السبت، 11 يونيو 2016

"ذكر الأحداث التي كانت في عهد نوح عليه افضل صلاة واتم تسليم"
.
.
يقول الإمام الكبير و المؤرخ الجليل الطبري رحمه الله في سفره العظيم (تاريخ الرسل والملوك) ما نصه في اخبار نبي الله نوح عليه الصلاة و السلام :
.
.
قد ذكرنا اختلاف المختلفين في ديانة القوم الذين ارسل اليهم نوح عليه الصلاة و السلام ، وأن منهم من يقول: كانوا قد أجمعوا على العمل بما يكرهه الله، من ركوب الفواحش وشرب الخمور والاشتغال بالملاهي عن طاعة الله عز وجل، وأن منهم من يقول: كانوا أهل طاعة بيوراسب، وكان بيوراسب أول من أظهر القول بقول الصابئين، وتبعه على ذلك الذين ارسل اليهم نوح عليه الصلاة و السلام، وسأذكر إن شاء الله خبر بيوراسب فيما بعد فأما كتاب الله فإنه ينبئ عنهم أنهم كانوا أهل أوثان، وذلك أن الله عز وجل يقول مخبرا عن نوح: «قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً، وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً» فبعث الله اليهم نوحا مخوفهم بأسه، ومخدرهم سطوته، وداعيا لهم إلى التوبة والمراجعة إلى الحق، والعمل بما أمر الله به رسله وأنزله في صحف آدم وشيث وأخنوخ ونوح يوم ابتعثه الله نبيا إليهم- فيما ذكر- ابن خمسين سنة.
.
.
وقيل أيضا ما حَدَّثَنَا به نصر بن علي الجهضمي، قال: حَدَّثَنَا نوح بن قيس، قال: حَدَّثَنَا عون بن أبي شداد، قال: إن الله تبارك وتعالى أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة سنة.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ الله نوحا اليهم وهو ابن أربعمائة سَنَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، ثُمَّ دَعَاهُمْ فِي نُبُوَّتِهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وركب السفينة وهو ابن ستمائه سنه، ثم مكث بعد ذلك ثلاثمائة وَخَمْسِينَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ سِرًّا وَجَهْرًا، يَمْضِي قَرْنٌ بَعْدَ قَرْنٍ، فَلا يَسْتَجِيبُونَ لَهُ، حَتَّى مَضَى قُرُونٌ ثَلاثَةٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ وَحَالِهِمْ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وجل اهلاكهم دعا عليهم نوح عليه الصلاة و السلام فَقَالَ: «رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً» ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالى ذِكْرُهُ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرَةً فَغَرَسَهَا، فَعَظُمَتْ وَذَهَبَتْ كُلَّ مَذْهَبٍ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقَطْعِهَا مِنْ بَعْدِ مَا غَرَسَهَا بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَيَتَّخِذَ مِنْهَا سَفِينَةً، كَمَا قَالَ اللَّهُ لَهُ: «وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا» ، فَقَطَعَهَا وَجَعَلَ يَعْمَلُهَا.
وَحَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ الْمَرْوَزِيُّ وَالْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، قال: حدثنى فائد مولى عبيد الله ابن عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عائشة زوج النبي ص اخبرته [ان رسول الله ص قَالَ: لَوْ رَحِمَ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ لَرَحِمَ أُمَّ الصَّبِيِّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: كَانَ نُوحٌ مَكَثَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى كَانَ آخِرَ زَمَانِهِ غَرَسَ شَجَرَةً فَعَظُمَتْ وَذَهَبَتْ كُلَّ مَذْهَبٍ ثُمَّ قَطَعَهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَعْمَلُ سَفِينَةً فَيَمُرُّونَ فَيَسْأَلُونَهُ فَيَقُولُ: أَعْمَلُهَا سَفِينَةً، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ: تَعْمَلُ سَفِينَةً فِي الْبَرِّ فَكَيْفَ تَجْرِي! فَيَقُولُ: سَوْفَ تَعْلَمُونَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا وَفَارَ التَّنُّورُ وَكَثُرَ الْمَاءُ فِي السِّكَكِ خَشِيَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ- وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا- فَخَرَجَتْ إِلَى الْجَبَلِ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَهُ، فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ خَرَجَتْ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَيِ الْجَبَلِ، فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ خَرَجَتْ حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاءُ رَقَبَتَهَا رَفَعَتْهُ بِيَدِهَا، حَتَّى ذَهَبَ بِهِ الْمَاءُ، فَلَوْ رَحِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَحَدًا لَرَحِمَ أُمَّ الصَّبِيِّ] .
حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن الهيثم، عن المسيب بن شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قال سلمان الفارسي: عمل نوح السفينة أربعمائة سَنَةٍ، وَأَنْبَتَ السَّاجَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، حَتَّى كَانَ طوله ثلاثمائة ذِرَاعٍ، وَالذِّرَاعُ إِلَى الْمَنْكِبِ.
فَعَمِلَ نُوحٌ بِوَحْيِ اللَّهِ إِلَيْهِ، وَتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ، عَمِلَهَا فَكَانَتْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ طول السفينة ثلاثمائة ذِرَاعٍ، وَعَرْضَهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَطُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاثُونَ ذِرَاعًا، وَبَابُهَا فِي عَرْضِهَا حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبارك، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ طُولُ سَفِينَةِ نُوحٍ الف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائه ذِرَاعٍ.
.
.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ الحواريون لعيسى بن مَرْيَمَ: لَوْ بَعَثْتَ لَنَا رَجُلا شَهِدَ السَّفِينَةَ فَحَدَّثَنَا عَنْهَا! فَانْطَلَقَ بِهِمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى كَثِيبٍ مِنْ تُرَابٍ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ بِكَفِّهِ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: هَذَا قَبْرُ حَامِ بْنِ نُوحٍ، قَالَ: فَضَرَبَ الْكَثِيبَ بِعَصَاهُ وَقَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ، وَقَدْ شَابَ، فَقَالَ لَهُ عيسى ع: هَكَذَا هَلَكْتَ؟ قَالَ: لا، وَلَكِنِّي مِتُّ وَأَنَا شَابٌّ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّهَا السَّاعَةُ، فَمِنْ ثَمَّ شِبْتُ قَالَ: حَدِّثْنَا عَنْ سَفِينَةِ نُوحٍ، قَالَ:
كَانَ طُولُهَا أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَيْ ذِرَاعٍ وَعَرْضُهَا ستمائه ذِرَاعٍ، وَكَانَتْ ثَلاثَ طَبَقَاتٍ: فَطَبَقَةٌ فِيهَا الدَّوَابُّ وَالْوَحْشُ، وَطَبَقَةٌ فِيهَا الإِنْسُ، وَطَبَقَةٌ فِيهَا الطَّيْرُ، فَلَمَّا كَثُرَ أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ أَنِ اغْمِزْ ذَنَبَ الْفِيلِ، فَغَمَزَ فَوَقَعَ منه خِنْزِيرٌ وَخِنْزِيرَةٌ، فَأَقْبَلا عَلَى الرَّوْثِ، فَلَمَّا وَقَعَ الْفَأْرُ بِخُرَزِ السَّفِينَةِ يَقْرِضُهُ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ أَنِ اضْرِبْ بَيْنَ عَيْنَيِ الأَسَدِ، فَخَرَجَ مِنْ مَنْخَرِهِ سِنَّوْرٌ وَسِنَّوْرَةٌ، فَأَقْبَلا عَلَى الْفَأْرِ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: كَيْفَ عَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْبِلادَ قَدْ غَرِقَتْ؟ قَالَ: بَعَثَ الْغُرَابَ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَدَعَا عَلَيْهِ بِالْخَوْفِ، فَلِذَلِكَ لا يَأْلَفُ الْبُيُوتَ قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ الْحَمَامَةَ، فَجَاءَتْ بِوَرَقِ زَيْتُونٍ بِمِنْقَارِهَا وَطِينٍ بِرِجْلَيْهَا، فَعَلِمَ أَنَّ الْبِلادَ قَدْ غَرِقَتْ قَالَ: فَطَوَّقَهَا الْخُضْرَةَ الَّتِي في عنقها، دعا لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي أَنَسٍ وَأَمَانٍ، فَمِنْ ثَمَّ تَأْلَفُ الْبُيُوتَ قَالَ: فَقَالَتِ الْحَوَارِيُّونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَنْطَلِقْ بِهِ إِلَى أَهْلِنَا، فَيَجْلِسَ مَعَنَا وَيُحَدِّثَنَا؟ قَالَ: كَيْفَ يَتْبَعُكُمْ مَنْ لا رِزْقَ لَهُ؟ قَالَ:
فَقَالَ لَهُ: عُدْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَعَادَ تُرَابًا.

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، قَالَ: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عَبَّاسٍ، قَالَ: نَجَرَ نُوحٌ السَّفِينَةَ بِجَبَلِ بُوذَ، من ثم تبدى الطوفان قال: وكان طول السفينة ثلاثمائة ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ جَدِّ أَبِي نُوحٍ، وَعَرْضُهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَطُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاثِينَ ذِرَاعًا، وَخَرَجَ مِنْهَا مِنَ الْمَاءِ سِتَّةُ أَذْرُعٍ، وَكَانَتْ مُطَبَّقَةً، وَجُعِلَ لَهَا ثَلاثَةُ أَبْوَابٍ، بَعْضُهَا أَسْفَلُ مِنْ بعض.
.
.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عمن لا يتهم، عن عبيد بن عمير الليثي، أنه كان يحدث أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به- يعني قوم نوح بنوح- فيخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال:
اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
قال ابن إسحاق: حتى إذا تمادوا في المعصية، وعظمت في الأرض منهم الخطيئة، وتطاول عليه وعليهم الشأن، واشتد عليه منهم البلاء، وانتظر النجل بعد النجل، فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي قبله، حتى إن كان الآخر منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا، هكذا مجنونا! لا يقبلون منه شيئا، حتى شكا ذلك من أمرهم نوح إلى الله عز وجل، فقال كما قص الله عز وجل علينا في كتابه: «رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً» إلى آخر القصة، حتى قال: «رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً» ، إلى آخر القصة فلما شكا ذلك منهم نوح إلى الله عز وجل واستنصره عليهم اوحى الله اليه ان «اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ» فاقبل نوح على عمل الفلك، ولها عن قومه، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد،، ويهيئ عدة الفلك من القار وغيره مما لا يصلحه إلا هو، وجعل قومه يمرون به، وهو في ذلك من عمله، فيسخرون منه، ويستهزئون به فيقول: «إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ» قال: ويقولون- فيما بلغني-: يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة! قال: وأعقم الله أرحام النساء فلا يولد لهم.
قال: ويزعم أهل التوراة أن الله عز وجل أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج، وأن يصنعه أزور، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعا وعرضه خمسين ذراعا، وطوله في السماء ثلاثين ذراعا، وأن يجعله ثلاثة أطباق: سفلا ووسطا وعلوا، وأن يجعل فيه كوا ففعل نوح كما امره الله عز وجل، حتى إذا فرغ منه وقد عهد الله إليه: «إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» وقد جعل التنور آية فيما بينه وبينه، فقال: إذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين واركب فلما فار التنور حمل نوح في الفلك من أمره الله تعالى به- وكانوا قليلا كما قال- وحمل فيها من كل زوجين اثنين مما فيه الروح والشجر، ذكرا وأنثى فحمل فيه بنيه الثلاثة: سام وحام ويافث ونساءهم، وستة أناس ممن كان آمن به فكانوا عشرة نفر: نوح وبنوه وأزواجهم، ثم أدخل ما أمره الله به من الدواب، وتخلف عنه ابنه يام، وكان كافرا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عن ابن إسحاق، عن الحسن ابن دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ أَوَّلَ مَا حَمَلَ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ مِنَ الدَّوَابِّ الذرة، وَآخِرَ مَا حَمَلَ الْحِمَارُ فَلَمَّا أَدْخَلَ الْحِمَارَ وَدَخَلَ صَدْرُهُ تَعَلَّقَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ بِذَنَبِهِ فَلَمْ تَسْتَقِلَّ رِجْلاهُ، فَجَعَلَ نُوحٌ يَقُولُ: وَيْحَكَ! ادْخُلْ، فَيَنْهَضُ فَلا يَسْتَطِيعُ، حَتَّى قَالَ نُوحٌ، وَيْحَكَ! ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَكَ، قَالَ كَلِمَةٌ زَلَّتْ عَنْ لِسَانِهِ، فَلَمَّا قَالَهَا نُوحٌ خَلَّى الشَّيْطَانُ سَبِيلَهُ، فَدَخَلَ وَدَخَلَ الشَّيْطَانُ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ نُوحٌ: مَا أَدْخَلَكَ عَلَيَّ يَا عَدُوَّ اللَّهِ! قَالَ: أَلَمْ تَقُلِ: ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَكَ!، قَالَ: اخْرُجْ عَنِّي يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَقَالَ: مالك بُدٌّ مِنْ أَنْ تَحْمِلَنِي، فَكَانَ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- فِي ظَهْرِ الْفُلْكِ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ وَأَدْخَلَ فِيهِ كُلَّ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ الَّتِي دخل فيها نوح بعد ستمائه سَنَةٍ مِنْ عُمْرِهِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنَ الشَّهْرِ، فَلَمَّا دَخَلَ وَحَمَلَ مَعَهُ مَنْ حمل، تحرك يَنَابِيعُ الْغَوْطِ الأَكْبَرِ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، كَمَا قال الله لنبيه ص: «فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ» فَدَخَلَ نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ الْفُلْكَ وَغَطَّاهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ بِطَبَقَةٍ، فَكَانَ بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الْمَاءَ وَبَيْنَ أَنِ احْتَمَلَ الْمَاءُ الْفُلْكَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً ثُمَّ احْتَمَلَ الْمَاءُ كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، وَكَثُرَ وَاشْتَدَّ وَارْتَفَعَ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ص.
«وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ» .
وَالدُّسُرُ: الْمَسَامِيرُ، مَسَامِيرُ الْحَدِيدِ فَجَعَلَتِ الْفُلْكُ تَجْرِي بِهِ وَبِمَنْ مَعَهُ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ، وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ الَّذِي هَلَكَ فِيمَنْ هَلَكَ، وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ حِينَ رَأَى نُوحٌ مِنْ صِدْقِ مَوْعُودِ رَبِّهِ مَا رَأَى، فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ» ، وَكَانَ شَقِيًّا قَدْ أُضْمِرَ كُفْرًا، «قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ» ، وَكَانَ عَهَدَ الْجِبَالَ وهي حرز مِنَ الأَمْطَارِ إِذَا كَانَتْ، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ كما كان يكون، قال نوح: «لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ» .
وَكَثُرَ الْمَاءُ وَطَغَى، وَارْتَفَعَ فَوْقَ الْجِبَالِ- كما يزعم أَهْلُ التَّوْرَاةِ- خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَبَادَ مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ أَوْ شَجَرٍ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ الْخَلائِقِ إِلا نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ، وَإِلا عوجُ بْنُ عنقٍ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ- فَكَانَ بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الطُّوفَانَ وَبَيْنَ أَنْ غَاضَ الْمَاءُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قَالَ: أَرْسَلَ اللَّهُ الْمَطَرَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَأَقْبَلَتِ الْوُحُوشُ حِينَ أَصَابَهَا الْمَطَرُ وَالدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ كُلُّهَا إِلَى نُوحٍ، وَسُخِّرَتْ لَهُ، فَحَمَلَ مِنْهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ» ، وَحَمَلَ مَعَهُ جَسَدَ آدَمَ، فَجَعَلَهُ حَاجِزًا بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، فَرَكِبُوا فِيهَا لِعَشْرِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ، وَخَرَجُوا مِنْهَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، فَلِذَلِكَ صَامَ مَنْ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأُخْرِجَ الْمَاءُ نِصْفَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ» ، يقول: منصب، «وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً» ، يَقُولُ: شَقَقْنَا الأَرْضَ، «فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ» فَصَارَ الْمَاءُ نِصْفَيْنِ: نِصْفٌ مِنَ السَّمَاءِ وَنِصْفٌ مِنَ الأَرْضِ، وَارْتَفَعَ الْمَاءُ عَلَى أَطْوَلِ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَسَارَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ، فَطَافَتْ بِهِمُ الأَرْضَ كُلَّهَا فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ لا تَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ، حَتَّى أَتَتِ الْحَرَمَ فَلَمْ تَدْخُلْهُ، وَدَارَتْ بِالْحَرَمِ أُسْبُوعًا، وَرُفِعَ البيت الذى بناه آدم ع، رُفِعَ مِنَ الْغَرَقِ، - وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَالْحَجَرُ الأَسْوَدُ- عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، فَلَمَّا دَارَتْ بِالْحَرَمِ ذَهَبَتْ فِي الأَرْضِ تَسِيرُ بِهِمْ، حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى الْجُودِيِّ- وَهُوَ جَبَلٌ بِالْحَضِيضِ مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ- فَاسْتَقَرَّتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِتَمَامِ السَّبْعِ، فَقِيلَ بَعْدَ السَّبْعَةِ الأَشْهُرِ:
«بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ، فلما استقرت عَلَى الْجُودِيِّ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ» ، يَقُولُ: أَنْشِفِي مَاءَكِ الَّذِي خَرَجَ مِنْكِ، «وَيا سَماءُ أَقْلِعِي» ، يقول:
احبسى ماءك، «وَغِيضَ الْماءُ» نَشَّفَتْهُ الأَرْضُ، فَصَارَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ هَذِهِ الْبُحُورَ الَّتِي تَرَوْنَ فِي الأَرْضِ، فَآخِرُ مَا بَقِيَ مِنَ الطُّوفَانِ فِي الأَرْضِ مَاءٌ بِحَسْمَى بَقِيَ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً بَعْدَ الطُّوفَانِ ثُمَّ ذَهَبَ.
وَكَانَ التَّنُّورُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ آيَةَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ فَوَرَانَ الْمَاءِ مِنْهُ تَنُّورًا كَانَ لِحَوَّاءَ من حِجَارَةً، وَصَارَ إِلَى نُوحٍ.
حَدَّثَنِي يعقوب بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنَا هشيم، عن أبي محمد، عن الحسن، قال: كان تنورا من حجارة، كان لحواء حتى صار إلى نوح، قال: فقيل له: إذا رأيت الماء يفور من التنور، فاركب أنت وأصحابك.
وقد اختلف في المكان الذي كان به التنور الذي جعل الله فوران مائه آية، ما بينه وبين نوح، فقال بعضهم: كان بالهند.
ذِكْرُ مَنْ قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنِ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ الْخَزَّازِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي: «وَفارَ التَّنُّورُ» قَالَ:
فَارَ بِالْهِنْدِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ ذَلِكَ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: نَبَعَ الْمَاءُ فِي التَّنُّورِ، فَعَلِمَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْهُ، قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ: مَا فَارَ التَّنُّورُ إِلا مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ.
وَاخْتُلِفَ فِي عَدَدِ مَنْ رَكِبَ الْفُلْكَ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
كَانُوا ثَمَانِينَ نَفْسًا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَهِيكٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ فِي سَفِينَةِ نُوحٍ ثَمَانُونَ رَجُلا، أَحَدُهُمْ جُرْهُمٌ.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَمَلَ نُوحٌ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانِينَ إِنْسَانًا.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: كَانُوا ثَمَانِينَ- يَعْنِي الْقَلِيلَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
«وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» .
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال:
أخبرني أبي، عن أبي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَمَلَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ بَنِيهِ: سَامَ، وَحَامَ، وَيَافِثَ وَكَنَائِنَهُ، نِسَاءَ بَنِيهِ هَؤُلاءِ، وَثَلاثَةَ وَسَبْعِينَ مِنْ بَنِي شِيثٍ، مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، فَكَانُوا ثَمَانِينَ فِي السفينة وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانُوا ثَمَانِيَةَ أَنْفُسٍ ذِكْرُ من قال ذلك:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قال: ذكر لنا أنه لَمْ يَتِمَّ فِي السَّفِينَةِ إِلا نُوحٌ وَامْرَأَتُهُ وَثَلاثَةٌ بَنِيهِ، وَنِسَاؤُهُمْ، فَجَمِيعُهُمْ ثَمَانِيَةٌ.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عبد الملك ابن أبي غنية، عن أبيه، عن الحكم: «وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» ، قَالَ: نُوحٌ، وَثَلاثَةُ بَنِيهِ، وَأَرْبَعُ كَنَائِنِهِ.
حَدَّثَنَا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قَالَ:
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حُدِّثْتُ أَنَّ نُوحًا حَمَلَ مَعَهُ بَنِيهِ الثَّلاثَةَ وَثَلاثَ نِسْوَةٍ لِبَنِيهِ، وَامْرَأَةَ نُوحٍ، فَهُمْ ثَمَانِيَةٌ بِأَزْوَاجِهِمْ، وَأَسْمَاءُ بَنِيهِ: يَافِثُ، وَحَامُ، وَسَامُ.
فَأَصَابَ حَامُ امْرَأَتَهُ فِي السَّفِينَةِ، فَدَعَا نُوحٌ أَنْ تُغَيَّرَ نُطْفَتُهُ، فَجَاءَ بِالسُّودَانِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانُوا سَبْعَةَ أَنْفُسٍ.
ذكر من قَالَ ذلك:
حدثني الحارث، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الاعمش: «وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» ، قَالَ: كَانُوا سَبْعَةً: نُوحٌ، وَثَلاثُ كَنَائِنَ، وَثَلاثَةُ بَنِينَ لَهُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: كَانُوا عَشَرَةً سِوَى نِسَائِهِمْ.
.
.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
حمل بنيه الثلاثة: سام، وحام، ويافث ونساءهم، وستة أناسي ممن كان آمن به، فكانوا عشرة نفر بنوح وبنيه وأزواجهم وأرسل الله تبارك وتعالى الطوفان لمضي ستمائه سنة من عمر نوح- فيما ذكره أهل العلم من أهل الكتاب وغيرهم- ولتتمة ألفي سنة ومائتي سنة وست وخمسين سنة من لدن اهبط آدم إلى الأرض.
وقيل: إن الله عز وجل أرسل الطوفان لثلاث عشرة خلت من آب، وإن نوحا أقام في الفلك إلى أن غاض الماء، واستوت الفلك على جبل الجودي بقردى، في اليوم السابع عشر من الشهر السادس فلما خرج نوح منها اتخذ بناحية قردى من أرض الجزيرة موضعا، وابتنى هناك قرية سماها ثمانين، لأنه كان بنى فيها بيتا لكل إنسان ممن آمن معه وهم ثمانون، فهي إلى اليوم تسمى سوق ثمانين.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: هبط نوح ع إِلَى قَرْيَةٍ، فَبَنَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَيْتًا، فَسُمِّيَتْ سُوقَ ثَمَانِينَ، فَغَرِقَ بَنُو قَابِيلَ كُلُّهُمْ، وَمَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى آدَمَ مِنَ الآبَاءِ كَانُوا عَلَى الإِسْلامِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَصَارَ هُوَ وَأَهْلُهُ فِيهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ لا يُعِيدُ الطُّوفَانَ إِلَى الأَرْضِ أَبَدًا.
وَقَدْ حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا المحاربى، عن عثمان ابن مَطَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ، عن ابيه، قال: [قال رسول الله ص: فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ رَكِبَ نُوحٌ السَّفِينَةَ، فَصَامَ هُوَ وَجَمِيعُ مَنْ مَعَهُ، وَجَرَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَانْتَهَى ذَلِكَ إِلَى الْمُحَرَّمِ، فَأَرْسَتِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَصَامَ نُوحٌ، وَأَمَرَ جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْوَحْشِ وَالدَّوَابِّ فَصَامُوا شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ] .
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: كَانَتِ السَّفِينَةُ أَعْلاهَا الطَّيْرُ، وَوَسَطُهَا النَّاسُ، وَأَسْفَلُهَا السِّبَاعُ.
وَكَانَ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاثِينَ ذِرَاعًا، وَدُفِعَتْ مِنْ عَيْنِ وَرْدَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ، وَأَرْسَتْ عَلَى الْجُودِيِّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَمَرَّتْ بِالْبَيْتِ، فَطَافَتْ بِهِ سَبْعًا، وَقَدْ رَفَعَهُ اللَّهُ مِنَ الْغَرَقِ، ثُمَّ جَاءَتِ الْيَمَنَ، ثُمَّ رَجَعَتْ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حدثنا حجاج، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هَبَطَ نُوحٌ مِنَ السَّفِينَةِ يَوْمَ الْعَاشِرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُفْطِرًا فَلْيَصُمْ.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا- يَعْنِي الْفُلْكَ- اسْتَقَلَّتْ بِهِمْ فِي عَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ، فَكَانَتْ فِي الْمَاءِ خَمْسِينَ وَمِائَةَ يَوْمٍ، وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى الْجُودِيِّ شَهْرًا، وَأَهْبَطَ بِهِمْ فِي عَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ.
.
.
حَدَّثَنَا القاسم، قال: حَدَّثَنَا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: ما كان زمان نوح شبر من الأرض إلا إنسان يدعيه ثم عاش نوح بعد الطوفان فيما حَدَّثَنِي نصر بن علي الجهضمي، قال:
أخبرنا نوح بن قيس، قال: حَدَّثَنَا عون بن أبي شداد، قال: عاش- يعني نوحا- بعد ذلك- يعني بعد الألف سنة إلا خمسين عاما التي لبثها في قومه- ثلاثمائة وخمسين سنة.
وأما ابن إسحاق، فإن ابن حميد حَدَّثَنَا، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عنه، قال: وعمر نوح- فيما يزعم أهل التوراة- بعد ان اهبط من الفلك ثلاثمائة سنة وثمانيا وأربعين سنة، قال: فكان جميع عمر نوح ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم قبضه الله عز وجل إليه.
وقيل: إن ساما ولد لنوح قبل الطوفان بثمان وتسعين سنة وقال بعض أهل التوراة: لم يكن التناسل، ولا ولد لنوح ولد إلا بعد الطوفان، وبعد خروج نوح من الفلك.
قالوا: إنما الذين كانوا معه في الفلك قوم كانوا آمنوا به واتبعوه، غير أنهم بادوا وهلكوا، فلم يبق لهم عقب، وإنما الذين هم اليوم في الدنيا من بني آدم ولد نوح وذريته دون سائر ولد آدم، كما قال الله عز وجل:
«وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» .
وقيل: إنه كان لنوح قبل الطوفان ابنان هلكا جميعا، كان أحدهما يقال له كنعان، قالوا: وهو الذي غرق في الطوفان، والآخر منهما يقال له عابر، مات قبل الطوفان.
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أخبرني هشام، قال:
أخبرني أبي، عن أبي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وُلِدَ لِنُوحٍ سَامُ، وَفِي وَلَدِهِ بَيَاضٌ وَأُدْمَةٌ، وَحَامُ وَفِي وَلَدِهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ قَلِيلٌ، وَيَافثُ وَفِيهِمُ الشُّقْرَةُ وَالْحُمْرَةُ، وَكَنْعَانُ وَهُوَ الَّذِي غَرِقَ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ يَامَ، وَذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ:
إِنَّمَا هام عَمُّنَا يَامُ، وَأُمُّ هَؤُلاءِ وَاحِدَةٌ فَأَمَّا الْمَجُوسُ فَإِنَّهُمْ لا يَعْرِفُونَ الطُّوفَانَ، وَيَقُولُونَ: لَمْ يَزَلِ الْمُلْكُ فِينَا مِنْ عَهْدِ جُيومَرْتَ، وَقَالُوا: جُيومَرْتَ هُوَ آدَمُ يَتَوَارَثُهُ آخِرُ عَنْ أَوَّلَ إِلَى عَهْدِ فَيْرُوزَ بْنِ يَزْدجردَ بْنِ شَهْرَيَارَ، قَالُوا: وَلَوْ كَانَ لِذَلِكَ صِحَّةٌ كَانَ نَسَبُ الْقَوْمِ قَدِ انْقَطَعَ، وَمُلْكُ الْقَوْمِ قَدِ اضْمَحَلَّ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُقِرُّ بِالطُّوفَانِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ فِي إِقْلِيمِ بَابِلَ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ، وَأَنَّ مَسَاكِنَ وَلَدِ جيومرتَ كَانَتْ بِالْمَشْرِقِ، فَلَمْ يَصِلْ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ الطُّوفَانِ بِخِلافِ مَا قَالُوا، فَقَالَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ. وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ. وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» ، فَأَخْبَرَ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنَّ ذُرِّيَّةَ نُوحٍ هُمُ الْبَاقُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ اخْتِلافَ النَّاسَ فِي جُيومَرْتَ وَمَنْ يُخَالِفُ الْفُرْسَ فِي عَيْنِهِ، ومن هو، ومن نسبه الى نوح ع.
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَثْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، [عَنِ النبي ص في قوله: «وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» قَالَ: سَامُ وَحَامُ وَيَافِثُ] .
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة، في قوله: «وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» ، قَالَ: فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ.
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» .
يَقُولُ: لَمْ يَبْقَ إِلا ذُرِّيَّةَ نُوحٍ.
وروي عن علي بن مجاهد، عن ابن إسحاق، عن الزهري. وعن محمد بن صالح، عن الشعبي قالا: لما هبط آدم من الجنة، وانتشر ولده أرخ بنوه من هبوط آدم، فكان ذلك التاريخ حتى بعث الله نوحا فارخوا ببعث نوح، حتى كان الغرق، فهلك من هلك ممن كان على وجه الأرض. فلما هبط نوح وذريته وكل من كان في السفينة إلى الأرض قسم الأرض بين ولده أثلاثا: فجعل لسام وسطا من الأرض، ففيها بيت المقدس، والنيل، والفرات، ودجلة، وسيحان، وجيحان، وفيشون، وذلك ما بين فيشون إلى شرقي النيل، وما بين منخر ريح الجنوب إلى منخر الشمال. وجعل لجام قسمه غربي النيل، فما وراءه إلى منخر ريح الدبور. وجعل قسم يافث في فيشون فما وراءه إلى منخر ريح الصبا، فكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم، ومن نار إبراهيم إلى مبعث يوسف، ومن مبعث يوسف إلى مبعث موسى، ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان، ومن ملك سليمان إلى مبعث عيسى بن مريم، ومن مبعث عيسى بن مريم الى ان بعث رسول الله محمد عليه الصلاة و السلام.
وهذا الذي ذكر عن الشعبي من التاريخ ينبغي أن يكون على تاريخ اليهود، فأما أهل الإسلام فإنهم لم يؤرخوا إلا من الهجرة، ولم يكونوا يؤرخون بشيء من قبل ذلك، غير أن قريشا كانوا- فيما ذكر- يؤرخون قبل الإسلام بعام الفيل، وكان سائر العرب يؤرخون بأيامهم المذكورة، كتاريخهم بيوم جبلة، وبالكلاب الاول، والكلاب الثانى.
وكانت النصارى تؤرخ بعهد الإسكندر ذي القرنين، وأحسبهم على ذلك من التاريخ إلى اليوم.
وأما الفرس فإنهم كانوا يؤرخون بملوكهم، وهم اليوم فيما أعلم يؤرخون بعهد يزدجرد بن شهريار، لأنه كان آخر من كان من ملوكهم له ملك بابل والمشرق  .. انتهى ..
.
.
المصدر :
تاريخ الطبري (تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري)
المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
(صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي، المتوفى: 369هـ)

الناشر: دار التراث - بيروت ..

مع التحية شاهزاده ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق