"السُّلْطَانُ المُبجّل بَرَكَةُ خان بن تولى بن چنكيز خان التتاري المغولي رحمه الله"
من هو؟!
اولاً سرد مُختصر لتاريخ المغول و من اسلم منهم و من بقي، بسم الله :
.
.
و مسألة تأثر التتار واعتناق بعضهم الإسلام تحتاج إلى تفصيل، لأن بعض التتار- من أبناء عم هولاكو- دخلوا في الإسلام قبل معركة عين جالوت ولذلك يمكن توضيح هذا الأمر كما يلي:
أ- قسم جنكزخان مملكته بين أولاده، فكان من نصيب أحدهم وهو جوشى أكبر أبنائه؛ البلاد الواقعة بين نهر أرتش والسواحل الجنوبية لبحر قزوين، وكانت تلك البلاد تسمى القبشان، ويطلق عليها اسم القبيلة الذهبية- نسبة إلى خيام معسكراتها ذات اللون الذهبي- فلما مات جوشى خلفه أحد أولاده الذي تلقب بخان القبائل الذهبية ثم تولى بعده ولده، ثم تولى بعده بركة خان سنة 654 هـ ، وكان بركة هذا مسلما لذلك عمل على نشر الاسلام بين قبيلته وأتباعه، وأظهر شعائر الإسلام واتخذ المدارس وأكرم الفقهاء وكان يميل إلى المسلمين ميلا شديدا. وقد بدا هذا في ظاهرتين:
أولاهما: محاربته لابن عمه هولاكو، خاصة بعد استيلائه على بغداد وقتله للخليفة، وقد ظهرت بينهما خصومات ومعارك. وقد أقلق موقفه وإسلامه الطاغية هولاكو الذي اتجه إلى محالفة المسيحين ضد بركة وحلفائه.
ثانيهما: دخوله ومن جاء بعده في حلف سلاطين المماليك، الظاهر بيبرس، والناصر قلاوون وغيرهما، وقد توطدت العلاقة بين هاتين الدولتين، خاصة بعد المصاهرة التي تمت بينهم، وتبادل الرسل والهدايا، ومواجهتهم لعدو مشترك هم التتار الكفار .
.
.
2- أما دولة المغول الكبرى في إيران وما جاورها والتي منها انطلقت جحافلهم لغزو العراق والشام فقد حدث في عام 680 هـ أن أسلم أحد أولاد هولاكو وهو السلطان تكودار بن هولاكو الذي تسمى بعد إسلامه باسم أحمد، فصار اسمه: أحمد بن هولاكو، وقد أعلن إسلامه في منشور أصدره لما جلس على العرش ووجهه إلى أهل بغداد، كما أرسل رسالة إلى السلطان المنصور قلاوون يعلن اهتداءه إلى الإسلام، ويدعو إلى المصالحة ونبذ الحرب، ولم يتخل- كما هو واضح من رسالته هذهـ عن افتخاره واستعلائه على سلطان المماليك، وقد رد عليه السلطان قلاوون، ثم تبودلت الرسائل بينهم، ولكن لم تكن العلاقات بينهم جيدة كما يظهر من صيغة الرسائل المتبادلة. ومما يجدر ذكره أن السلطان أحمد دخل لوحده في الإسلام، ولم يستطع أن يفرضه على أتباعه ولا على أمراء المغول من حوله، فصار دخوله في الإسلام فرديا، وهذا ما يفسر سرعة القضاء عليه وقتله من جانب منافسيه من أمراء المغول الذين تآمروا عليه فقتلوه سنة 683 هـ .
.
.
في سنة 693 هـ تولى محمود قازان عرش المغول، ثم في سنة 694هـ دخل في الإسلام، يقول الذهبي عن هذه السنة: " وفيها دخل ملك التتار غازان ابن أرغون في الإسلام وتلفظ بالشهادتين بإشارة نائبه نوروز، ونشر الذهب واللؤلؤ على رأسه، وكان يوما مشهودا، ثم لقنه نوروز شيئا من القرآن، ودخل رمضان فصامه، وفشا الإسلام في التتار " ، وقد أعلن غازان الإسلام دينا رسميا للدولة المغولية في إيران، كما غير المغول زيهم فلبسوا العمامة، كما أمر بتدمير الكنائس المسيحية والمعابد اليهودية، والأصنام البوذية، كما أمر أهل الذمة بأن يتميزوا بلباس خاص بهم. وهكذا اختلف إسلام قازان عن إسلام السلطان أحمد بأن إسلامه لم يكن فرديا وإنما حوله إلى دين رسمي للدولة.
لكن هذه الصورة التي قد تبدو جميلة سرعان ما تتغير حين يتابع المرء الأحداث التي تمت في عهد هذا السلطان، فقد هاجم وجيشه الشام مرات ودارت بينهم وبين أله الشام - ومعه سلاطين مصر- معارك كبيرة، وانتصر المغول في أولاها وهزموا فيما تلاها، وقد عاث الجيش التتري فسادا في الأرض وفعلوا - كما قال ابن تيمية لقازان نفسه لما التقى بهـ ما لم يفعله أسلافه من حكام التتار الوثنيين. وقد بقيت الأمور على هذه الحال إلى ما بعد وفاة غازان سنة703هـ .
وقد كان التتار يقدسون دستورهم الذي وضعه لهم جنكيز خان، وكان يسمى إلياسا أو اليساق وكانوا يتحاكمون إليه - وسيأتي عرض هذا الموضوع إن شاء الله - وبعد إسلامهم لم يتركوا التحاكم إلى هذا الدستور، فأوقع إسلامهم ونطقهم بالشهادتين شبهة لدى كثير من الناس - وفيهم بعض العلماء - حول جواز قتالهم وهم على هذه الحال. وقد حسم ذلك ابن تيمية - كما سيأتي.
.
.
بعد وفاة قازان تولى من بعده أخوه أولجاتيو، خدابنده، وصار اسمه محمد بن أرغون، وقد تولى عرش المغول سنة 703 هـ إلى سنة 716 هـ، وقد بدأ عهده بتحسين العلاقة مع سلطان المماليك، فأرسل إليه هدية وكتابا خاطب فيه السلطان بالأخوة " وسأله إخماد الفتن، وطلب الصلح، وقال في آخر كلامه: عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه، فأجيب، وجهزت له الهدية، وأكرم رسوله " .
ولكن لم يكد يمضي سنة من توليه سلطة المغول حتى حدث تحول خطير عند محمد بن أرغون هذا، فقد اعتنق مذهب الشيعة، وعمل على نشره في الجهات الغربية من دولته حتى إنه غير الخطة وأسقط اسم الخلفاء سوى علي - رضي الله عنهـ، وأظهر عداءه للمماليك السنيين، وطلب من النصارى أن يساعدوه ضدهم، ثم هاجم الشام سنة 712 هـ .
ومما ينبغي ملاحظته أن تشيع هذا السلطان كان بتأثير من أحد كبار الرافضة وهو ابن المطهر الحلي الذي صارت له منزلة كبيرة في عهده، وقد أقطعه عدة بلاد ، ولعل نفوذ وشهرة هذا الرافضي- وهو صاحب كتاب منهاج الكرامة- دعا ابن تيمية-رحمه الله- إلى إفراد الرد على كتابه هذا بكتابه العظيم: " منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ".
وقد استمر سلطان المغول على تشيعه حتى مات، ثم تولى ابنه أبو سعيد- وهو صغير- الذي لعب كثير ممن حوله به، ثم لما كبر مال إلى العدل وإقامة السنة وإعادة الخطبة بالترضي عن الشيخين ثم عثمان ثم علي- وفرح الناس بذلك .
هذه خلاصة تاريخ المغول، وما يتعلق منه بأحوال العصر الذي عاش فيه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد كانت له جهود عظيمة في صد هذا الخطر الزاحف، كما كانت له مواقف عظيمة منهم. [ 1 ]
.
.
"الصراع بين هولاكوا و بركة خان"
.
.
وصلت الأخبار إلى هولاكو بوفاة أخيه الأكبر منكو خان وتنازع أخوية الآخرين "قوبيلاي" "واريق بوقا" على ولاية عرش المغول فوجد نفسه مضطراً إلى العودة إلى مقره الرئيسي مدينة مراغة ليكون قريباً من مجرى الحوادث في منغوليا، ليسهل عليه التحرك إلى منغوليا إذا دعته الحاجة إلى ذلك، وبالرغم من أن هولاكو هو الابن الرابع لتولوي خان من حقه أن ينافس أخويه في تولي ذلك المنصب، غير أنه لم يولي ذلك المنصب اهتماماً، ولعل ذلك راجع إلى ما تهيأ له من النجاح والظفر في ايران والعراق والشام ، فضلاً عن خوفه من ازدياد هوة الخلاف وتعقيد الأمور ولكنه في الوقت نفسه كان يرى أن أخاه قوبيلاي أجدر بتولي العرش من أخيه الآخر ارقيق بوقا وحرص على أن يحضر الانتخابات ليزكي ترشيح أخاه قوبيلاي خاناً أعظم للمغول ومن ناحية أخرى لاننسى ما كان من ازدياد العلاقات سوءا بين هولاكو وابناء عمومته خانات القبيلة الذهبية "القبجاق"،
الذين باتوا يهددون ممتلكاته ـ وهذا صرفه عن مدّ الامدادات اللازمة للمغول في بلاد الشام، وكذلك لم يستطع قيادة جيش كبير للانتقام من هزيمة معركة عن جالوت ورد الاعتبار والهيبة للمغول ـ إذ أن بركة خان زعيم القبيلة الذهبية كان يميل إلى المسلمين في الوقت الذي كان هولاكو وحاشيته يعملون جاهدين على ارضاء المسيحيين واستمالتهم إليهم وتطور الأمر ببركة إلى أن اعتنق الدين الإسلامي، وتعرض هولاكو للتقريع والتأنيب من قبله وصار بركة يتهدده بالانتقام منه بسبب ما اقترفه من مذابح راح ضحيتها ألوف من المسلمين، وما أنزل بهم من دمار وخراب، فضلاً عما تعرض له الخليفة العباسي من الهوان وتجرئه على قتله، لذلك كثيراً ما وقع الاحتكاك بينهما عند جبال القوقاز التي تفصل بين نفوذهما، بل ذهب بركة خان إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث قام باضهاد القبائل المسيحية التي كانت تسكن تلك المناطق وذلك رداً على ما سلكه هولاكو من سياسية تعسفية تجاه المسلمين بقصد اذلالهم، ويبدو أن هولاكو أراد أيضاً حداً لتصرفات التهكم والانتقام التي مارسها بركة ضده، فحاول أن يفرض سلطانه على الجانب الشمالي لجبال القوقاز، ولكن بركة أعد لذلك الأمر عدته، واستطاعت جيوشه أن تنزل بجيوش هولاكو هزيمة ساحقة وهناك أسباب أخرى ذكرت في دفع هولاكو للعودة إلى عاصمته بالمشرق فإن الذي يهمنا قوله هو أن ذلك الحدث المفاجيء كان تحولاً خطيراً، غير مجرى سياسة المغول التوسعية التي جعلت هولاكو لم يعد إلى فارس بمفرده، بل عاد ومعه جموع من عساكره، وهذا مما ساهم في تحقيق النصر في معركة عين جالوت. [ 2 ]
.
.
"بعض اخبار بركة خان"
ذُكر في احداث سنة (سُنَّةُ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ) :
وَفِيهَا قَدِمَتْ رُسُلُ بَرَكَةَ خَانَ إِلَى الظَّاهِرِ يَقُولُ لَهُ: قَدْ عَلِمْتَ مَحَبَّتِي لِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَعَلِمْتَ مَا فَعَلَ هُولَاكُو بِالْمُسْلِمِينَ، فَارْكَبْ أَنْتَ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَآتِيهِ أَنَا مِنْ نَاحِيَةٍ حَتَّى نَصْطَلِمَهُ أَوْ نُخْرِجَهُ مِنَ الْبِلَادِ، وَأَيًّا مَا كَانَ أَعْطَيْتُكَ جَمِيعَ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنَ الْبِلَادِ. فَاسْتَصْوَبَ الظَّاهِرُ هَذَا الرَّأْيَ، وَشَكَرَهُ وَخَلَعَ عَلَى رُسُلِهِ وَأَكْرَمَهُمْ.
وَفِيهَا الْتَقَى بَرَكَةُ قَانَ وَهُولَاوُو وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ جُيُوشٌ كَثِيرَةٌ، فَاقْتَتَلُوا فَهُزِمَ هُولَاكُو هَزِيمَةً فَظِيعَةً، وَقُتِلَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَغَرِقَ أَكْثَرُ مَنْ بَقِيَ، وَهَرَبَ هُوَ فِي شِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَلَمَّا نَظَرَ بَرَكَةُ خَانَ إِلَى كَثْرَةِ الْقَتْلَى قَالَ: يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ يَقْتُلَ الْمَغُولُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَكِنْ كَيْفَ الْحِيلَةُ فِيمَنْ غَيَّرَ سُنَّةَ جِنْكِزْخَانَ؟ ! ثُمَّ أَغَارَ بَرَكَةُ خَانَ عَلَى بِلَادِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَصَانَعَهُ صَاحِبُهَا، وَأَرْسَلَ الظَّاهِرُ هَدَايَا عَظِيمَةً إِلَى بَرَكَةَ وَتُحَفًا كَثِيرَةً هَائِلَةً. [ 3 ]
,
,
ونتم اخباره في احداث سنة (ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ) :
وَفِيهَا جَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ سُلْطَانَ التَّتَارِ هُولَاكُو هَلَكَ إِلَى لَعْنَةِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ فِي سَابِعِ رَبِيعٍ الْآخِرِ بِمَرَضِ الصَّرَعِ بِمَدِينَةِ مَرَاغَةَ، وَدُفِنَ بِقَلْعَةِ تَلَا، وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ قُبَّةٌ وَاجْتَمَعْتِ التَّتَارُ عَلَى وَلَدِهِ أَبْغَا، فَقَصَدَهُ الْمَلِكُ بَرَكَةُ خَانَ، فَكَسَرَهُ وَفَرَّقَ جُمُوعَهُ، فَفَرِحَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَعَزَمَ عَلَى جَمْعِ الْعَسَاكِرِ لِيَأْخُذَ بِلَادَ الْعِرَاقِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ لِتَفَرُّقِ الْعَسَاكِرِ فِي الْإِقْطَاعَاتِ.
وَفِيهَا فِي ثَانِي عَشَرَ شَوَّالٍ سَلْطَنَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ وَلَدَهُ الْمَلِكَ السَّعِيدَ مُحَمَّدَ بَرَكَةَ قَانَ، وَأَخَذَ لَهُ الْبَيْعَةَ مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَأَرْكَبَهُ وَمَشَى الْأُمَرَاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَحَمَلَ وَالِدُهُ الْغَاشِيَةَ بِنَفْسِهِ، وَالْأَمِيرُ بَدْرُ الدِّينِ بِيَسْرِي الشَّمْسِيُّ حَامِلٌ الْجِتَرَ، وَالْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ ابْنُ بِنْتِ الْأَعَزِّ وَالْوَزِيرُ بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ حِنَّا رَاكِبَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَعْيَانُ الْأُمَرَاءِ رُكْبَانٌ وَبَقِيَّتُهُمْ مُشَاةٌ حَتَّى شَقُّوا الْقَاهِرَةَ وَهُمْ كَذَلِكَ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.
وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ خَتَنَ السُّلْطَانُ وَلَدَهُ الْمَلِكَ السَّعِيدَ الْمَذْكُورَ، وَخَتَنَ مَعَهُ جَمَاعَةً مِنْ أَوْلَادِ الْأُمَرَاءِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا. [ 4 ]
.
.
ولما تشرف بركة خان بخلعة الإسلام، ورفع في أطراف الدشت للدين الحنيفي الأعلام، استدعى العلماء من الأطراف، والمشايخ من الآفاق والأكناف، ليوقفوا الناس على معالم دينهم، ويبصروهم طرائق توحيدهم ويقينهم، وبذل في ذلك الرغبات، وأفاض على الوافدين منهم بحار الهبات، وأقام حرمة العلم والعلماء وعظم شعائر الله تعالى وشرائع الأنبياء، فكان عنده في ذلك الزمان وعند أوزبك بعده وجاني بك خان مولانا قطب الدين العلامة الرازي، والشيخ سعد الدين التفتازاني، والسيد جلال الدين شارح الحاجبية، وغيرهم من فضلاء الحنفية والشافعية، ثم من بعدهم مولانا حافظ الدين البزازي، ومولانا أحمد الجندي، رحمهم الله تعالى فصارت سراي بواسطة هؤلاء السادات مجمع العلم ومعدن السعادات واجتمع فيها من العلماء والفضلاء، والأدباء والظرفاء والنبلاء، ومن كل صاحب فضيلة، وخصلة نبيلة جميلة، في مدة قليلة، ما لم يجتمع في سواها، ولا في جامع مصر ولا في قراها وبين بنيان سراي وخراب ما بها من الأمكنة، ثلاث وستون سنة، وكانت من أعظم المدن وضعاً، وأكثرها للخلق جمعا حكى أن رجلاً من أعيانها هرب له رقيق، وسكن في مكان منحى عن الطريق، وفتح له حانوتاً، يتسبب فيه ويحصل له قوتاً، واستمر ذلك المهين، نحواً من عشر سنين، لم يصادفه فيها مولاه، ولا اجتمع به ولا رآه، وذلك لعظمها وكثرة أممها، وهي على شط نهر متشعب من نهر آثل، الذي أجمع السواحون والمؤرخون وقطاع المناهل، أنه لم يكن في الأنهر الجارية، والمياه العذبة النامية، أكبر منه، وهو يأتي من بلاد الروس، وليس له فائدة سوى اغتيال النفوس، ويصب في بحر القلزم، وكذلك جيحون وسائر أنهار العجم ونهر سيحون، مع أن بحر القلزم محصور، وعليه بعض ممالك العجم تدور، مثل كيلان ومازندران، وأستراباذ وشروان، واسم نهر سراي سنكلا، ولا يقطع أيضاً إلا بالمراكب، ولا يثبت عليه قدم لراجل أو راكب، وكم فرق تتفرق من ذلك البحر العريض الطويل، كل فرق أعظم من الفرات والنيل .[ 5 ]
.
.
وفاة بركة خان يرحمه الله :
.
.
فيها توفّى بركة خان بن توشى بن چنكز خان ملك التّتار، هو ابن عمّ هولاكو المقدّم ذكره، وكانت مملكته عظيمة متّسعة جدّا وهى بعيدة عن بلادنا وله عساكر وافرة العدد، وكان بركة هذا يميل إلى المسلمين ميلا زائدا ويعظّم أهل العلم ويقصد الصلحاء ويتبرّك بهم. ووقع بينه وبين ابن عمّه هولاكو، وقاتله بسبب قتله للخليفة المستعصم بالله وغيره من المسلمين؛ وكان بينه وبين الملك الظاهر مودّة ويعظّم رسله، وكان قد أسلم هو وكثير من جنده وبنى المساجد وأقيمت الجمعة ببلاده، وكان جوادا عادلا شجاعا، ومات ببلاده فى هذه السنة وهو فى عشر الستين، وقام مقامه منكوتمر.[ 6 ]
.
.
ويذكر ابن كثير وفاته في هذه السنة فيقصول عنه وَهُوَ ابْنُ عَمِّ هُولَاكُو، وَقَدْ أَسْلَمَ بَرَكَةُ خَانَ هَذَا، وَكَانَ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ وَالصَّالِحِينَ وَمِنْ أكبر حسناته كسره لهولاكو وتفريق جُنُودَهُ، وَكَانَ يُنَاصِحُ الْمَلِكَ الظَّاهِرَ وَيُعَظِّمُهُ وَيُكْرِمُ رُسُلَهُ إِلَيْهِ، وَيُطْلِقُ لَهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا، وَقَدْ قَامَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِهِ وهو منكوتمر بن طغان بن بابو بن تولى بن جنكيزخان، وَكَانَ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَمِنْوَالِهِ وللَّه الْحَمْدُ.[ 7 ]
.
.
-----------------
المصادر :
[ 1 ] موقف ابن تيمية من الأشاعرة
تأليف: عبد الرحمن بن صالح بن صالح المحمود.
[ 2 ] السلطان سيف الدين قطز ومعركة عين جالوت في عهد المماليك الدكتور علي محمد محمد الصَّلاَّبِّي..
[ 3 ] البداية و النهاية ابن كثير رحمه الله..
[ 4 ] المصدر السابق..
[ 5 ] عجائب المقدور في أخبار تيمور
أبو محمد أحمد بن محمد، المعروف بابن عربشاه (المتوفى: 854هـ) .
[ 6 ] النجوم الزاهرة في ملوك مصر و القاهرة يوسف بن تغري بردي.
[ 7] البداية و النهاية ابن كثير..
.
.
مع التحية المَسّعُودْ هُمَٰيُونْ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق