.
.
.
سلسلة #من_التاريخ_القديم
#الحضارة_الآشورية
من هو النمرود "زاهاك" ؟!
كيف كانت قصة ميلاده ؟!
كيف تحول من امير وديع لطاغية جبار ؟!
كيف كان اول اتصال بين الجن و الإنس ؟!
كيف تجبر وطغى على ربه واذل نفسه للشيطان الرجيم ؟!
كيف كانت دعوة نبي الله ابراهيم عليه السلام ؟!
وكيف كانت نهاية النمرود ؟!
.
.
" #النمرود الجزء الأخير "
.
.
كان الشيء التالي الذي فعله النمرود هو أعجب شيء يمكن أن يقوم به بشريٌّ.. وربما استحق
لقب النمرود بسبب فعله لهذا الشيء وحده؛ ذهب النمرود إلى جبل دنباوند وتحديدًا إلى
ذلك الغار الذي كان يتردد عليه بين الفينة والأخرى ليتعلم
السحر..
.
.
غار "لوسيفر"..
النمرود:
- أين كانت تلك القوة المطلقة التي تدعي.. كيف لنار مستعرة ألا تحرق إنسيًّا من لحمٍ
ودمٍ؟
لوسيفر:
- لأنه شيطان مثلي.
النمرود:
- حقًّا؟
أتقصد شيطان أعظم منك؟
ثم أننا كلنا نعرف "إبراهيم" ونعرف أباه "آزر" النحات.
لوسيفر:
- ليس لك أن تعرف كل ما أعرف.. فلست أنا
وأنت إلا حلفاء بحلف أنا السيد فيه.. وما أنت ببالغ مبلغي.. فما أنت في النهاية سوى
بشري تجوع وتبول وتموت.
النمرود:
- أين هي القوة؟
لقد صعدت إلى السماء فوق السحاب ببرجي ولم أجدها.. وهبطت معك إلى أسفل سافلين ولم أجدها.
لوسيفر:
- القوة هي أنك مَلِك الأقاليم السبعة.. ولا يوجد بشري إلا ويرتعد عند ذِكر اسمك..
وعائلات كاملة من الجن تأتمر بأمرك.
النمرود:
- كلهم إلا واحد.. "إبراهيم".. ما الذي يملكه ولا أملكه أنا ولا تملكه أنت
لوسيفر:
- هو فقير لا يملك شيئا إلا الحيلة.. والحيلة هي التي أنجته من النار
النمرود:
- أنت كاذب.. كاذب وحقير.. وأقسم أني قاتلك وممزقك إربا.. فور أن أجد تلك القوة .
.
.
و أعلن تمرده النمرود على حليفه "لوسيفر".. فبعد أن تمرد النمرود على والده
بقتله.. وتمرد على الله بالكفر وادعاء الألوهية.. وتمرد على الكواكب التي يعبدها قومه
بتجاهله الكامل لها.. وتمرد على كل الأعراف والأخلاق بطغيانه ودمويته وتجبره في البلاد..
بعد كل هذا أعلن في النهاية تمرده على من علمه السحر.. أعلن تمرده على "إبليس"..
فالنمرود من التمرد.. وكان "زاهاك" هو أمير التمرد بلا منازع في تاريخ الأرض.
.
.
- سيدي "زاهاك".. وصل الطباخ الجديد للملك بعد أن أمرتنا أن نطرد الطباخ
الأول
- دعه يدخل.. ولينه حديثه سريعا !
كان "النمرود" يناقش أمرا ما بجدية مع مستشاريه.. حتى شعر بوقع خطوات
هادئة.. رفع رأسه لينظر إلى من سيعرف بعد قليل أنه الطباخ الجديد.. لكن عيناه اتسعتا
بوضوح لاحظه كل المستشارين.. فالطباخ الجديد كان شكله يبدو مألوفا
جدا.. عجوز.. أعرج. شبه معدوم الأسنان..
عباءة سوداء ممزقة.. وابتسامة ساخرة زادت منظره بشاعة.
قال العجوز بصوت كالفحيح الساخر :
- أتيت لأقدم لك يا سيدي عينة مما تستطيع
يداي عمله .
وتقدم العجوز مقدما للنمرود طبقا ذهبيا
عليه بعض الطعام المطهو.. قال له "النمرود" بصوت واضح القلق :
- لاداعي للعينات ياهذا.. أنت مرفوض ابتسم
العجوز ابتسامة بانت فيها أسنانه المبعثرة ببشاعة وقال :
- إنني أعتذر منك ياسيدي.. ولتسمح لي أن
أقبل منكبيك احتراما وخضوعا لحضرتك.
