي يقال له: إيلك خان، وأباد ملك السامانية، وقد ملكوا بخراسان مائة سنة بلاد سمرقند وما حولها، ثم هلكوا, وبنى على جيحون جسراً غرم عليه ألْفيْ ألف دينار، وهذا شيء لم يتفق لغيره من الملوك، وكان معه في جيشه أربعمائة فيل تقاتل، وهذه أمور هائلة ومرتبة طائلة، وجرت له فصول ذكر تفصيلها يطول، وكان في غاية الديانة والصيانة، يحب العلماء والمحدثين ويكرمهم ويجالسهم ويحسن إليهم، وكان حنفيّ المذهب، ثم صار شافعياً على يدي أبي بكر القفال الصغير ([9])وكان صادق النية في إعلاء الدين، مظفراً كثير الغزو، وكان ذكياً بعيد الغور صائب الرأي، دخل ابن فورك على السلطان محمود، فقال: لا يجوز أن يوصف الله بالفوقية لأنَّ لازم ذلك وصفه بالتحتية، فمن جاز له أن يكون له فوق، جاز أن يكون له تحت. فقال السلطان: ما أنا وصفته حتى يلزمني، بل هو وصف نفسه، فبهت ابن فورك، فلما
خرج من عنده مات ([10]). وكان السلطان محمود مُكرماً لأمرائه وأصحابه، وإذا نقم عاجل، وكان لا يفتر ولا يكاد يَقِرُّ، وكان يعتقد في الخليفة العباسي ويخضع لجلاله ويحمل
إليه قناطير الذهب, وكان إلباً على القرامطة والإسماعيلية وعلى المتكلمين ([11]) وعندما
ملك الري كتب إلى الخليفة القادر بالله يذكر أنه وجد لمجد الدولة البويهي من النساء الحرائر ما يزيد على خمسين امرأة ولدن له نيفاً وثلاثين ولداً، ولما سئل عن ذلك قال: هذه عادة سلفي، وصلب من أصحاب الباطنيين خلقاً كثيراً، ونفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة والنجوم ([12])... انتهى ..
.
.
الهوامش :
.
.
([1])تاريخنا بين تزوير الأعداء وغفلة الأبناء, للعظم، ص 180.
(5)المثاغر: أي المرابط على الثغور. (6)البدود: جمع البُدّ وهو الصنم بالفارسية.
(7)البداية والنهاية (15/628). (8)المصدر نفسه (15/633).
([5])
([6])سير أعلام النبلاء (17/486). (2)البداية والنهاية (15/634).
([8])سير أعلام النبلاء (17/485). (4)البداية والنهاية (15/634).
([10]، 6)سير أعلام النبلاء (17/487).
([12])الكامل في التاريخ, نقلاً عن: أيعيد التاريخ نفسه؟، ص 66
.
.
اعده المؤرخة هيام عبده مزيد الحكمي شفاها الله وعافاها ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق