السبت، 18 يونيو 2016

شرف الدولة الامير التركي مودود بن التونتكين أمير الموصل هل اتاكم خبره ؟!
.
.
هيا بنا نتجاذب اطراف الحديث ونتباحث في سيرة هذا العظيم الذي طالما كسر شوكة الصليبين و ارغم اموفه بالتراب حتى قتله الحشاشين الملاعيين اخزاهم الله، إذاً فاقول انتم بمعية الدولة السلجوقية عهد السلاجقة العظام بالتحديد القرن الخامس الهجري !
.
.
من هو الأمير مودود ؟!

شرف الدولة الامير التركي مودود بن التونتكين أمير الموصل، بطل من أبطال الحروب الصليبية ورائد من رواد الجهاد الأولين ضد الصليبيين، فهو أول من جعل الجهاد في سبيل الله منهجًا واضحًا لحياته، وقتال الصليبيين هدفًا إستراتيجيًّا لا يغيب عن الذهن، ولا يبعد عن الخاطر، وأول من سعى لوحدة المسلمين في بلاد الشام لقتال الصليبيين، وأول من حقق انتصارات عليهم .
.
.
هو القائد الفذ شرف الدولة مودود بن التونتكين أمير من أمراء السلاجقة العظام، وهو من التركمان الأخيار، كان رجلاً فاضلاً عالمًا مجاهدًا، قال فيه ابن الأثير: "وكان خيِّرًا، عادلًا، كثير الخير" [1].
.
.
كان ظهوره الأول عندما أرسله السلطان محمد السلجوقي إلى إمارة الموصل لتخليصها من يد حاكمها جاولي سقاو، الذي كان سيِّئ الخلق، وحشيًّا في تعاملاته، مكروهًا من العامة، وفوق ذلك فقد أعلن استقلال عن السلطان السلجوقي وقطع كل صلة به، مما دفع السلطان محمد لأن يعهد في شهر ذي القعدة عام 501هـ/ عام 1108م إلى أحد رجاله، وهو مودود بن التونتكين بطرد جاولي من الموصل والحلول مكانه في حكمها.
.
.
مودود أميرًا على الموصل !
.
.
حاصر مودود مدينة الموصل، وقاومه جاولي وجنوده، وحذر جاولي العامة من الاقتراب من الأسوار لعلمه بتعاطف العامة مع الصالحين وكراهيتهم له، وشدَّد عليهم في ذلك، لكن الشعب لم تمُتْ فيه النخوة، فاجتمعت طائفة من الشعب، وتعاهدوا على فتح الأبواب، واتفقوا على استغلال وقت صلاة الجمعة والجميع بالمساجد، فخرجوا بالفعل في ذلك الوقت إلى أحد الأبراج، وقاتلوا حرَّاسه وقتلوهم، وفتحوا الأبواب وهم ينادون باسم السلطان محمد، فأسرع إليهم جند السلطان بقيادة مودود، ودخلوا المدينة وقاتلوا جنود جاولي، وما لبثوا أن سيطروا على المدينة، غير أن جاولي هرب من الموصل وذهب إلى الجزيرة حيث التفَّ حوله جميع أعداء الدولة السلجوقية، كما لم يتردد في محالفة القوى الصليبية المجاورة، فأطلق سراح بلدوين الثاني دي بورج أمير الرها، وعقد معه تحالفاً ضد السلاجقة. ودخل مودود الموصل وسط ترحيب السكان في شهر صفر عام 502هـ/ عام 1108م [2].
.
.

الأمير مودود والجهاد ضد الصليبيين !
.
.
بدأ الأمير مودود رحمه الله بترتيب بيته الداخلي في الموصل، وإقرار الأوضاع بعد الفتن التي مرت بها الإمارة في السنوات السابقة، وسار في إمارته بالعدل والرحمة؛ فأحبه الناس حبًّا شديدًا، ودانوا له جميعًا بالطاعة، وأعلن مودود أن جهاده سيكون في سبيل الله.
.
.
ثم إن الخطوة التالية لمودود كانت رائعة، وتعبر عن فقه عميق لطريق النصر، وهي خطوة توحيد الجهود، وتجميع الشتات، والالتزام بالفكر الجماعي، وقد فقه التوحيد القرآني الفريد: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: ]، ومن ثَمَّ بدأ مودود في مراسلة من حوله من الأمراء لتجميع جيوشهم تحت راية واحدة، ولهدف واحد وهو طرد الصليبيين من بلاد الإسلام. لقد كانت خطوة رائعة، لكن لم ينقصها إلا شيء واحد! وهو أن مودود بن التونتكين رحمه الله كان عملاقًا في زمان الأقزام!!
.
.
حملة مودود الأولى ضد الرها ( ذي الحجة 503هـ / 1109م)
بعد أن تلقَّى أمراً من السلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه بالتحرك لقتال الصليبيين، بدأ مودود بتشكيل تحالف إسلامي، ضم الأمير إيلغازي الأرتقي أمير ماردين بعساكره من التركمان، وسقمان القطبي أمير أرمينية المعروف باسم شاه الأرمن، وعددًا كبيرًا من المتطوعين. وكانت هذه أول مرة يجتمع فيها هذا العدد من الأمراء المسلمين لقتال الصليبيين، ولهذا تُعدُّ هذه الحملة فاتحة عهد جديد من النضال ضد الصليبيين، ونقطة تحول مهمة من التفرق والتخاذل إلى التجمع والهجوم.
.
.
وصل مودود إلى الرها -وهي تقع شرق نهر الفرات، وهي من أحصن القلاع في ذلك الوقت- في آخر شهر ذي الحجة 503هـ، وظل الأتابك مودود يحاصر الرها مدة شهرين دون أن يتمكن من اختراق استحكاماتها، فلما تراءى له جيش بيت المقدس بقيادة بلدوين الأول، رفع الحصار عنها وتراجع إلى حران وفق خطة عسكرية محكمة، وانضم إليه طغتكين أتابك دمشق، إلا أنه وقعت مواجهة بين جيش مودود ومؤرخة الجيش الصليبي، وقد استطاعت الجيوش الصليبية أن تعبر نهر الفرات إلى الغرب أو دخلت حصون الرها، وقد أدى ذلك إلى انتصار إسلامي سريع على مؤخرة الصليبيين، مع امتلاك عدد كبير من الأسرى والغنائم والسلاح.
.
.
وهكذا تركت هذه الحملة انطباعًا إيجابيًّا مع أنها لم تكن فاصلة، وعاد مودود إلى الموصل، بينما رجع كل أمير إلى إمارته. وبدأ المسلمون يشعرون هنا وهناك بأن الأمل ما زال موجودًا، وأن الواقع الأليم من الممكن أن يُغيَّر [3].
.
.
حملة مودود الثانية ضد الرها ( المحرم 505هـ /1111م) :
.
.
جاءت الجولة الثانية بعد أقل من سنتين، إثر الاستنفار الذي دعا إليه وفد من أهالي حلب قدم إلى بغداد للدعوة إلى الجهاد، وقد استفز نداء الوفد الحلبي جماهير بغداد وفقهاءها، فقاموا بتظاهرة واسعة طالبوا المسئولين خلالها -خلفاء وسلاطين- بضرورة إعلان الجهاد وتسيير الجيوش لوقف الزحف الصليبي، وقد أسرع الخليفة بإعلام السلطان السلجوقي بما جرى، وطلب منه الاهتمام بالأمر والإسراع بالاستجابة لنداءات المسلمين، فأصدر هذا أوامره على الفور إلى واليه على الموصل الأمير مودود بتشكيل تحالف إسلامي جديد يضم جميع حكام الأقاليم في دولة السلاجقة، جاعلاً القيادة الاسمية لابنه الملك مسعود، بينما أوكل القيادة الفعلية للمجاهد الحقيقي مودود بن التونتكين حاكم الموصل [4].
.
.
بدأت قوات التحالف عملياتها العسكرية في شهر محرم عام 505هـ/1111م بفتح عدة مواقع صليبية شرقي الفرات، ثم اتجه أفرادها لحصار الرها، أثارت الحملة الذعر بين السكان، لكن في الحقيقة لم تغيَّر الموقف فيها، فقد أعيت المسلمين بسبب مناعتها وصمود أهلها، عندئذ رأى مودود أن يعبر الفرات لمهاجمة تل باشر غرب الفرات، وحاصر الجيش الإسلامي مدينة تل باشر حصارًا محكمًا، وحاول بكل طاقته أن يفتح أبوابها، أو أن يهدم أسوارها، لكنها كانت منيعة كالرها. واضطر مودود إلى الموافقة، ورفع الحصار عن تل باشر بعد مرور خمسة وأربعين يومًا كاملة.
.
.
وفي هذه الأثناء أرسل تانكرد أمير أنطاكية رسالة استغاثة إلى بلدوين الأول ملك بيت المقدس فورًا، يدعو أمراء طرابلس والرُّها وتل باشر للالتقاء جميعًا للتوحُّد في مواجهة المسلمين، وعندئذ تأزَّم الموقف جدًّا في المعسكر الإسلامي، ودبَّ الرعب في أوصال معظم القادة واتخذوا جميعًا القرار بالانسحاب [5].
.
.
حملة مودود الثالثة ضد الرها (ذي القعدة 505هـ/ 1112م) :
.
.
مع أن مودوداً وجد نفسه وحيداً في حركة الجهاد إلا أنه قام في شهر ذي القعدة 505هـ/ 1112م، بمهاجمة الرها فجأة، وحاصرها لكن المدينة صمدت في وجه الحصار، فرأى عندئذ أن يترك حولها قوة عسكرية ويهاجم سروج في شهر محرم عام 506هـ/ 1112م بوصفها المعقل الثاني للصليبيين شرقي الفرات.
وبهذه الخطة العسكرية يكون مودود قد قسَّم قواته وأضعفها متخلياً عن حذره في مواجهة الصليبيين، وكانت النتيجة أن لحق به جوسلين صاحب تل باشر وهزمه وقتل عدداً كبيراً من رجال مودود، فلم يسعه عند ذلك إلا التراجع نحو الرها، لكن جوسلين سبقه إليها لمساعدة بلدوين دي بورج في الدفاع عنها، وفي الوقت الذي كانت تدور فيه هذه الأحداث، تآمر الأرمن في الرها ضد بلدوين، واتصلوا بمودود ليخلصهم من حكم الصليبيين، وجرى الاتفاق على أن يساعدوه في الاستيلاء على قلعة تسيطر على القطاع الشرقي من المدينة، مما يمكنه بعد ذلك من الاستيلاء على بقية المدينة بسهولة، وبالفعل تسلَّم المسلمون القلعة، وبدءوا يتسربون منها إلى داخل حصون الرها، وجاء مودود في هذه اللحظات، وأسرع مع جنوده لإكمال إسقاط الرها، غير أنَّ جوسلين دي كورتناي كان قد قرأ هذه الأحداث، ومن ثَمَّ أتى قادمًا بجيشه من سروج إلى الرها، وإزاء هذا الوضع الجديد وجد مودود أن قوَّته المتبقية لن تفلح في هزيمة الجيوش الصليبية المجتمعة، ومن هنا قرَّر مودود رحمه الله الانسحاب مرة أخرى إلى الموصل [6].
.
.
إنها المحاولات المتكررة دون يأسٍ، ولكنَّ الله عز وجل لم يُقدِّر بعدُ أن تُفتح الرها!
.
.

حملة مودود ضد إمارة بيت المقدس (507هـ/1113م) :
.
.
ظل مودود متمسكاً بفكرة جهاد الصليبيين وهي المهمة التي عهد إليه بها السلطان محمد السلجوقي، بوصفه ممثله في إقليم الجزيرة وبلاد الشام، فتحرك في مطلع عام 507هـ/ 1113م على رأس تحالف إسلامي لقتال الصليبيين في بيت المقدس بناءً على استنجاد طغتكين أتابك دمشق به، بعد أن تعرضت إمارته لهجمات شديدة من صليبيي بيت المقدس، الذين نفذوا من وادي التيم إلى البقاع، ووصلوا إلى بعلبك، وانضم تميرك صاحب سنجار، وأباز بن إيلغازي أمير ماردين إلى هذا التحالف، وكان هدف المسلمين منطقة فلسطين.
.
.
ومع كون بلدوين الأول قد أرسل طلبًا للمعونة إلا أنه لم يستطع أن ينتظر الجيوش الصليبية القادمة من الشمال؛ لأنه خشي أن تتوغل الجيوش الإسلامية في مملكته، مما قد يهدِّد مدينة القدس ذاتها، خاصةً أن مدينة عسقلان لم تزل في يد العبيديين، وقد تحصر القدس بين الجيوش السلجوقية والجيوش العبيدية؛ ولذلك خرج بلدوين الأول بسرعة شمالاً في اتجاه طبرية [7].
.
.
عَلِم مودود بتحرك الجيش الصليبي من الجنوب فأسرع باختيار مكان مناسب للقتال، واختار شبه الجزيرة المعروفة بالأقحوانة، والموجودة بين نهر الأردن ونهر اليرموك جنوب بحيرة طبرية، ولم يكتفِ بذلك، بل نصب كمينًا خطيرًا لبلدوين الأول عند جسر الصنبرة الواقع في المجرى الأعلى لنهر الأردن، جنوب غرب بحيرة طبرية.
.
.


معركة الصنبرة (13 محرم 507هـ/1113م)
وفي يوم 13 من محرم 507هـ/ 20 من يونيو 1113م شاء الله عز وجل أن يدخل بلدوين الأول في الكمين الذي نصبه مودود له عند جسر الصنبرة، بل إنه في رعونة بالغة -لا تُفسَّر إلا بأن الله عز وجل أعمى بصره- لم يترك حامية صليبية تحمي ظهره، وكأنه نسي كل القواعد العسكرية التي تعلمها طوال حياته!
.
.
دارت موقعة شرسة عند جسر الصنبرة -وهي ما عرفت في التاريخ بموقعة الصنبرة، وكان للمفاجأة عاملٌ كبير في تحويل دَفَّة المعركة لصالح المسلمين، وما هي إلا ساعات حتى سُحِق الجيش الصليبي، وقتل ما يزيد على ألفي فارس، وهرب بلدوين الأول بمشقة بالغة بعد أن دمرت فرقة من أهمِّ فرق جيشه! وغنم المسلمون غنائم هائلة في هذه المعركة من الخيول والسلاح والممتلكات.
.
.
ومضى المسلمون في زحفهم، بعد المعركة، حتى بلغوا طبرية، غير أنهم لم يغامروا فقرروا الانسحاب إلى دمشق، حيث دخلتها في ربيع الأول 507هـ/ سبتمبر 1113م، وكان ذلك أول مرة تتعاون الموصل ودمشق في حرب الصليبيين في مملكة بيت المقدس.
.
.
وتكمن أهمية الأتابك مودود في أنه أعاد للمسلمين الثقة بأنفسهم، فتحولوا من الدفاع إلى الهجوم في علاقاتهم مع الصليبيين وبلور فكرة الاتحاد بين المسلمين، وأعطاها بُعداً سياسياً وعسكرياً، فأضحى أمراؤهم على استعداد للتعاون المثمر بنوايا صادقة.
وكان يوم الصنبرة يومًا ردَّ فيه مودود رحمه الله الاعتبارَ من هزيمة السنة الماضية عند حصون الرها، ومما هو جدير بالذكر أن هذه المعركة شهدت بزوغًا رائعًا لنجم إسلامي جديد كان في جيش مودود، وهو القائد العسكري الفذُّ عماد الدين زنكي، الذي أبلى بلاءً حسنًا في هذه الموقعة حتى وصف ذلك ابن الأثير بقوله: "وكان له شجاعة في الغاية!" [8].
.
.

استشهاد الأتابك مودود بن التونتكين رحمه الله :
.
.
دخل يرحمه الله مدينة دمشق في ربيع الأول 507هـ / سبتمبر 1113م، عازمًا أن يبقى فيها فصل الشتاء؛ ليستغل هذه الفترة في تجميع جيوش جديدة والاستعداد لمواجهة جديدة مع الصليبيين.
.
.
هذا ما كان يريده، لكنَّ أعداء الأمة ما كانوا يريدون ذلك، بل أضمروا صورة مقيتة من الغدر قلَّ أن نجدها في صفحات التاريخ!! وما يحزن القلب حقًّا أن أعداء الأمة الذين نعنيهم في هذا الموقف ليسوا من الصليبيين، لكنهم كانوا من أبناء الإسلام!! أو من الذين يدعون ظاهريًّا أنهم من أبناء الإسلام!!
.
.
يقول ابن الأثير رحمه الله: " وأذن الأمير مودود للعساكر في العود والاستراحة، ثم الاجتماع في الربيع لمعاودة الغزاة، وبقي في خواصه، ودخل دمشق في الحادي والعشرين من ربيع الأول ليقيم عند طغتكين إلى الربيع، فدخل الجامع يوم الجمعة في ربيع الأول في 507هـ / سبتمبر 1113م، ليصلي فيه وطغتكين، فلما فرغوا من الصلاة، وخرج إلى صحن الجامع، ويده في يد طغتكين، وثب عليه باطني فضربه فجرحه أربع جراحات وقُتل الباطني، وأخذ رأسه، فلم يعرفه أحد، فأحرق.
.
.
وكان صائما، فحمل إلى دار طغتكين، واجتهد به ليفطر، فلم يفعل، وقال: "لا لقيت الله إلا صائمًا"، فمات من يومه رحمه الله ..، وكان خيِّرًا، عادلًا، كثير الخير".
.
.
ومن النوادر المبكيات أن ملك الفرنج في بيت المقدس بلدوين الأول كتب كتاباً إلى طغتكين جاء فيه: "أن أمة قتلت عميدها، يوم عيدها، في بيت معبودها، لحقيق على الله أن يبيدها" [9].
.
.
وبذلك ختم مودود رحمه الله حياة حافلة بالجهاد والبذل والعطاء، ونحسبه شهيدًا، ولا نزكيه على الله، والله حسيبه .. انتهى
.
.
......................
الهامش :
[1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، دار الكتاب العربي- بيروت، ط1، 1417هـ-1997م، 8/ 596.
[2] راغب السرجاني: قصة الحروب الصليبية، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع، ط2/ يناير 2009م، ص249.
علي الصلابي: دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، الناشر: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1427 هـ - 2006م، ص562- 567.
[3] راغب السرجاني: قصة الحروب الصليبية، ص264- 268.
[4] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 8/ 587.
[5] سهيل طقوش: تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام، ص 73. علي الصلابي: دولة السلاجقة، ص565.
[6] سهيل طقوش: تاريخ الزنكيين عن الموصل وبلاد الشام، ص 76. راغب السرجاني: الحروب الصليبية، ص271- 279.
[7] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 8/ 595. راغب السرجاني: قصة الحروب الصليبية، ص280- 284.
[8] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 8/ 595- 596، 601. راغب السرجاني: قصة الحروب الصليبية، ص284- 288.
[9] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 8/ 596.
.
.
المصدر :
"موقع قصة اسلام"...*بتصرفي
والسموحة على القصور 😍😴💓

السبت، 11 يونيو 2016

"ذكر الأحداث التي كانت في عهد نوح عليه افضل صلاة واتم تسليم"
.
.
يقول الإمام الكبير و المؤرخ الجليل الطبري رحمه الله في سفره العظيم (تاريخ الرسل والملوك) ما نصه في اخبار نبي الله نوح عليه الصلاة و السلام :
.
.
قد ذكرنا اختلاف المختلفين في ديانة القوم الذين ارسل اليهم نوح عليه الصلاة و السلام ، وأن منهم من يقول: كانوا قد أجمعوا على العمل بما يكرهه الله، من ركوب الفواحش وشرب الخمور والاشتغال بالملاهي عن طاعة الله عز وجل، وأن منهم من يقول: كانوا أهل طاعة بيوراسب، وكان بيوراسب أول من أظهر القول بقول الصابئين، وتبعه على ذلك الذين ارسل اليهم نوح عليه الصلاة و السلام، وسأذكر إن شاء الله خبر بيوراسب فيما بعد فأما كتاب الله فإنه ينبئ عنهم أنهم كانوا أهل أوثان، وذلك أن الله عز وجل يقول مخبرا عن نوح: «قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً، وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً» فبعث الله اليهم نوحا مخوفهم بأسه، ومخدرهم سطوته، وداعيا لهم إلى التوبة والمراجعة إلى الحق، والعمل بما أمر الله به رسله وأنزله في صحف آدم وشيث وأخنوخ ونوح يوم ابتعثه الله نبيا إليهم- فيما ذكر- ابن خمسين سنة.
.
.
وقيل أيضا ما حَدَّثَنَا به نصر بن علي الجهضمي، قال: حَدَّثَنَا نوح بن قيس، قال: حَدَّثَنَا عون بن أبي شداد، قال: إن الله تبارك وتعالى أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة سنة.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ الله نوحا اليهم وهو ابن أربعمائة سَنَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، ثُمَّ دَعَاهُمْ فِي نُبُوَّتِهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وركب السفينة وهو ابن ستمائه سنه، ثم مكث بعد ذلك ثلاثمائة وَخَمْسِينَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ سِرًّا وَجَهْرًا، يَمْضِي قَرْنٌ بَعْدَ قَرْنٍ، فَلا يَسْتَجِيبُونَ لَهُ، حَتَّى مَضَى قُرُونٌ ثَلاثَةٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ وَحَالِهِمْ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وجل اهلاكهم دعا عليهم نوح عليه الصلاة و السلام فَقَالَ: «رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً» ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالى ذِكْرُهُ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرَةً فَغَرَسَهَا، فَعَظُمَتْ وَذَهَبَتْ كُلَّ مَذْهَبٍ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقَطْعِهَا مِنْ بَعْدِ مَا غَرَسَهَا بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَيَتَّخِذَ مِنْهَا سَفِينَةً، كَمَا قَالَ اللَّهُ لَهُ: «وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا» ، فَقَطَعَهَا وَجَعَلَ يَعْمَلُهَا.
وَحَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ الْمَرْوَزِيُّ وَالْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، قال: حدثنى فائد مولى عبيد الله ابن عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عائشة زوج النبي ص اخبرته [ان رسول الله ص قَالَ: لَوْ رَحِمَ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ لَرَحِمَ أُمَّ الصَّبِيِّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: كَانَ نُوحٌ مَكَثَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى كَانَ آخِرَ زَمَانِهِ غَرَسَ شَجَرَةً فَعَظُمَتْ وَذَهَبَتْ كُلَّ مَذْهَبٍ ثُمَّ قَطَعَهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَعْمَلُ سَفِينَةً فَيَمُرُّونَ فَيَسْأَلُونَهُ فَيَقُولُ: أَعْمَلُهَا سَفِينَةً، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ: تَعْمَلُ سَفِينَةً فِي الْبَرِّ فَكَيْفَ تَجْرِي! فَيَقُولُ: سَوْفَ تَعْلَمُونَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا وَفَارَ التَّنُّورُ وَكَثُرَ الْمَاءُ فِي السِّكَكِ خَشِيَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ- وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا- فَخَرَجَتْ إِلَى الْجَبَلِ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَهُ، فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ خَرَجَتْ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَيِ الْجَبَلِ، فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ خَرَجَتْ حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاءُ رَقَبَتَهَا رَفَعَتْهُ بِيَدِهَا، حَتَّى ذَهَبَ بِهِ الْمَاءُ، فَلَوْ رَحِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَحَدًا لَرَحِمَ أُمَّ الصَّبِيِّ] .
حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن الهيثم، عن المسيب بن شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قال سلمان الفارسي: عمل نوح السفينة أربعمائة سَنَةٍ، وَأَنْبَتَ السَّاجَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، حَتَّى كَانَ طوله ثلاثمائة ذِرَاعٍ، وَالذِّرَاعُ إِلَى الْمَنْكِبِ.
فَعَمِلَ نُوحٌ بِوَحْيِ اللَّهِ إِلَيْهِ، وَتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ، عَمِلَهَا فَكَانَتْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ طول السفينة ثلاثمائة ذِرَاعٍ، وَعَرْضَهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَطُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاثُونَ ذِرَاعًا، وَبَابُهَا فِي عَرْضِهَا حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبارك، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ طُولُ سَفِينَةِ نُوحٍ الف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائه ذِرَاعٍ.
.
.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ الحواريون لعيسى بن مَرْيَمَ: لَوْ بَعَثْتَ لَنَا رَجُلا شَهِدَ السَّفِينَةَ فَحَدَّثَنَا عَنْهَا! فَانْطَلَقَ بِهِمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى كَثِيبٍ مِنْ تُرَابٍ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ بِكَفِّهِ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: هَذَا قَبْرُ حَامِ بْنِ نُوحٍ، قَالَ: فَضَرَبَ الْكَثِيبَ بِعَصَاهُ وَقَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ، وَقَدْ شَابَ، فَقَالَ لَهُ عيسى ع: هَكَذَا هَلَكْتَ؟ قَالَ: لا، وَلَكِنِّي مِتُّ وَأَنَا شَابٌّ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّهَا السَّاعَةُ، فَمِنْ ثَمَّ شِبْتُ قَالَ: حَدِّثْنَا عَنْ سَفِينَةِ نُوحٍ، قَالَ:
كَانَ طُولُهَا أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَيْ ذِرَاعٍ وَعَرْضُهَا ستمائه ذِرَاعٍ، وَكَانَتْ ثَلاثَ طَبَقَاتٍ: فَطَبَقَةٌ فِيهَا الدَّوَابُّ وَالْوَحْشُ، وَطَبَقَةٌ فِيهَا الإِنْسُ، وَطَبَقَةٌ فِيهَا الطَّيْرُ، فَلَمَّا كَثُرَ أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ أَنِ اغْمِزْ ذَنَبَ الْفِيلِ، فَغَمَزَ فَوَقَعَ منه خِنْزِيرٌ وَخِنْزِيرَةٌ، فَأَقْبَلا عَلَى الرَّوْثِ، فَلَمَّا وَقَعَ الْفَأْرُ بِخُرَزِ السَّفِينَةِ يَقْرِضُهُ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ أَنِ اضْرِبْ بَيْنَ عَيْنَيِ الأَسَدِ، فَخَرَجَ مِنْ مَنْخَرِهِ سِنَّوْرٌ وَسِنَّوْرَةٌ، فَأَقْبَلا عَلَى الْفَأْرِ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: كَيْفَ عَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْبِلادَ قَدْ غَرِقَتْ؟ قَالَ: بَعَثَ الْغُرَابَ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَدَعَا عَلَيْهِ بِالْخَوْفِ، فَلِذَلِكَ لا يَأْلَفُ الْبُيُوتَ قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ الْحَمَامَةَ، فَجَاءَتْ بِوَرَقِ زَيْتُونٍ بِمِنْقَارِهَا وَطِينٍ بِرِجْلَيْهَا، فَعَلِمَ أَنَّ الْبِلادَ قَدْ غَرِقَتْ قَالَ: فَطَوَّقَهَا الْخُضْرَةَ الَّتِي في عنقها، دعا لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي أَنَسٍ وَأَمَانٍ، فَمِنْ ثَمَّ تَأْلَفُ الْبُيُوتَ قَالَ: فَقَالَتِ الْحَوَارِيُّونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَنْطَلِقْ بِهِ إِلَى أَهْلِنَا، فَيَجْلِسَ مَعَنَا وَيُحَدِّثَنَا؟ قَالَ: كَيْفَ يَتْبَعُكُمْ مَنْ لا رِزْقَ لَهُ؟ قَالَ:
فَقَالَ لَهُ: عُدْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَعَادَ تُرَابًا.

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، قَالَ: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عَبَّاسٍ، قَالَ: نَجَرَ نُوحٌ السَّفِينَةَ بِجَبَلِ بُوذَ، من ثم تبدى الطوفان قال: وكان طول السفينة ثلاثمائة ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ جَدِّ أَبِي نُوحٍ، وَعَرْضُهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَطُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاثِينَ ذِرَاعًا، وَخَرَجَ مِنْهَا مِنَ الْمَاءِ سِتَّةُ أَذْرُعٍ، وَكَانَتْ مُطَبَّقَةً، وَجُعِلَ لَهَا ثَلاثَةُ أَبْوَابٍ، بَعْضُهَا أَسْفَلُ مِنْ بعض.
.
.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عمن لا يتهم، عن عبيد بن عمير الليثي، أنه كان يحدث أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به- يعني قوم نوح بنوح- فيخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال:
اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
قال ابن إسحاق: حتى إذا تمادوا في المعصية، وعظمت في الأرض منهم الخطيئة، وتطاول عليه وعليهم الشأن، واشتد عليه منهم البلاء، وانتظر النجل بعد النجل، فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي قبله، حتى إن كان الآخر منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا، هكذا مجنونا! لا يقبلون منه شيئا، حتى شكا ذلك من أمرهم نوح إلى الله عز وجل، فقال كما قص الله عز وجل علينا في كتابه: «رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً» إلى آخر القصة، حتى قال: «رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً» ، إلى آخر القصة فلما شكا ذلك منهم نوح إلى الله عز وجل واستنصره عليهم اوحى الله اليه ان «اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ» فاقبل نوح على عمل الفلك، ولها عن قومه، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد،، ويهيئ عدة الفلك من القار وغيره مما لا يصلحه إلا هو، وجعل قومه يمرون به، وهو في ذلك من عمله، فيسخرون منه، ويستهزئون به فيقول: «إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ» قال: ويقولون- فيما بلغني-: يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة! قال: وأعقم الله أرحام النساء فلا يولد لهم.
قال: ويزعم أهل التوراة أن الله عز وجل أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج، وأن يصنعه أزور، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعا وعرضه خمسين ذراعا، وطوله في السماء ثلاثين ذراعا، وأن يجعله ثلاثة أطباق: سفلا ووسطا وعلوا، وأن يجعل فيه كوا ففعل نوح كما امره الله عز وجل، حتى إذا فرغ منه وقد عهد الله إليه: «إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» وقد جعل التنور آية فيما بينه وبينه، فقال: إذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين واركب فلما فار التنور حمل نوح في الفلك من أمره الله تعالى به- وكانوا قليلا كما قال- وحمل فيها من كل زوجين اثنين مما فيه الروح والشجر، ذكرا وأنثى فحمل فيه بنيه الثلاثة: سام وحام ويافث ونساءهم، وستة أناس ممن كان آمن به فكانوا عشرة نفر: نوح وبنوه وأزواجهم، ثم أدخل ما أمره الله به من الدواب، وتخلف عنه ابنه يام، وكان كافرا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عن ابن إسحاق، عن الحسن ابن دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ أَوَّلَ مَا حَمَلَ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ مِنَ الدَّوَابِّ الذرة، وَآخِرَ مَا حَمَلَ الْحِمَارُ فَلَمَّا أَدْخَلَ الْحِمَارَ وَدَخَلَ صَدْرُهُ تَعَلَّقَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ بِذَنَبِهِ فَلَمْ تَسْتَقِلَّ رِجْلاهُ، فَجَعَلَ نُوحٌ يَقُولُ: وَيْحَكَ! ادْخُلْ، فَيَنْهَضُ فَلا يَسْتَطِيعُ، حَتَّى قَالَ نُوحٌ، وَيْحَكَ! ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَكَ، قَالَ كَلِمَةٌ زَلَّتْ عَنْ لِسَانِهِ، فَلَمَّا قَالَهَا نُوحٌ خَلَّى الشَّيْطَانُ سَبِيلَهُ، فَدَخَلَ وَدَخَلَ الشَّيْطَانُ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ نُوحٌ: مَا أَدْخَلَكَ عَلَيَّ يَا عَدُوَّ اللَّهِ! قَالَ: أَلَمْ تَقُلِ: ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَكَ!، قَالَ: اخْرُجْ عَنِّي يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَقَالَ: مالك بُدٌّ مِنْ أَنْ تَحْمِلَنِي، فَكَانَ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- فِي ظَهْرِ الْفُلْكِ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ وَأَدْخَلَ فِيهِ كُلَّ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ الَّتِي دخل فيها نوح بعد ستمائه سَنَةٍ مِنْ عُمْرِهِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنَ الشَّهْرِ، فَلَمَّا دَخَلَ وَحَمَلَ مَعَهُ مَنْ حمل، تحرك يَنَابِيعُ الْغَوْطِ الأَكْبَرِ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، كَمَا قال الله لنبيه ص: «فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ» فَدَخَلَ نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ الْفُلْكَ وَغَطَّاهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ بِطَبَقَةٍ، فَكَانَ بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الْمَاءَ وَبَيْنَ أَنِ احْتَمَلَ الْمَاءُ الْفُلْكَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً ثُمَّ احْتَمَلَ الْمَاءُ كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، وَكَثُرَ وَاشْتَدَّ وَارْتَفَعَ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ص.
«وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ» .
وَالدُّسُرُ: الْمَسَامِيرُ، مَسَامِيرُ الْحَدِيدِ فَجَعَلَتِ الْفُلْكُ تَجْرِي بِهِ وَبِمَنْ مَعَهُ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ، وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ الَّذِي هَلَكَ فِيمَنْ هَلَكَ، وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ حِينَ رَأَى نُوحٌ مِنْ صِدْقِ مَوْعُودِ رَبِّهِ مَا رَأَى، فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ» ، وَكَانَ شَقِيًّا قَدْ أُضْمِرَ كُفْرًا، «قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ» ، وَكَانَ عَهَدَ الْجِبَالَ وهي حرز مِنَ الأَمْطَارِ إِذَا كَانَتْ، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ كما كان يكون، قال نوح: «لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ» .
وَكَثُرَ الْمَاءُ وَطَغَى، وَارْتَفَعَ فَوْقَ الْجِبَالِ- كما يزعم أَهْلُ التَّوْرَاةِ- خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَبَادَ مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ أَوْ شَجَرٍ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ الْخَلائِقِ إِلا نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ، وَإِلا عوجُ بْنُ عنقٍ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ- فَكَانَ بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الطُّوفَانَ وَبَيْنَ أَنْ غَاضَ الْمَاءُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قَالَ: أَرْسَلَ اللَّهُ الْمَطَرَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَأَقْبَلَتِ الْوُحُوشُ حِينَ أَصَابَهَا الْمَطَرُ وَالدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ كُلُّهَا إِلَى نُوحٍ، وَسُخِّرَتْ لَهُ، فَحَمَلَ مِنْهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ» ، وَحَمَلَ مَعَهُ جَسَدَ آدَمَ، فَجَعَلَهُ حَاجِزًا بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، فَرَكِبُوا فِيهَا لِعَشْرِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ، وَخَرَجُوا مِنْهَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، فَلِذَلِكَ صَامَ مَنْ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأُخْرِجَ الْمَاءُ نِصْفَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ» ، يقول: منصب، «وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً» ، يَقُولُ: شَقَقْنَا الأَرْضَ، «فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ» فَصَارَ الْمَاءُ نِصْفَيْنِ: نِصْفٌ مِنَ السَّمَاءِ وَنِصْفٌ مِنَ الأَرْضِ، وَارْتَفَعَ الْمَاءُ عَلَى أَطْوَلِ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَسَارَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ، فَطَافَتْ بِهِمُ الأَرْضَ كُلَّهَا فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ لا تَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ، حَتَّى أَتَتِ الْحَرَمَ فَلَمْ تَدْخُلْهُ، وَدَارَتْ بِالْحَرَمِ أُسْبُوعًا، وَرُفِعَ البيت الذى بناه آدم ع، رُفِعَ مِنَ الْغَرَقِ، - وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَالْحَجَرُ الأَسْوَدُ- عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، فَلَمَّا دَارَتْ بِالْحَرَمِ ذَهَبَتْ فِي الأَرْضِ تَسِيرُ بِهِمْ، حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى الْجُودِيِّ- وَهُوَ جَبَلٌ بِالْحَضِيضِ مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ- فَاسْتَقَرَّتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِتَمَامِ السَّبْعِ، فَقِيلَ بَعْدَ السَّبْعَةِ الأَشْهُرِ:
«بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ، فلما استقرت عَلَى الْجُودِيِّ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ» ، يَقُولُ: أَنْشِفِي مَاءَكِ الَّذِي خَرَجَ مِنْكِ، «وَيا سَماءُ أَقْلِعِي» ، يقول:
احبسى ماءك، «وَغِيضَ الْماءُ» نَشَّفَتْهُ الأَرْضُ، فَصَارَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ هَذِهِ الْبُحُورَ الَّتِي تَرَوْنَ فِي الأَرْضِ، فَآخِرُ مَا بَقِيَ مِنَ الطُّوفَانِ فِي الأَرْضِ مَاءٌ بِحَسْمَى بَقِيَ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً بَعْدَ الطُّوفَانِ ثُمَّ ذَهَبَ.
وَكَانَ التَّنُّورُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ آيَةَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ فَوَرَانَ الْمَاءِ مِنْهُ تَنُّورًا كَانَ لِحَوَّاءَ من حِجَارَةً، وَصَارَ إِلَى نُوحٍ.
حَدَّثَنِي يعقوب بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنَا هشيم، عن أبي محمد، عن الحسن، قال: كان تنورا من حجارة، كان لحواء حتى صار إلى نوح، قال: فقيل له: إذا رأيت الماء يفور من التنور، فاركب أنت وأصحابك.
وقد اختلف في المكان الذي كان به التنور الذي جعل الله فوران مائه آية، ما بينه وبين نوح، فقال بعضهم: كان بالهند.
ذِكْرُ مَنْ قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنِ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ الْخَزَّازِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي: «وَفارَ التَّنُّورُ» قَالَ:
فَارَ بِالْهِنْدِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ ذَلِكَ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: نَبَعَ الْمَاءُ فِي التَّنُّورِ، فَعَلِمَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْهُ، قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ: مَا فَارَ التَّنُّورُ إِلا مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ.
وَاخْتُلِفَ فِي عَدَدِ مَنْ رَكِبَ الْفُلْكَ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
كَانُوا ثَمَانِينَ نَفْسًا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَهِيكٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ فِي سَفِينَةِ نُوحٍ ثَمَانُونَ رَجُلا، أَحَدُهُمْ جُرْهُمٌ.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَمَلَ نُوحٌ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانِينَ إِنْسَانًا.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: كَانُوا ثَمَانِينَ- يَعْنِي الْقَلِيلَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
«وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» .
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال:
أخبرني أبي، عن أبي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَمَلَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ بَنِيهِ: سَامَ، وَحَامَ، وَيَافِثَ وَكَنَائِنَهُ، نِسَاءَ بَنِيهِ هَؤُلاءِ، وَثَلاثَةَ وَسَبْعِينَ مِنْ بَنِي شِيثٍ، مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، فَكَانُوا ثَمَانِينَ فِي السفينة وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانُوا ثَمَانِيَةَ أَنْفُسٍ ذِكْرُ من قال ذلك:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قال: ذكر لنا أنه لَمْ يَتِمَّ فِي السَّفِينَةِ إِلا نُوحٌ وَامْرَأَتُهُ وَثَلاثَةٌ بَنِيهِ، وَنِسَاؤُهُمْ، فَجَمِيعُهُمْ ثَمَانِيَةٌ.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عبد الملك ابن أبي غنية، عن أبيه، عن الحكم: «وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» ، قَالَ: نُوحٌ، وَثَلاثَةُ بَنِيهِ، وَأَرْبَعُ كَنَائِنِهِ.
حَدَّثَنَا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قَالَ:
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حُدِّثْتُ أَنَّ نُوحًا حَمَلَ مَعَهُ بَنِيهِ الثَّلاثَةَ وَثَلاثَ نِسْوَةٍ لِبَنِيهِ، وَامْرَأَةَ نُوحٍ، فَهُمْ ثَمَانِيَةٌ بِأَزْوَاجِهِمْ، وَأَسْمَاءُ بَنِيهِ: يَافِثُ، وَحَامُ، وَسَامُ.
فَأَصَابَ حَامُ امْرَأَتَهُ فِي السَّفِينَةِ، فَدَعَا نُوحٌ أَنْ تُغَيَّرَ نُطْفَتُهُ، فَجَاءَ بِالسُّودَانِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانُوا سَبْعَةَ أَنْفُسٍ.
ذكر من قَالَ ذلك:
حدثني الحارث، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الاعمش: «وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» ، قَالَ: كَانُوا سَبْعَةً: نُوحٌ، وَثَلاثُ كَنَائِنَ، وَثَلاثَةُ بَنِينَ لَهُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: كَانُوا عَشَرَةً سِوَى نِسَائِهِمْ.
.
.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
حمل بنيه الثلاثة: سام، وحام، ويافث ونساءهم، وستة أناسي ممن كان آمن به، فكانوا عشرة نفر بنوح وبنيه وأزواجهم وأرسل الله تبارك وتعالى الطوفان لمضي ستمائه سنة من عمر نوح- فيما ذكره أهل العلم من أهل الكتاب وغيرهم- ولتتمة ألفي سنة ومائتي سنة وست وخمسين سنة من لدن اهبط آدم إلى الأرض.
وقيل: إن الله عز وجل أرسل الطوفان لثلاث عشرة خلت من آب، وإن نوحا أقام في الفلك إلى أن غاض الماء، واستوت الفلك على جبل الجودي بقردى، في اليوم السابع عشر من الشهر السادس فلما خرج نوح منها اتخذ بناحية قردى من أرض الجزيرة موضعا، وابتنى هناك قرية سماها ثمانين، لأنه كان بنى فيها بيتا لكل إنسان ممن آمن معه وهم ثمانون، فهي إلى اليوم تسمى سوق ثمانين.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: هبط نوح ع إِلَى قَرْيَةٍ، فَبَنَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَيْتًا، فَسُمِّيَتْ سُوقَ ثَمَانِينَ، فَغَرِقَ بَنُو قَابِيلَ كُلُّهُمْ، وَمَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى آدَمَ مِنَ الآبَاءِ كَانُوا عَلَى الإِسْلامِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَصَارَ هُوَ وَأَهْلُهُ فِيهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ لا يُعِيدُ الطُّوفَانَ إِلَى الأَرْضِ أَبَدًا.
وَقَدْ حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا المحاربى، عن عثمان ابن مَطَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ، عن ابيه، قال: [قال رسول الله ص: فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ رَكِبَ نُوحٌ السَّفِينَةَ، فَصَامَ هُوَ وَجَمِيعُ مَنْ مَعَهُ، وَجَرَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَانْتَهَى ذَلِكَ إِلَى الْمُحَرَّمِ، فَأَرْسَتِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَصَامَ نُوحٌ، وَأَمَرَ جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْوَحْشِ وَالدَّوَابِّ فَصَامُوا شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ] .
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: كَانَتِ السَّفِينَةُ أَعْلاهَا الطَّيْرُ، وَوَسَطُهَا النَّاسُ، وَأَسْفَلُهَا السِّبَاعُ.
وَكَانَ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاثِينَ ذِرَاعًا، وَدُفِعَتْ مِنْ عَيْنِ وَرْدَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ، وَأَرْسَتْ عَلَى الْجُودِيِّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَمَرَّتْ بِالْبَيْتِ، فَطَافَتْ بِهِ سَبْعًا، وَقَدْ رَفَعَهُ اللَّهُ مِنَ الْغَرَقِ، ثُمَّ جَاءَتِ الْيَمَنَ، ثُمَّ رَجَعَتْ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حدثنا حجاج، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هَبَطَ نُوحٌ مِنَ السَّفِينَةِ يَوْمَ الْعَاشِرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُفْطِرًا فَلْيَصُمْ.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا- يَعْنِي الْفُلْكَ- اسْتَقَلَّتْ بِهِمْ فِي عَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ، فَكَانَتْ فِي الْمَاءِ خَمْسِينَ وَمِائَةَ يَوْمٍ، وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى الْجُودِيِّ شَهْرًا، وَأَهْبَطَ بِهِمْ فِي عَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ.
.
.
حَدَّثَنَا القاسم، قال: حَدَّثَنَا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: ما كان زمان نوح شبر من الأرض إلا إنسان يدعيه ثم عاش نوح بعد الطوفان فيما حَدَّثَنِي نصر بن علي الجهضمي، قال:
أخبرنا نوح بن قيس، قال: حَدَّثَنَا عون بن أبي شداد، قال: عاش- يعني نوحا- بعد ذلك- يعني بعد الألف سنة إلا خمسين عاما التي لبثها في قومه- ثلاثمائة وخمسين سنة.
وأما ابن إسحاق، فإن ابن حميد حَدَّثَنَا، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عنه، قال: وعمر نوح- فيما يزعم أهل التوراة- بعد ان اهبط من الفلك ثلاثمائة سنة وثمانيا وأربعين سنة، قال: فكان جميع عمر نوح ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم قبضه الله عز وجل إليه.
وقيل: إن ساما ولد لنوح قبل الطوفان بثمان وتسعين سنة وقال بعض أهل التوراة: لم يكن التناسل، ولا ولد لنوح ولد إلا بعد الطوفان، وبعد خروج نوح من الفلك.
قالوا: إنما الذين كانوا معه في الفلك قوم كانوا آمنوا به واتبعوه، غير أنهم بادوا وهلكوا، فلم يبق لهم عقب، وإنما الذين هم اليوم في الدنيا من بني آدم ولد نوح وذريته دون سائر ولد آدم، كما قال الله عز وجل:
«وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» .
وقيل: إنه كان لنوح قبل الطوفان ابنان هلكا جميعا، كان أحدهما يقال له كنعان، قالوا: وهو الذي غرق في الطوفان، والآخر منهما يقال له عابر، مات قبل الطوفان.
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أخبرني هشام، قال:
أخبرني أبي، عن أبي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وُلِدَ لِنُوحٍ سَامُ، وَفِي وَلَدِهِ بَيَاضٌ وَأُدْمَةٌ، وَحَامُ وَفِي وَلَدِهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ قَلِيلٌ، وَيَافثُ وَفِيهِمُ الشُّقْرَةُ وَالْحُمْرَةُ، وَكَنْعَانُ وَهُوَ الَّذِي غَرِقَ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ يَامَ، وَذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ:
إِنَّمَا هام عَمُّنَا يَامُ، وَأُمُّ هَؤُلاءِ وَاحِدَةٌ فَأَمَّا الْمَجُوسُ فَإِنَّهُمْ لا يَعْرِفُونَ الطُّوفَانَ، وَيَقُولُونَ: لَمْ يَزَلِ الْمُلْكُ فِينَا مِنْ عَهْدِ جُيومَرْتَ، وَقَالُوا: جُيومَرْتَ هُوَ آدَمُ يَتَوَارَثُهُ آخِرُ عَنْ أَوَّلَ إِلَى عَهْدِ فَيْرُوزَ بْنِ يَزْدجردَ بْنِ شَهْرَيَارَ، قَالُوا: وَلَوْ كَانَ لِذَلِكَ صِحَّةٌ كَانَ نَسَبُ الْقَوْمِ قَدِ انْقَطَعَ، وَمُلْكُ الْقَوْمِ قَدِ اضْمَحَلَّ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُقِرُّ بِالطُّوفَانِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ فِي إِقْلِيمِ بَابِلَ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ، وَأَنَّ مَسَاكِنَ وَلَدِ جيومرتَ كَانَتْ بِالْمَشْرِقِ، فَلَمْ يَصِلْ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ الطُّوفَانِ بِخِلافِ مَا قَالُوا، فَقَالَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ. وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ. وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» ، فَأَخْبَرَ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنَّ ذُرِّيَّةَ نُوحٍ هُمُ الْبَاقُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ اخْتِلافَ النَّاسَ فِي جُيومَرْتَ وَمَنْ يُخَالِفُ الْفُرْسَ فِي عَيْنِهِ، ومن هو، ومن نسبه الى نوح ع.
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَثْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، [عَنِ النبي ص في قوله: «وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» قَالَ: سَامُ وَحَامُ وَيَافِثُ] .
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة، في قوله: «وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» ، قَالَ: فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ.
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» .
يَقُولُ: لَمْ يَبْقَ إِلا ذُرِّيَّةَ نُوحٍ.
وروي عن علي بن مجاهد، عن ابن إسحاق، عن الزهري. وعن محمد بن صالح، عن الشعبي قالا: لما هبط آدم من الجنة، وانتشر ولده أرخ بنوه من هبوط آدم، فكان ذلك التاريخ حتى بعث الله نوحا فارخوا ببعث نوح، حتى كان الغرق، فهلك من هلك ممن كان على وجه الأرض. فلما هبط نوح وذريته وكل من كان في السفينة إلى الأرض قسم الأرض بين ولده أثلاثا: فجعل لسام وسطا من الأرض، ففيها بيت المقدس، والنيل، والفرات، ودجلة، وسيحان، وجيحان، وفيشون، وذلك ما بين فيشون إلى شرقي النيل، وما بين منخر ريح الجنوب إلى منخر الشمال. وجعل لجام قسمه غربي النيل، فما وراءه إلى منخر ريح الدبور. وجعل قسم يافث في فيشون فما وراءه إلى منخر ريح الصبا، فكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم، ومن نار إبراهيم إلى مبعث يوسف، ومن مبعث يوسف إلى مبعث موسى، ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان، ومن ملك سليمان إلى مبعث عيسى بن مريم، ومن مبعث عيسى بن مريم الى ان بعث رسول الله محمد عليه الصلاة و السلام.
وهذا الذي ذكر عن الشعبي من التاريخ ينبغي أن يكون على تاريخ اليهود، فأما أهل الإسلام فإنهم لم يؤرخوا إلا من الهجرة، ولم يكونوا يؤرخون بشيء من قبل ذلك، غير أن قريشا كانوا- فيما ذكر- يؤرخون قبل الإسلام بعام الفيل، وكان سائر العرب يؤرخون بأيامهم المذكورة، كتاريخهم بيوم جبلة، وبالكلاب الاول، والكلاب الثانى.
وكانت النصارى تؤرخ بعهد الإسكندر ذي القرنين، وأحسبهم على ذلك من التاريخ إلى اليوم.
وأما الفرس فإنهم كانوا يؤرخون بملوكهم، وهم اليوم فيما أعلم يؤرخون بعهد يزدجرد بن شهريار، لأنه كان آخر من كان من ملوكهم له ملك بابل والمشرق  .. انتهى ..
.
.
المصدر :
تاريخ الطبري (تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري)
المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
(صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي، المتوفى: 369هـ)

الناشر: دار التراث - بيروت ..

مع التحية شاهزاده ..

الخميس، 9 يونيو 2016

" يمين الدولة السلطان المظفر محمود ابن سبكتكين الغزنوي التركي رحمه الله "
.
.
‌هذا السلطان السني العظيم ومملكته في بلاد الأفغان وما كان عليه من حب للعمل وتقرب إلى الله بحمل راية الدعوة وبث روح الجهاد والاستشهاد في جنده، ونشر السنة، وقمع البدع, وما كان يتحلى به من قيم إسلامية مثلى كان لها أعمق الأثر في ازدهار مملكته والتفاف الناس حوله في محبة وتفان ووفاء ([1]).
إن سيرة السلطان محمود الغزنوي ودولته السُّنية تستحق أن تُفرد لها دراسة خاصة بها وندعو طلاب العلم والمهتمين بالتاريخ الإسلامي وفق منهج أهل السنة والجماعة إلى القيام بهذا الواجب لسد ثغرة في المكتبة الإسلامية ويوضح أهمية الالتزام بالسنة وأثر ذلك في قوة الدولة وينسف أكاذيب وشبهات الرافضة والباطنية حول هذا البطل السني العظيم, ومع هذا لا يمنع من الحديث عنه في هذه العجالة، فقد وصفه ابن كثير بالملك العادل الكبير المثاغر ([2])، المرابط المؤيد المنصور المجاهد يمين الدولة أبو القاسم محمود بن سبكتكين صاحب بلاد غزنة وتلك الممالك الكبار، وفاتح أكثر بلاد الهند قهراً، وكاسر بُدودِهم([3])، وأوثانهم كسراً، وقاهر هنودهم وسلطانهم الأعظم قهراً ([4])، وقد سار في الرعية سيرة عادلة وقام بأعباء الإسلام قياماً تاماً، وفتح فتوحات كثيرة في بلاد الهند وغيرها، وعظم شأنه في العالمين، واتسعت مملكته وامتدت رعاياه وطالت أيامه، ولله الحمد والمنة، وكان يخطب في سائر ممالكه للخليفة العباسي القادر بالله، وكانت رسل الفاطميين من الديار المصرية تَفِد إليه بالكتب والهدايا والتحف فيحرق كتبهم ويُخرّق حللهم ([5])، ولما قدم التاهرتي الداعي مندوب الدعوة الفاطمية من مصر على السُّلطان يدعوه سراً إلى مذهب الباطنية، وكان التاهرتي يركب بغلاً يتلون كل ساعة من كل لون، ففهم السلطان محمود سِرَّ دعوتهم، فغضب، وقتل التَّاهَرتي الخبيث، وأهدى بغله إلى القاضي أبي منصور محمد الأزدي شيخ هراة، وقال: كان يركبه رأس الملحدين، فليركبه رأس المُوحَّدين ([6]). وأما فتوحاته فقد اتفقت له في بلاد الهند فتوحات لم تتفق لغيره من الملوك، لا قبله ولا بعده, وغنم مغانم كثيرة لا تنحصر ولا تنضبط كثرة من الذهب واللآلئ والسَّبْي، وكسر من أصنامهم وأبدادهم وأوثانهم شيئاً كثيراً جداً، بيَّض الله وجهه وأكرم مثواه, وكان من جملة ما كسر من أصنامهم صنم عظيم للهنود يقال له سُومَنات ([7])، الذي كان يعتقد كفرة الهند أنه يحيى ويُميت ويحُجُّونه، ويقربون له النفائس، بحيث إن الوقوف عليه بلغت عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزائنه من صنوف الأموال، وفي خدمته من البراهمة ألفا نفس، ومائة جوقة مغاني رجال ونساء، فكان بين بلاد الإسلام وبين قلعة هذا الصَّنم مفازة نحو شهر، فسار السلطان في ثلاثين ألفاً، فيسَّر الله فتح القلعة في ثلاثة أيام، واستولى محمود على أموال لا تحصى([8])، بلغ ما تحصل منه من الذهب عشرين ألف دينار، وكسر ملك الهند الكبير الذي يقال له «جيبال». وقهر ملك الترك الأعظم الذي يقال له: إيلك خان، وأباد ملك السامانية، وقد ملكوا بخراسان مائة سنة بلاد سمرقند وما حولها، ثم هلكوا, وبنى على جيحون جسراً غرم عليه ألْفيْ ألف دينار، وهذا شيء لم يتفق لغيره من الملوك، وكان معه في جيشه أربعمائة فيل تقاتل، وهذه أمور هائلة ومرتبة طائلة، وجرت له فصول ذكر تفصيلها يطول، وكان في غاية الديانة والصيانة، يحب العلماء والمحدثين ويكرمهم ويجالسهم ويحسن إليهم، وكان حنفيّ المذهب، ثم صار شافعياً على يدي أبي بكر القفال الصغير ([9])وكان صادق النية في إعلاء الدين، مظفراً كثير الغزو، وكان ذكياً بعيد الغور صائب الرأي، دخل ابن فورك على السلطان محمود، فقال: لا يجوز أن يوصف الله بالفوقية لأنَّ لازم ذلك وصفه بالتحتية، فمن جاز له أن يكون له فوق، جاز أن يكون له تحت. فقال السلطان: ما أنا وصفته حتى يلزمني، بل هو وصف نفسه، فبهت ابن فورك، فلما
خرج من عنده مات ([10]). وكان السلطان محمود مُكرماً لأمرائه وأصحابه، وإذا نقم عاجل، وكان لا يفتر ولا يكاد يَقِرُّ، وكان يعتقد في الخليفة العباسي ويخضع لجلاله ويحمل
إليه قناطير الذهب, وكان إلباً على القرامطة والإسماعيلية وعلى المتكلمين ([11]) وعندما
ملك الري كتب إلى الخليفة القادر بالله يذكر أنه وجد لمجد الدولة البويهي من النساء الحرائر ما يزيد على خمسين امرأة ولدن له نيفاً وثلاثين ولداً، ولما سئل عن ذلك قال: هذه عادة سلفي، وصلب من أصحاب الباطنيين خلقاً كثيراً، ونفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة والنجوم ([12])... انتهى ..
.
.
الهوامش :
.
.
([1])تاريخنا بين تزوير الأعداء وغفلة الأبناء, للعظم، ص 180.
(5)المثاغر: أي المرابط على الثغور. (6)البدود: جمع البُدّ وهو الصنم بالفارسية.
(7)البداية والنهاية (15/628). (8)المصدر نفسه (15/633).
([5])
([6])سير أعلام النبلاء (17/486). (2)البداية والنهاية (15/634).
([8])سير أعلام النبلاء (17/485). (4)البداية والنهاية (15/634).
([10]، 6)سير أعلام النبلاء (17/487).
([12])الكامل في التاريخ, نقلاً عن: أيعيد التاريخ نفسه؟، ص 66
.
.
اعده المؤرخة هيام عبده مزيد الحكمي شفاها الله وعافاها ..

الأربعاء، 8 يونيو 2016


سلسلة المسلمون سادة البحار .. 

سيد البحار في زمانه غلام زرافة " ليون الطرابلسي ""الجزء الثاني"
.
.
======"
المسلمين سادة البحار"======
.
.
تتمة :
وايقن اهل مدينة ووثقوا في القديس "ديمتريوس" حامي مدينتهم اذ انه رد الصقالبة مرارا وحماهم من الغزاة و المسلمين و الوثنيين .
وكانت الشائعات المزعومة تتردد كل يوم بمقدم الغزاه، وكان بطلنا قد طارد الأسطول البيزنطي حتى مضيق "الهيليس" ثم عاد على "تاسوس" .
ثم توفي "بتروناس" فجأة فتولى بعده الضابط "نيكيتاس"، فتولى الدفاع بكل قوة، واستقدم جندا صقالبة من الأنحاء القريبة.
بيد ان سكان المدينة لم يفقدوا ثقتهم بالقديس "ديمتريوس" فهرعوا خلف اسقفهم لتلاوة صلواتهم في كنيسة قديسهم ليل نهار.
.
.
واما بطلنا المغوار فقد توقف في "تاسوس" واصلح السفن واعد عدة التدمير .
.
.
التجهيز للقتال :
وفي يوم الأحد ( 29 يوليه 904 ميلادي ) طار الخبر في المدينة ان الغزاة قد وصلوا إلى الخليج واحتجبوا عن الأنظار، فعم الاضطراب و الهلع، وارتفع الصراخ واعويل، وهب السكان للحرب من بين دموع النساء و الأطفال، ثم ظهرت سفن المسلمين اخيرا، وتقدمت وكان مرفأ المدينة محميا بالسلاسل الضخمة مدت بين الضفتين، وقد اغرقت في المرفأ سفن لتحول من اقتراب الغزاه .
وقد ظهر الأمير المسلم على المدينة وهاجم اختبارا لقوتها ومدافعيها . 
وحاول المسلمون الهجم ونصلوا السلاسل من شرقي المدينة و المجانيق ولكنهم ردوا امام سيل من الجارة و السهام البيزنطية . 
فلجأ "ليون" عندئذ إلى وسيلة اخرى وبعث طلائعة بحراقات غطيت حتى لا تصلها نار المدافعين فستبسلوا واضرموا النار تحت الأبواب الشرقية، وقفلوا تحت وابل من الأحجار و الناس وتهاوت الأبواب ولكن دون نتيجة اذ بني على الأبواب بناء محكم و علتها ابراج منيعة .
وكان "ليون" يرمي بكل هذه المقدمات الي تحويل عناية المدافعين عن غايتهم الحقيقية وكان قد رأى أنه يستطيع محاذات السور في عدة مواضع عينها بدقة ...
.
.
الهجوم الحاسم و الظفر المبين :
.
.
وعندئذ بدأ "ليون" بتنفيذ خطته النهائيه، بمنتهى البراعة و السرعة، فربت عدت سفن كل اثنتين معا برباط قوي متين واقيم فوق كل اثنتين برج خشبي مرتفع، وفي الصباح بدأ الأجتياح و دفعت الأبراج نحو المواضع المنخفضة من السور وفي كل منها نخبة من المسلمون تستطع ان تشرف على ابراج الدفاع من أعلى، ونشب قتال هائل بين الفريقين، و قذف المسلمين البيزنطين بالسهام و النار اليونانية و الأحجار التي استخدموها في ذالك العصر، وارتد اليونان عن الأبراج .
وكان اول من اقتحم بحارة السكندرية، وانقضوا على باقي الأبراج، واجلوا اليونانين عنها، ثم فتحوا أبواب المدينة، وانقض المسلمون عليها من كل ناحية، ودخل البحارة المكلفون بجمع الأسلاب شاهرون سيوفهم، وليس عليهم سوى السراويل، وفر منهم البيزنطه و الصقالبه من كل صوب .
وقسم المسلمون انفسهم جماعات وأخذت تجوس و تجتاح المدينة قتلا ونهبا وسبيا .
.
.
وكان من بين الأسرى صاحب القصة واهله المؤرخ البيزنطي "يوحنا"، فوقع في يد مجاهدين احباش، فدلهم على مخبئ كنز له ولعائلته كي يفدوا انفسهم به، فلما وجد الكنز سليما وهذا من حسن طالعه عفى عنه من القتل بطلنا ليون واسرته، ولكن يحمل مع من اسر حتى يرجع المسلمون المأسورون في يد البيزنطه .
.
.
وبعد هذا النصر المبين رجع ليون من ثغر "تسالونيكا" مثقلا بالغنائم و الأسرى .
ويقدر "يوحنا" عدد الأسرى باثنين وعشرين ألفا، بين رجال و نساء و غلمان، وكان من بين الأسرى اشرف اليونان والأغلب ماتوا جوعا و بردا على متن السفن . 
.
.
ورجع بطلنا الهمام من غزاته متجنبا لقاء السفن البيزنطية حتى لا يرهق وهو محمل بالغنائم ورسى في "زنتاريون" من ثغور اقريطش، وهناك بقى بضعة ايام مقسما الغنائم و السبي، ثم تفرق البحارة كل إلى ثغره، ووصل بطلنا إلى قاعدته طرطوس في ( 24 سبتمبر 904 ميلادي ) 
.
.
وهناك استبل الأسرى البيزنطه بالمسلمون ومن بينهم صاحب القصة و معاصرها "يوحنا" وكان النصر والظفر المبين ..

.
.
الخاتمة :
وهذه لمحة من اخبار ملوك البحار و سادتها بحارتنا و مجاهدونا الأبطال، ومنها نرى ان السيادة البحرية على بحار الروم و ثغور بيزنطة للمسلمين مدى احقاب طويلة، وان سير تلك الفتوحات و الحملات البحرية انتهت بفتح اقريطش، و صقلية وثغور ايطاليا الجنوبية، واستطاعة ان تجوس خلال البحر حتى القسطنطينية امنع حصون الدولة الصليبية النصرانية، بل وحتى روما، وجنوة أقصى الثغور الإيطالية . 
.
.
إن البحث في الأمجاد البحرية لأمتنا العربية، وفنون الحرب البحرية في تاريخنا الإسلامي هو وقفة مع الذات، كي نمعن التفكير في اسباب قوتنا يو ان كانت تعبر اساطيلنا البحار و المحيطات، لتنشر الحق و العدل و الحضارة و النور وترفع ألوية امتنا الظافرة فوق هضاب و آكام وحصون اوروبا النصرانية .
.
.
"
وفي هذا المبحث اخواني الكرام احببت ان اورد سيرت بطلنا العظيم البحار المسلم ليون الطرابلسي ( غلام زرافة ) رحمه الله لنعلم اننا امة مجد مهما طمسة الهوية".
.
.
المصدر كتاب شخصيات لا تنسى من التاريخ لوالدتي واستاذتي المؤرخة هيام عبده مزيد "بتصرفي"  

سلسلة المسلمون سادة البحار .. 

كثيراً ما نسمع امجاد الأخوین العظیمین بربروسا، ولکن هل أتاکم حدیث أمﻴﺮ ﺍﻟﺒﺤﺎﺭ في زمانه ... ﻟﻴون ﺍﻟﻄﺮﺍﺑﻠﺴﻲ ؟

فإني آتي لکم بخبره فسمعوني.. 

فﻓﻲ ﺃﻭﺍﺧﺮ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﻬﺠﺮﻱ ﻇﻬﺮ ﻓﻲ ﺷﺮﻕ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﺃﻋﻈﻢ ﺑﺤﺎﺭ ﻣﺴﻠﻢ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﻪ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻋﻠﻰ ﺍﻹ‌ﻃﻼ‌ﻕ، ﻭﻫﻮ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﺎﺿﺖ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻊ ﻭﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻭﺻﻒ ﻭﺳﺮﺩ ﺣﻤﻼ‌ﺗﻪ ﻭﻏﺰﻭﺍﺗﻪ ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺠﺮﻳﺌﺔ ﻋﻠﻰ ﺛﻐﻮﺭ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻏﻔﻠﺖ ﺑﻜﻞ ﺃﺳﻒ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻣﻴﺔ ﺣﻴﺎﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻄﻞ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺣﺘﻰ ﻻ‌ ﻧﻜﺎﺩ ﻧﺮﻯ ﻟﻪ ﺃﻱ ﺫﻛﺮ ﺑﻬﺎ ﺳﻮﻯ ﺑﻀﻌﺔ ﺳﻄﻮﺭ ﻻ‌ﺑﻦ ﺍﻷ‌ﺛﻴﺮ ﻓﻲ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺳﻨﺔ 291 ﻫـ، 

ﻓﻤﻦ ﻫﻮ 'ﻟﻴﻮ' ﺃﻭ 'ﻟﻴﻮﻥ ﺍﻟﻄﺮﺍﺑﻠﺴﻲ'؟

ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻣﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻻ‌ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﺬﻛﺮﻩ ﻭﻋﻨﺪ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻋﻨﻪ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺍﻟﻜﻼ‌ﻡ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﺍﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑﺎﺳﻢ 'ﻏﻼ‌ﻡ ﺯﺭﺍﻓﺔ' ﺃﻭ 'ﺭﺷﻴﻖ ﺍﻟﻮﺭﺍﺩﻧﻲ' ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻟﻮﺍﻟﻲ ﻃﺮﺍﺑﻠﺲ ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ 'ﺍﻟﻤﺴﺘﻜﻔﻲ' ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ، ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻣﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﻠﻘﻲ ﺍﻟﻀﻮﺀ ﻋﻠﻰ ﻧﺸﺄﺗﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ ﺗﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﻋﻦ ﻧﺸﺄﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻄﻞ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻭﺃﻋﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﻴﺎﺩﻳﻦ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻣﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺣﺴﺮﺗﻨﺎ ﻭﺃﻟﻤﻨﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻋﺪﺍﺅﻧﺎ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﻨﺎ ﺑﺮﺟﺎﻟﻨﺎ .

ﻭﻟﺪ 'ﻟﻴﻮﻥ ﺍﻟﻄﺮﺍﺑﻠﺴﻲ' ﻷ‌ﺑﻮﻳﻦ ﻧﺼﺮﺍﻧﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻠﺪﺓ ﺗﺪﻋﻰ 'ﺃﺗﺎﻟﻴﺎ' ﻓﻲ ﺟﻨﻮﺏ ﺷﺮﻗﻲ ﺍﻷ‌ﻧﺎﺿﻮﻝ، ﻟﻜﻨﻪ ﻣﻨﺬ ﺣﺪﺍﺛﺘﻪ ﺃﻳﻘﻦ ﺃﻥ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻫﻮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ﺿﻼ‌ﻝ ﻭﺗﺤﺮﻳﻒ ﻓﺎﻋﺘﻨﻖ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﺻﻐﻴﺮﺍ، ﻭﺣﺎﻭﻝ ﺃﺑﻮﺍﻩ ﺑﻜﻞ ﻃﺮﻳﻖ ﺃﻥ ﻳﺤﻮﻻ‌ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻡ، ﻭﺿﻐﻄﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻘﻮﺓ ﻟﻴﺮﺗﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺼﺮﺍﻧﻴﺔ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺛﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﺩﻳﻦ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻓﺮ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻭﺍﻧﻀﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺤﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺠﻮﺑﻮﻥ ﺍﻟﺒﺤﺎﺭ ﻟﻤﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻷ‌ﺳﺎﻃﻴﻞ ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ ﻟﺮﺩﻋﻬﺎ ﻋﻦ ﺷﻮﺍﻃﺊ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻛﺎﻥ ﻫﺆﻻ‌ﺀ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻭﻥ ﻳﺮﻛﺰﻭﻥ ﻏﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﻮﺍﻃﺊ ﺑﺤﺮ ﺍﻷ‌ﺭﺧﺒﻴﻞ [ﺑﺤﺮ ﺇﻳﺠﻪ] ﻭﺛﻐﻮﺭﻩ ﻭﺟﺰﺭﻩ، و الله اعلم ....

المصدر :
"
مفکرة الإسلام"
.
.

سلسلة المسلمون سادة البحار ..

سيد البحار في زمانه غلام زرافة " ليون الطرابلسي ""الجزء الأول" 
.
.
======"
المسلمين سادة البحار"======
.
.
المقدمة : 

اتحدث لكم كما وعدتكم عن بطلنا الكبير و المجاهد البحري الكبير الذي احب أن اسميه سلطان البحار في زمانه، وکلما استطلعنا في سیرة هذا المجاهد نجد ان المصادر الغربیة اسهبت في ذکراه وسیرته العطرة، وما یحز بالقلب أن المصادر الإسلامیة التی تذکر سیرته شحیحة جداً حتی وفق الله الدکتور الجلیل محمد عبد الله عنان رحمه الله رحمة واسعة فتتبع الروایات البیزنطیة في حقه رحمه الله ووجد ما یبهر من انصاف في ذکراه " والحق ما شهدت به الأعداء " و الآن سأنقل لکم في هذه المقدمة من اقوال مؤرخینا العظماء فیه ثم اذکر ما کتب الدکتور عبد الله عنان عنه فاقول مستعیناً بالله : 
.
.
"
ذکر ابن خلدون رحمه الله في مناقب بطلنا المغوار أنه فی سنة إحدی وتسعین خرج الروم إلی الثغور في مائة الف وقصد جماعة منهم الحدث، ثم غزا بالصائفة من طرطوس القائد المعروف "غلام زرافة" ففتح مدینة انطاکیة عنوة، فقتل خمسة آلاف من مقاتلتهم، وأسر مثلهم، واستنفذ من اسری المسلمون مثلها، وغنم ستین من مراکب الروم، بما فیها من المال و المتاع و الرقیق، فقسمها مع غنائم أنطاکیة فکان السهم ألف دینار" أنتهی .
.
.
"
وقال الذهبي رحمه الله غزوة غلام زرافة، وفیها غزا من طرطوس إلی الروم فوصل إلی أنطاکیة قریباً من القسطنطینیة، فنازلها إلی أن فتحها عنوة، وقتل نحواً من خمسة آلاف، و أسر أضعافهم واستنقذ من الأسر أربعة آلاف مسلم، وغنم من الأموال ما لا یحصی، بحیث أنه أصاب سهم الفارس ألف دینار" انتهی .
.
.
وذکر نحو ذالک بن الأثیر و الطبري و ابن کثیر و ابن الجوزي وغیرهم، فکانت الأخبار قلیلة لا ترتقي إلی سیرة هذا المقدام، و الآن اذکر لکم ما قال الدکتور عنان رحمه الله و في الأجزاء القادمه بإذن الله استوفي لکم ترجمة هذا البطل و مناقبه رحمه الله، فیقول الدکتور محمد عبد الله عنان رحمه الله : 
"
في أواخر القرن الثالث الهجري أواخر القرن التاسع المیلادي، ظهر في شرقي بحر الروم أعظم بحار في ذالک العصر، وأعظم بحار مسلم علی الإطلاق، وهو أمیر البحر الذي تعرفه الروایة البیزنطیة بسم {لیون الطرابلسي} وتفیض في سرد حملاته وغزواته البحریة الجریئه علی ثغور الدولة البیزنطیة وما کانت تحدثه هذه الغزوات في الدولة و ثغورها من الروع و الأضطراب .

فمن لیون الطرابلسي هذا ؟ 
ولقد انتهینا بالبحث و التحقیق بأنه هو أمیر البحر أو القائد الذي یطلق علیه المؤرخون المسلمون «غلام زرافة»

النشأة :
المصادر العربية شحيحة في ذكر نشأته رحمه الله ولكن الروايات البيزنطية استفاضة في ذالك وقالت : إن ليون طرابلسي ولد من أبوين نصرانيين في "أتاليا" من أعمال بامفيتيا، ولكنه اندمج في العصابات المسلمة واعتنق الإسلام، واستقر في طرابلس اعمال الشام .
ونشأ رحمه الله منذ حداثته على متن السفن، وتلقى دروسه الحربية في لجو البحر، واشترك في كثير من الغزوات و الحملات البحرية، التي كانت تنظمها العصابات البحرية المسلمة للإغترة على شواطئ بحر الأرخبيل وثغوره وجزره .
ثم انتقل ليون إلى طرطوس، وجمع تحت لوائه اشجع وامهر البحارة في هذا العصر، واتخذ طرطوس مرفأ له ومحط رحاله، واضحى اسطوله يبث الرعب في نفوس الروم وحواميهم وثغورهم .
.
.
غزواته وجهاده رحمه الله :
وكانت اعظم غزوة قام بها رحمه الله غزوة "تسالونيكا" في عالم ( 291 هجري )، و الروايات موجزة في هذه الغزوة وقد ذكرتها آنفا في المقدمة وهي فتح أنطاكية وهي "سالونيكا" لا "أنطاكية الشام" وقد اورد الدكتور عنان رحمه الله اقوال مؤرخ بيزنطي عاصر الموقعة بنفسه وهو "يوحنا كامنياتس" إذ يقول الدكتور عنان رحمه الله نقلا عن يوحنا المؤرخ :
"
خرج ليون الطرابلسي من طرطوس في أربع وخمسين سفينة، في كل منها نحو مائتي مقاتل عدا جماعة مختارة من الرؤساء و الضباط، وانضم اليه في مسيره أشجع خوارج البحر، اي القرصان، في مياه المشرق، ولم يجرؤ الأسطول البيزنطي الذي بعثه الامبراطور "ليون السادس" لحماية الثغور من لقاء سفن المسلمين .
فرتد إلى ضفاف "الهيليس الدرنبيل" تاركا مياه الأرخبيل مفتوحة لسفن الغزاة، وذاع في القسطنطينية أن الغزاة يقصدون ثغر "تسالونيكا" وكانت عندهم أعظم الثغور البيزنطية واغناها وامنعها بعد القسطنطينية وقد كانت طبيعيا ذات جمال باذخ .
.
.
وتقع "تسالونيكا" على هضاب "أولمبوس"، وتشرف على رأس خليج ضيق تستطبع ان تمنع به السفن، وكان يفصلها عنه سور ضخم يمتد نحو ميل على طول الشاطئ وتحميها بعد ذالك قلاع حصينة، شيدت على آكام مرتفعة ولكنها كانت يومئذ متداعية وهاوية الأسوار مما يلي البحر حيث من خلال هالثغة يمكن للغزاة مهاجمتها .
.
.
ولذا حاول قائد الحامة "بتروناس" ان يرد السفن الغازية بأن ألقى في المياه صخور ضخمة، وقطع من الرخام الذي تزين به قبور اليونانيون، ولكي يعرض الغزاة لنبال و نيران اليونانيون، اما سكان المدينة فقد وضعوا ثقتهم في حامي مدينة القديس "ديمترويوس" ..... يتبع الجزء القادم ...