تقدم العجوز من "النمرود" بخطوات
خاضعة ذليلة حتى وضع رأسه في الأرض تحت قدميه.. ثم قام ببطء وقبل منكب النمرود الأيمن..
ثم الأيسر.. ثم استأذن وانصرف إلى حال سبيله.
- لماذا رفضته يا سيدي إن طهوه رائع جدًّا
لم يرد "النمرود" عليه.. كان شاردا.. هل يعني "لوسيفر" بهذه الحركة
الاعتذار..
أم أنه يعني شيئا آخر.. قام "النمرود"
من مكانه وتوجه إلى غرفته عند زوجته ومعشوقته "سميراميس" كعادته إذا حزبه
أمر.. فدهاءها يزن جبل دنباوند ذهبا ومثله معه.. وفور أن دخل "النمرود" إلى
غرفته ونظر إلى جمال "سميراميس" وهي تصفف شعرها الذهبي البني الطويل.. حتى
شعر فجأة بألم رهيب في منكبيه يصاحبه انقباض كأن عظامه قد انطبقت على بعضها.. صرخ
"النمرود" وسقط على الأرض.. التفتت إليه "شميرام" وهرعت إليه..
لكنها توقفت مكانها ناظرة إلى الجنون الذي بدأ يحدث أمام عينيها المتسعتين. فمن منكبي
"النمرود" العريضين خرج ثعبانان أسودان بشعان.. يلتفان حول عنقه تارة.. ويزحفان
على منكبيه تارة.. وينزلان بداخل ملابسه تارة أخرى.. ثعبانان يبدو أنه لا ذيل لهما..
كأنهما برزا فجأة من داخل منكبيه.. وشرع الثعبانين يصدران فحيحا مفترسا ويفتحان أنيابهما..
ولم يحدث أي رد فعل سواء من "النمرود" أو من "شميرام".. لأن كليهما
كان قد سقط مغشيًا عليه.. ولم يبق في الغرفة إلا فحيح الثعابين.
.
.
أرسل "لوسيفر" رسالة إلى النمرود كتب فيها:
" أطعم الأفواه الجائعة كل حين.. لأنها
لو لم تجد شيئا تأكله فلن تجد إلا رأسك" ومنذ ذلك الحين والنمرود قد بدأ يتخذ
عادة جديدة.. أصبح يأمر زبانيته كل يوم أن يأتوا له برأسين بشريين.. فقد تعلم أن هاتين
الحيتين لا تأكلان سوى رؤوس البشر.. ويفضل أن تكون رؤوسا صغيرة لأطفال.. لأن الحيتين
ترفضان أحيانًا رؤوس البالغين.. وبدأ زبانيته ينزلون إلى البلاد في كل يوم ليعودا له
برأسين مقطوعين.. ولم يعرف أحد لماذا يصر النمرود على هذا كل يوم.. ولماذا يقتل كل
من يتقاعس في تنفيذ هذا الأمر بالذات.. ولم يدر أحد ماتلك العباءات العجيبة التي صار
"النمرود" يرتديها.. ثم ماهذا الذي يتحرك تحت العباءة.. لم يدر أحد.. ولم
يجرؤ أحد على السؤال. حاول النمرود أن يذبح الحيتين.. وكانا كلما ذبحهما نبتا على كتفيه
في الحال.. أما "سميراميس" فلم تشعر بشيء سوى بالشفقة على حال زوجها معشوقها..
وقد أتت له بالأطباء من الأقاليم كلها.. وكلما رآه طبيب عجز عن استئصال الحيتين.. وكان
كلما رآه طبيب وعرف سره قتله. في الجانب الآخر من المدينة كان هناك رجل حداد يقال له
"كاوي".. تعرف في وجهه بأس شديد وقوة.. وتعرف في وجهه حزنا عميقا.. فقد زاره
زبانية "النمرود" منذ أيام وقطعا رأس ولديه الصغيرين أمام عينيه.. وأخذا
الرأسين وقدماها للنمرود.. كان "كاوي" الحداد مسلما.. متبعا لدين "إبراهيم"..
وقد نزل بين الناس المقهورين المظلومين المقطوعة رؤوس أولادهم وذويهم.. نزل بينهم وأشعل
نار الثورة في قلوبهم.. وتسللت روح الثورة من قرية إلى قرية.. ومن إقليم إلى إقليم..
حتى جمع "كاوي" الحداد تحت رايته خلق كثير يملؤهم الغضب على النمرود.
.
.
وفجأة دخل "كاوي" الحداد إلى برج بابل.. أدخله "النمرود" ظنا منه
أنه مجرد حداد أتى يستعرض ما تقدر يداه أن تصنع..
قال له "كاوي" الحداد بلهجة حازمة
لم يعتدها النمرود :
- يا ملك بابل وآشور وعظيمهما.. أسلم تسلم..
وأتركك على ملكك
قال النمرود:
- وهل من إله غيري يا هذا ؟
قال كاوي :
- الله رب السماوات والأرضين
النمرود:
- أتقول مثلم قول "إبراهيم"؟
النمرود:
- "إبراهيم" نبي الله ونحن بدعوته مؤمنين.. وإنا ندعوك لعبادة الله وحده
لا شريك له.. فإن أبيت قاتلناك
النمرود:
- هل جننتم؟ أنا "زاهاك" عظيم بابل وآشور وملك الأقاليم السبعة.. اجمعوا
جموعكم إلى ثلاثة أيام وأجمع جموعي.. ولأمسحنكم وجموعكم عن وجه الأرض حتى لا يتبين
لكم أحد أثرا.
.
.
وهكذا جمع "كاوي" الحداد جموعه الغاضبة لمدة ثلاثة أيام.. وجمع النمرود جنوده..
ونزل النمرود يقود جنوده بنفسه ونزلت معه زوجته الفارسة "سميراميس".. وكانت
جموع النمرود أضعاف جموع "كاوي" الحداد.. ووقف الجيشين أمام بعضهما. . كان
كاوي وجنوده ينظرون إلى عظمة جيش النمرود وتسليحه وتنظيمه وتجهيزه.. وينظرون إلى أنفسهم
في قلتهم وأسلحتهم المتواضعة.. نظر النمرود و"سميراميس" إلى جيش "كاوي"
الحداد في سخرية.. ثم نظرا إلى بعضهما.. دخل في نفوس جنود النمرود الحماسة لتقطيع ذلك
الجيش الضعيف إربا حتى لا يُبقوا منهم شيء.. لكن عيون جنود الجيشين توجهت فجأة إلى
جهة واحدة ينظرون كلهم إلى شيء ما.. شيء آت من جهة مشرق الشمس.. إن القوة التي بحث
عنها النمرود طويلا ولم يجدها قد قررت أن تريه اليوم من آياتها عجبا.. قوة الله جبار
السماوات والأرض وعظيمهما.. ففجأة وبدون سابق إنذار رأى الجمعين جيشا آخر قادما من
جهة المشرق.. جيش آت من السماء.. جيش ستر من كثرته عين الشمس.. جيش من البعوض. في البداية
لم يفهم أحد من الجيشين شيئًا.. مابال هذا البعوض يسد عين الشمس. وخلال لحظات فقط كان
جيش البعوض قد اقترب حتى دخل في مجال الرؤية.. ضيق النمرود عينيه الوسيمتين ناظرًا
إلى السماء محاوِلًا أن يفهم ماالذي يعنيه هذا.. وتحول البعوض من الطيران الأفقي في
السماء إلى الانقضاض الرأسي.. الانقضاض على جيش النمرود الذي اتسعت عيناه وعيون جنوده
الذين ساد في تنظيمهم الهرج والتحركات العشوائية التي يحاول فيها كل فرد الالتفات والهرب..
لكن ذلك البعوض لم يكن بعوضًا عاديًّا.. كان نوعًا من البعوض لم تعرفه الأرض ولا حتى
في العصر الجوراسي أيام الديناصورات.. نوع متوحش.. انقضَّ على أفراد جيش النمرود الصارخين
الساقطين من على جيادهم والهاربين.. حتى لم يدع في أجسادهم لحمة إلا افترسها.. وافترشت
أجسادهم الأرض على بساط من دمائهم.. أما النمرود وزوجته فقد كانا يحثان جيادهما الراكضة
على الهرب بعيدًا عن تلك المهزلة.. نظر النمرود إلى السماء وقال :
- من أنت ياصاحب القوة ؟
أين أنت ؟
هل أنت شيطان ؟
كان يركض وزوجته ويتبعهما سرب من البعوض..
لكن كان يبدو أن فرسيهما سريعان كفاية للهروب من السرب.. إلا أن بعوضة واحدة قد تمكنت
من اللحاق بالنمرود وفعلت شيئًا غريبًا جدًا؛ فما إن لحقت به حتى دخلت في أحد منخريه..
ففقد النمرود توازنه صارخًا.. وكاد يقع
عن جواده لولا أن أمسكت به "سميراميس" بحركة بارعة جدًا.. ونقلته من فرسه
إلى فرسها.. واستمرت في الركض بجوادها حتى هربت من سرب البعوض تمامًا ودخلت إلى برج
بابل.. وأغقت الأبواب وراءها.
.
.
هُزِم النمرود في هذه المعركة هزيمة مروّعة.. فقد فيها جيشه الذي خرج معه كاملًا..
ولم يبقَ سوى جيش بسيط يحمي برج بابل.. أما جيش "كاوي" فلما رأوا تلك المعجزة
سجدوا جميعًا شكرًا لله.. وأسلم منهم من لم يكن مسلمًا.. ثم رفع "كاوي" الحداد
رايته عاليًا وقاد جيشه متوجّهًا ناحية برج بابل.. حيث قصر النمرود وعرشه. أما النمرود
فقد كانت حالته شديدة البؤس.. البعوضة التي دخلت في منخره باتت في مخه.. وكانت كلما
تحركت يجن جنونه ولا ينقذه إلا أن يضربه جنوده بالنعال على رأسه ووجهه.. وكانت
"سميراميس" تنظر إليه وعيناها تدمعان باكية من قلة حيلتها.. كانت تود لو
تفديه بنفسها.. وتولت مهمة إطعام الثعبانين اللذين على منكبيه في كل يوم حتى لا يجهزا
عليه.. أي شيء هذا الذي وضع النمرود نفسه فيه؛ ثعبانان وبعوضة متوحشة.. كان متمردًا
على قوى لا قِبَل له بها.. ولا قبل لأي أحدٍ بها.. لكنه عنيد ومتمرد. وصلت جيوش
"كاوي".. وبدأت تحاصر برج بابل.. وجيش النمرود الباقي استبسل في الدفاع عن
البرج.. استمر الحصار أربعين يومًا كاملة.. ولم يدرِ أحدٌ ما الذي يحدث داخل البرج..
كانت عينا النمرود حمراوين ووجهه أحمر من الضرب بالنعال.. وفجأة انكسرت بوابات برج
بابل.. ودخل "كاوي" الحداد ووراءه جيشه.. لم يكن شيء ليقف في طريق
"كاوي" الحداد في سعيه.. كان يريد الانتقام لما فعله النمرود في ولديه..
ويبدو أنه قد تم له ما أراد.
.
.
جبل دنباوند.. في ظلمة من الليل كالحة.. كان "كاوي" الحداد يدق أوتادًا حديدية
في الجبل.. والنمرود ملقى على الأرض مقيدًا بقربه.. وصوت فحيح الحيّتين على منكبيه
يصم الآذان.. نظر إليه "كاوي" وقال ساخرًا:
- لم تخبرني أن لديك حيتين على منكبيك يا
"زاهاك".. ربما كنت سأعذرك.
لم يرد "زاهاك" بأي كلمة.. وإنما
كان يصرخ من وراء كمامة وضعها "كاوي" على فمه.. يصرخ من ألم تحرُّك البعوضة
بداخل رأسه.. ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى أنهى "كاوي" عمله الذي كان يعمله في
الجبل.. والتفت إلى النمرود.. وحمله وبدأ يربط حبالًا سميكة في ساعديْ النمرود وقدميه..
ثم بدأ يربط كلا منها في وتدٍ من الأوتاد الأربعة التي ثبتها على الجبل.. حتى صار النمرود
معلّقًا في جبل دنباوند من يديه ورجليه.. والثعبنان السوداوان على منكبيه يتلويان حول
رأسه شاعران بالجوع. فكَّ "كاوي" الحداد كمامة النمرود وقال له :
- بلغ تحياتي إلى صاحب تلك الثعابين.. فهما
من سيحظى بشرف رأسك اليوم ولست أنا. ارتفعت صرخات النمرود بينما يرفع رأسه إلى السماء
وكأنه ينادي على شيء أو يحدِّث أحدًا ما.. أما "كاوي" فقد كان قد جمع عدته
ورحل.. وبقى النمرود وحده يصرخ.. وعلى سفح الجبل.. كان هناك جمعٌ قد اجتمعوا ينظرون
إلى النمرود في صمتٍ مهيبٍ.. جمع من الأطفال ذوي الشعور الطويلة والنظرات الجامدة..
ولم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى تحرك الحوتان والتفا حول رقبته ثم انقضا على رأسه ينهشان فيها
نهشًا متوحشًا دمويًّا.. وظلا ينهشانها وينهشانها حتى خرجت منها بعوضة طارت بعيدًا
إلى حيث ما جاءت.. وطوى التاريخ آخر صفحة في حياة رجل تجبَّر في الأرض حتى فاق كل حد..
وكانت نهايته على مستوى تجبُّره... صفحة الملك النمرود زاهاك ابن كوش ابن كنعان
الآشوري ... انتهى ..
.
.
المصدر :
الرواية التاريخية "انتيخرستوس" للدكتور أحمد خالد مصطفى ..
.
.
وعذراً لتقصيري بطول مدة النشر ولكن لظرفي الصحي وانشغالي تأخرت ولكم التحية .. و
تصبحون على خير ..