"الحجاز بين السلطنة
العثمانية و الدولة السعودية والوضع العام في ذالك الوقت"
.
.
كانت الدولة العثمانية حين قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته، في غاية الخلل والانحلال، واضطراب حبل الأمن في ولاياتها ووهن عناصر القوة فيها: وكان من آثار هذا الوهن: أنها لا تولي - في الغالب- وظائف الدولة، وإمارة الولايات، إلا لمن يدفع الرشوة ثمن ذلك لمن بيده الأمر، وربما يكون الأمر في كثير من الأحيان بيد جهلة المتصوفة أو بعض أشياعهم الخاضعين لنفوذهم. فيكون من أثر هذا أن تسند الأمور إلى غير أهلها، فضلا عما كان عليه كثير منهم من انحلال الأخلاق بانحلال عروة الدين عن نفوسهم، فكان الوالي إذا حل في وظيفته لا همَّ له إلا إشباع نفسه الشرهة، من شهوات وملذات، ومن أموال ودور وعقار، يأخذها غصبا، ويدفع ثمنها لمن يطلبه سياطا على الظهور والجنوب، وكم أصيبت مصر وأهلها بالكثير من هذا الأذى، مما ألجأ المصريين إلى انتخاب محمد على باشا واليا على مصر، لما توسموا فيه من الخير لمصر والعقل والسياسة، والقوة، والحزم، وحب الإصلاح العمران.
.
.
كانت الدولة العثمانية حين قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته، في غاية الخلل والانحلال، واضطراب حبل الأمن في ولاياتها ووهن عناصر القوة فيها: وكان من آثار هذا الوهن: أنها لا تولي - في الغالب- وظائف الدولة، وإمارة الولايات، إلا لمن يدفع الرشوة ثمن ذلك لمن بيده الأمر، وربما يكون الأمر في كثير من الأحيان بيد جهلة المتصوفة أو بعض أشياعهم الخاضعين لنفوذهم. فيكون من أثر هذا أن تسند الأمور إلى غير أهلها، فضلا عما كان عليه كثير منهم من انحلال الأخلاق بانحلال عروة الدين عن نفوسهم، فكان الوالي إذا حل في وظيفته لا همَّ له إلا إشباع نفسه الشرهة، من شهوات وملذات، ومن أموال ودور وعقار، يأخذها غصبا، ويدفع ثمنها لمن يطلبه سياطا على الظهور والجنوب، وكم أصيبت مصر وأهلها بالكثير من هذا الأذى، مما ألجأ المصريين إلى انتخاب محمد على باشا واليا على مصر، لما توسموا فيه من الخير لمصر والعقل والسياسة، والقوة، والحزم، وحب الإصلاح العمران.
فقامت
الدولة وقعدت، وأرغت وأزبدت، فلم يعبأ محمد على بها، ولم يعرها المصريون اهتماما، وتمنوا
لو أنهم تخلصوا مرة واحدة من هذه التبعية التي طالما جرت على مصر الدمار والخراب, وأخذ
محمد على باشا سبيله في إصلاح مصر، وتنظيم جيشها، واستثمار أراضيها وخيراتها، وإعدادها
لتكون دولة عظيمة كشأنها في الأعصر الماضية.
وواتاه
الحظ، بما وجد في نفوس المصريين من التعطش لما يدعو إليه بعد ما احترقت قلوبهم, وسار
محمد على باشا في سبيله بجد ونشاط لا يعرفان الكلل ولا السآمة، وقضى على كل مخلفات
ولاة الأتراك من الرشوة، والاغتصاب والظلم وانتهاك الحرمات، فسارت مصر إلى الرقي المادي
بخطى واسعة حتى تبوأت مكانة، خافتها الدولة العثمانية وخشيت من تقدم الوالى العظيم
محمد على المطرد في سبيل المجد والعظمة.
.
.
.
.
وكان
الحجاز أشقى من مصر، وأتعس حظا، إذ كانت الدولة تعتبره منفى لكل وال، أو موظف، أو ضابط،
اشتهر من أعماله وأخلاقه ما يضج منه العباد والبلاد، فأين تذهب به؟ وأي البلاد ترميها
بهذا الأثيم؟ الحجاز المسكين، البلاد المقدسة التي جعلها الله مثابة للناس وأمنا. فإذا
ما حط رحله في الحجاز، وهو يعتقد أنه جيء به إلى المنفى للانتقام منه- أخذ يأتي من
أنواع فساده وضروب شره، ما كان من نتائجه: الذي تسامع به الناس كلهم: أن مكة منتشر
فيها الأمراض السرية: من السيلان والزهري وغيرها من ثمرات الفسق والفاحشة، مما أمسك
قلمي ولساني عن الخوض فيه. وكان فيها من أنوع التهتك في الملاهي والخمور ما يدهش الإنسان
عند ما يسمع حكايته ممن شهدوه في عهد الأتراك من كبار الأسنان.
وكان
هذا شأن ولاة الأتراك في الحجاز إلا القليل النادر جدا من بعض الولاة الصالحين الذين
يعدهم الحجازيون على أصابع يد واحدة أو أكثر بقليل. وإلى جانب هؤلاء الولاة المفسدين
من الأتراك يأتي الأشراف الذين كان أكثرهم مُنشأ في الآستانة "إسلامبول"،
أو ما شابهها في المدنية، والذين كان أكثرهم لا يحسن إلا التعاظم بالأنساب، والتفاخر
بالآباء والأجداد، وينظرون إلى الناس كأنهم جميعا عبيد لهم، وكل ما ملكت أيديهم فهو
حق للشريف يأخذ منه ما يشاء فكم كان لهؤلاء أيضا من أذى وفساد ونهب واغتصاب للأموال
والأعراض، وانتهاك للحرمات، إلا من شاء الله من القليل الذي كان يخاف الله ويتقيه.
كان
هذا في الحجاز سببا عظيما مهد الله به للسعوديين الموحدين العادلين في دخول الحجاز
سنة 1218، كما مهدَّ أيضا لهم ظلم الحسين بن على، واستبداده وغطرسته وجهله في إدارة
الشئون. في دخولهم إياه سنة 1343.
.
.
و كتب الإمام سعود (بن عبد العزيز ثاني أئمة الدولة السعودية وثالث حكامها ) بعد دخوله مكة إلى السلطان سليم العثماني الكتاب الآتي: "من سعود إلى سليم. أما بعد فقد دخلت مكة في الرابع من المحرم سنة 1218، وأمنت أهلها على أرواحهم وأموالهم، بعد أن هدمت ما هناك من أشباه الوثنية. وألغيت الضرائب، إلا ما كان منها حقا. وثبت القاضي الذي وليته أنت طبقا للشرع. فعليك أن تمنع، والي دمشق ووالى القاهرة من المجئ، بالمحمل والطبول والزمور إلي هذا البلد المقدس. فإن ذلك ليس من الدين في شيء. وعليك رحمة الله وبركاته".
.
و كتب الإمام سعود (بن عبد العزيز ثاني أئمة الدولة السعودية وثالث حكامها ) بعد دخوله مكة إلى السلطان سليم العثماني الكتاب الآتي: "من سعود إلى سليم. أما بعد فقد دخلت مكة في الرابع من المحرم سنة 1218، وأمنت أهلها على أرواحهم وأموالهم، بعد أن هدمت ما هناك من أشباه الوثنية. وألغيت الضرائب، إلا ما كان منها حقا. وثبت القاضي الذي وليته أنت طبقا للشرع. فعليك أن تمنع، والي دمشق ووالى القاهرة من المجئ، بالمحمل والطبول والزمور إلي هذا البلد المقدس. فإن ذلك ليس من الدين في شيء. وعليك رحمة الله وبركاته".
ويقول
المؤرخ النجدي ابن بشر رحمه الله "شهدت سعودا، وهو راكب مطيته محرما بالحج ونحن
مجتمعون في نمرة لصلاة الظهر والعصر خطب قوق ظهرها خطبة بليغة وعظ الناس فيها وعلمهم
المناسك، وذكر مما أنعم الله عليهم من الاعتصام بكلمة لا إله إلا الله، وما أعطى الله
في ضمنها من الاجتماع بعد التفرق، وأمان السبل، وكثرة الأموال، وانقياد عصاة الرجال،
وأن أضعف ضعيف يأخذ حقه كاملا من أكبر كبير من مشايخ البوادي، أو عظم عظيم من رؤساء
البلدان. ونادى وهو على ظهرها: لا يحمل في مكة سلاح، ولا تتبرج امرأة بزينة. وتوعد
من فعل ذلك من جميع رعيته. وجعل في الأسواق وقت الصلاة رجالا يحضون الناس عليها فلا
تجد فيها وقت الصلاة متخلفا إلا نادرا. ولا تجد في الأسواق من يشرب التنباك ولا غيره
من المحظورات إلا مالا يرى ظاهرا".
هذا
هو دستور آل سعود في حكمهم الأول للحجاز، وهو دستورهم أيضا في حكمهم الثاني، لم يتغير
فإذا ما قارنا بين ولاية الأتراك والأشراف وبين ولاية السعوديين لظهر لنا ما كانت تجره
الأولى وراءها من مظالم، وأكل لأموال الناس بالباطل وانتهاك لحرمات الأعراض، وما يتبع
ذلك من تمرد العريان وانتشار قطاع الطرق في كل مكان. وقسوة بالغة في معاملة الحجاج
واستهانة بأرواحهم ودمائهم. دع عنك شيوع الجاهلية، وعقائد الوثنية، وإضاعة الصلاة،
ومنع الزكاة، وتعدى الحدود، وغير ذلك. مما قضى على كل البلاد بالدمار والخراب، ثم كان
من ثمرته أن قضى أخيرا على الدولة نفسها.
أين
هذا من حكم السعوديين وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وإقامتهم لحدود الله بلا تهادن
ولاتراخ، ونشرهم نور الله وبثهم المعارف في كل مكان يحلون فيه، حتى البادية، وإيقاف
كل واحد عند حده لا يتعدى على غيره في مال ولا نفس ولا عرض، والضرب على أيدي المفسدين
بعصا الإسلام الرادعة الزاجرة، حتى أصبح الحجاز مضرب المثل في الأمن. والاستقامة على
صراط الله القويم، ودبت فيه روح الحياة القوية بنشر العلوم والمعارف، وأخذ أهله في
ظل هذا الاطمئنان يفكرون في الأعمال المثمرة، من صناعات وغيرها .
.
.
حكي الأستاذ أمين الريحاني عن "بركهارت السويسري" الذي دخل مكة يوم كان الأمير محمد على باشا بها سنة 1230 أنه قال "ما شعرت في مكان آخر بمثل الطمأنينة التي كنت أشعر بها وأنافي مكة"ولكنه لم يجهل أو يتجاهل ما اشتهر به المكيون والترك يومئذ من قبيح العادات والتقاليد، فذكرها في كتابه كلها وقد قال في كلامه عن الوهابيين "إنهم حقا جاءوا يطهرون الحجاز" ثم قال "وما الوهابية إذا جئنا نصفها: غير الإسلام في طهارته الأولى، وإذا ما جئنا نبين الفرق بين الوهابيين وبين الترك مثلا، فما لنا إلا أن نعد الخبائث التي اشتهر هؤلاء الترك بها".
.
حكي الأستاذ أمين الريحاني عن "بركهارت السويسري" الذي دخل مكة يوم كان الأمير محمد على باشا بها سنة 1230 أنه قال "ما شعرت في مكان آخر بمثل الطمأنينة التي كنت أشعر بها وأنافي مكة"ولكنه لم يجهل أو يتجاهل ما اشتهر به المكيون والترك يومئذ من قبيح العادات والتقاليد، فذكرها في كتابه كلها وقد قال في كلامه عن الوهابيين "إنهم حقا جاءوا يطهرون الحجاز" ثم قال "وما الوهابية إذا جئنا نصفها: غير الإسلام في طهارته الأولى، وإذا ما جئنا نبين الفرق بين الوهابيين وبين الترك مثلا، فما لنا إلا أن نعد الخبائث التي اشتهر هؤلاء الترك بها".
و جاء
الوهابيون يطهرون الحجاز، نعم، إنهم طهروه مما كان قد لوثه به ولاة الأتراك المنفيون
إليه، ولكن شاء الله أن لا يطول عهد السعوديين في المرة الأولى في الحجاز، فخرجوا منه
في سنة1228. وكان عليهم من الكائنات، والأحداث ما عزاه كثير من علمائهم، ومنهم ابن
بشر:- إلى افتتانهم بالدنيا حين اتسعت عليهم. ودرت عليهم المال الكثير؛ وتراخيهم في
تعليم الرعية الدين الصحيح، من القرآن والسنة، وانشغالهم عن ذلك بما فتنوا به، وحين
اختلطوا بالحواضر وامتزجوا بأهل المدن، فسرى إليهم من عدواهم. فانتقم الله منهم لذلك
بما صار عليهم من الدمار والنكال. ونسأل الله لنا ولهم العافية من ذلك.
.
.
المصدر :
أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب وغيرها لـ محمد حامد الفقى .
.
.
المصدر :
أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب وغيرها لـ محمد حامد الفقى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق