الأحد، 8 نوفمبر 2015

"موقف المملكة العربية السعودية 
من قضية الإحتلال الفرنسي للجزائر"
.
.
فهل تعلمنا هذا من مدارسنا ؟!
وهل عرفنا هذا من كتب التاريخ ؟!
للأسف لا !
إلا ما أبقاه الله شهادة مُدويَة مظهرة لفضائل المملكة ودورها الاساسى فحمداً لله .
.
.
و بداية في المقصود :
كانت المملكة السعودية بملوكها , بدءاً من الملك عبد العزيز و مرورا بالملك سعود و انتهاء بالملك فيصل رجال هذه المحنة حيث أصبحت قضية الجزائر قضية عالمية دولية وخرجت عن كونها قضية متمردين على الدولة الفرنسية !!! 
وسبب ذلك أن الدولة الفرنسية كانت تفهم العالم أن قضية الجزائر قضية داخلية خاصة بالدولة الفرنسية , فكانت السعودية أول من تكلم بالقضية الجزائرية، قال الأستاذ جميل إبراهيم الحجيلان الأمين السابق لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، في محاضرة عنوانها "الدور القيادي للملك فيصل في العالم العربي": 
.
.
( وعندما انتفض الشّعب الجّزائري انتفاضته الكبرى في مطلع شهر نوفمبر عام 1954م (1374هـ) بادرت المملكة العربية السعودية بعد شهرين فقط من انطلاق هذه الثورة؛ لتجعل من هذه القضية قضية دولية، لا يمكن للعالم أن يغمض عينيه عنها. وانطلق فيصل يستجمع القوى والأنصار في المحافل الدولية فحوّلها إلى قضية من قضايا مجلس الأمن، ثم انتقل بها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبنتها واحتضنتها، وتحوّلت ثورة الجزائر في العالم، من تمرد يقوم به العصاة على النظام - كما طاب لفرنسا أن تقول - إلى قضية شعب مستعمر مقهور يطالب بحريته وكرامته ) 
.
.
و أكد ذلك أحمد طالب الإبراهيمي - نجل الشيخ الإبراهيمي - بقوله :
( من جانبي أكدّت له - أي الملك فيصل يرحمه الله تعالى - أنّنا في الجزائر لا ننسى أنّ الأمير فيصل بن عبدالعزيز أوّل من طالب بتسجيل القضية الجزائريّة في مجلس الأمن برسالة مؤرخة في 5/1/1955م (12/5/1374هـ) )... 
.
.
وقال توفيق المدني الكاتب المعروف و رئيس الوفد الجزائري في وقت الإحتلال و هو يخاطب الملك سعود - رحمه الله - :
( وإننا لا ننسى ولا تنسى الجزائر المجاهدة أبدا، في حاضرها ومستقبلها، أن يد جلالتكم الكريمة كانت أول يد امتدت إليها بالمساعدة المالية أولا، وباحتضان قضيتها ثانيًا أمام هيئة الأمم المتحدة، )
- ولا يفهم من هذا نفي وقوف الدول العربية الأخرى بجانب الجزائر لكن موقف السعودية موقف خاص مع أختها أيضا الدولة المصرية 
- فقد قال حسين ملك الأردن في وقته وهو يتكلم مع توفيق المدنيإنكم تعتمدون على ركنين أساسين،هما مصروالسعودية،ومن بعدهما سوريا والعراق،فاعتقدوا أنكم ما ازددتم جهادا،إلا ازدادت الإعانات تدفقا )
و لا أدلَ على ذلك من قول توفيق المدني حاكيا هذه الحقيقة في " مذكراته " :
( "قصدنا [وفد جبهة التحرير] الرياض، كان الاستقبال حارّا، وكانت الضيافة - لولا آلام قومنا المبرحة - ممتعة، وقابلنا الملك سعود بن عبدالعزيز مقابلة حارة، واستمع إلى كلامي في تفهــم عميــق، وقــال: أبشـــروا، سيــكون لــكم بحـــول الله مــا تطمئـن إليــه قلوبــكم، إني أكلِّف بكـم وزيــر المالية، الشيخ محمد سرور الصبان، وإنني أدرس معه كل الإمكانيات، فكونوا على ثقة من أننا نعمل ما يوجبه الله والضمير، كان ذلك يوم 11 ديسمبر 1957م (19/5/1377هـ)" )
.
.
- قال الشيخ الصبَان - رحمه الله - وزير المالية السعودي سابقا : 
("الملك قرر أن يفتح الاكتتاب بمبلغ مئة مليون فرنك على أن يكون نصيب الحكومة 250 مليون وهو يضمنها ـ أن يكون الدفع لكم رأسا [يقصد وفد الجبهة] حسبما طلبتم يُوضع في حسابكم بدمشق ـ مهما أردتم سلاحا أو مالا، أو مسعى سياسيا، فاتصلوا بالملك رأسا بواسطة رسالة أو رسول وهو موجود لتحقيق ذلك، حسب الجهد والطاقة ) 
- قال الملك سعود رحمه الله لتوفيق المدني بعدما دفع له مليار فرنك فرنس تدعيما للقضية الجزائرية قال  (أنتم تدفعون ضريبة الدم، ونحن ندفع ضريبة المال، والله يوفقنا جميعا )
ولا نفوت هنا التنبيه على أن المملكة قطعت العلاقات مع الدولة الفرنسية حيث يقول الملك سعود رحمه الله  أن المملكة العربية السعودية لن تعيد علاقتها الدبلوماسية مع فرنسا إلا بعد استقلال الجزائر، وأكد أنه سيبقى دائما السند المتين للثورة الجزائرية ) في خطاب في الإذاعة ألقاه 
وينضاف إلى هذا كله أن المملكة جعلت يوم 15 شعبان يوم جمع التبرعات لأهل الجزائر 
فهل علمنا هذا ؟؟؟؟ !!!! 


وكان حجَ عام 1957 تحت شعار ( الجزائر ) ولبثَ الدعاية بين شعوب العالم للقضية الجزائرية 
ولم تنقطع هذه المساعدات يوما من الأيام حتى يوم تشكيل الحكومة المؤقتة 
قال فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة عام 1961 م : ( لا يسعني يا صاحب الجلالة إلا أن نرفع إلى جلالتكم شكري الصادق، واعتراف وتقدير حكومتي وشعب الجزائر لما بذلتم وتبذلونه في سبيل نصرة قضيتنا التي هي قضية الأمة العربية التي باعتزازها يعز الإسلام. وإن حكومة وشعب صاحب الجلالة الذي ناصر قضيتنا ولا يزال يناصرها منذ البدء لا يستغرب منه أن يظل النصير الأول لقضيتنا العادلة )
.
.
ويزيد توفيق المدني من شهاداته الصادقة فيقول بعد الإستقلال :
( قام جلالة الملك سعود حفل عشاء فاخر ممتاز لكل المشاركين في جلسة الجامعة، وعند تناول القهوة أمسك بيدي - وكان يحيط بي عدد من رجال الوفود - وهنأني تهنئة فائقة بهذه النتيجة التي أوصلنا إليها الجهاد والاستشهاد، وقال بصوت مرتفع: كما كنت أول متبرع للجزائر المجاهدة، فسأكون أول متبرع للجزائر المستقلة، لقد أصدرت أمري بوضع مليار فرنك حالا في حسابكم، وأرجو أن يقتدي بذلك بقية الإخوان ) 
وبعد هذه المقتطفات النيرة من تاريخ العلاقة الأخوية بين الجزائر والمملكة وبين الشعبين السعودى والجزائرى وأختم هذه الكلمات بمقول الشيخ الإبراهيمي -رحمه الله - مخاطبا الملك فيصل - رحمه الله :
حيث قال الإبراهيمي :
.
.
( ونحن - على كلّ حال - نشكر جلالتكم باسم الأمة الجزائرية السّلفيّة المجاهدة، ونهنئها بما هيّأ الله لها من اهتمام جلالتكم بها وبقضاياها، ونعدّ هذا الاهتمام مفتاح سعادتها وخيرها، وآية عناية الله بها، وأُولى الخطوات لتحريرها. أيّدكم الله بنصره وتولاّكم برعايته، ونصر بكم الحق، كما نصر بكم التوحيد، وجعلنا من جنوده في الحق ) .
.
.
راجع كل ما ذكرته ( حياة الكفاح لتوفيق المدني ) صفحة أئمة الدعوة النجدية للأخت نمار الهذلي.. 

الأربعاء، 4 نوفمبر 2015



"الطبيب الكبير الفيلسوف ابن سينا"
.
.
العلامة الشهير الفيلسوف، أبو علي، الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، البلخي ثم البخاري، صاحب التصانيف في الطب والفلسفة والمنطق.
.
.
كان أبوه كاتبا من دعاة الإسماعيلية، فقال:
كان أبي تولى التصرف بقرية كبيرة، ثم نزل بخارى، فقرأت القرآن وكثيرا من الأدب ولي عشر، وكان أبي ممن آخى داعي المصريين، ويعد من الإسماعيلية .
.
.
ثم ذكر مبادىء اشتغاله، وقوة فهمه، وأنه أحكم المنطق وكتاب إقليدس إلى أن قال: ورغبت في الطب، وبرزت فيه، وقرؤوا علي، وأنا مع ذلك أختلف إلى الفقه، وأناظر ولي ست عشرة سنة.
ثم قرأت جميع أجزاء الفلسفة، وكنت كلما أتحير في مسألة، أو لم أظفر بالحد الأوسط في قياس، ترددت إلى الجامع، وصليت، وابتهلت إلى مبدع الكل حتى فتح لي المنغلق منه، وكنت أسهر، فمهما غلبني النوم، شربت قدحا. إلى أن قال: حتى استحكم معي جميع العلوم، وقرأت كتاب "ما بعد الطبيعة"، فأشكل علي حتى أعدت قراءته أربعين مرة، فحفظته ولا أفهمه، فأيست. ثم وقع لي مجلد لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب "ما بعد الحكمة الطبيعية"، ففتح علي أغراض الكتب، ففرحت، وتصدقت بشيء كثير.
.
.
واتفق لسلطان بخارى نوح مرض صعب، فأحضرت مع الأطباء، وشاركتهم في مداواته، فسألت إذنا في نظر خزانة كتبه، فدخلت فإذا كتب لا تحصى في كل فن، فظفرت بفوائد. إلى أن قال: فلم بلغت ثمانية عشر عاما، فرغت من هذه العلوم كلها، وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ، ولكنه معي اليوم أنضج، وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي شيء، وصنفت "المجموع"، فأتيت فيه على علوم، وسألني جارنا أبو بكر البرقي وكان مائلا إلى الفقه والتفسير والزهد، فصنفت له الحاصل والمحصول في عشرين مجلدة، ثم تقلدت شيئا من أعمال السلطان، وكنت بزي الفقهاء إذ ذاك؛ بطيلسان محنك، ثم انتقلت إلى نسا، ثم أباورد وطوس وجاجرم، ثم إلى جرجان.
قلت: وصنف الرئيس بأرض الجبل كتبا كثيرة، منها "الإنصاف"؛ عشرون مجلدا، "البر والإثم"؛ مجلدان، "الشفاء"، ثمانية عشر مجلدا، "القانون"؛ مجلدات. "الإرصاد"، مجلد، "النجاة"، ثلاث مجلدات، "الإشارات"، مجلد، "القولنج"، مجلد، "اللغة"، عشر مجلدات، "أدوية القلب"، مجلد، الموجز مجلد، "المعاد" مجلد، وأشياء كثيرة ورسائل.
.
.
ثم نزل الري وخدم مجد الدولة وأمه، ثم خرج إلى قزوين وهمذان، فوز بها، ثم قام عليه الأمراء، ونهبوا داره، وأرادوا قتله، فاختفى، فعاود متوليها شمس الدولة القولنج، فطلب الرئيس، واعتذر إليه، فعالجه، فبرأ، واستوزره ثانيا، وكانوا يشتغلون عليه، فإذا فرغوا، حضر المغنون، وهيىء مجلس الشراب. ثم مات الأمير، فاختفى أبو علي عند شخص، فكان يؤلف كل يوم خمسين ورقة، ثم أخذ، وسجن أربعة أشهر، ثم تسحب إلى أصبهان متنكرا في زي الصوفية هو وأخوه وخادمه وغلامان. وقاسوا شدائد، فبالغ صاحب أصبهان علاء الدولة في إكرامه، إلى أن قال خادمه: وكان الشيخ قوي القوى كلها، يسرف في الجماع، فأثر في مزاجه، وأخذه القولنج حتى حقن نفسه في يوم ثمان مرات، فتقرح معاه، وظهر به سحج، ثم حصل له الصرع الذي يتبع علة القولنج، فأمر يوما بدانقين من بزر الكرفس في الحقنة، فوضع طبيبه عمدا أو خطأ زنة خمسة دراهم، فازداد السحج، وتناول مثروذيطوس لأجل الصرع، فكثره غلامه، وزاده أفيون، وكانوا قد خانوه في مال كثير، فتمنوا هلاكه، ثم تصلح، لكنه مع حاله يكثر الجماع، فينتكس، وقصد علاء الدولة همذان، فسار معه الشيخ، فعاودته العلة في الطريق، وسقطت قوته، فأهمل العلاج، وقال: ما كان يدبر بدني عجز، فلا تنفعني المعالجة. مات بهمذان بعد أيام وله ثلاث وخمسون سنة.
.
.
قال ابن خلكان :
ثم اغتسل وتاب، وتصدق بما معه على الفقراء، ورد المظالم، وأعتق مماليكه، وجل يختم القرآن في كل ثلاث، ثم مات يوم الجمعة في رمضان سنة ثمان وعشرين وأربع مائة.
قال: ومولده في صفر سنة سبعين وثلاث مائة.
قلت: إن صح مولده، فما عاش إلا ثمانيا وأربعين سنة وأشهرا، ودفن عند سور همذان، وقيل: نقل تابوته إلى أصبهان.
ومن وصية ابن سينا لأبي سعيد، فضل الله الميهني: ليكن الله تعالى أول فكر له وآخره، وباطن كل اعتبار وظاهره، ولتكن عينه مكحولة بالنظر إليهن وقدمه موقوفة على المثول بين يديه، مسافرا بعقله في الملكوت الأعلى وما فيه من آيات ربه الكبرى، وإذا انحط إلى قرارهن فلينزه الله في آثاره، فإنه باطن ظاهر تجلى لكل شيء بكل شيء، وتذكر نفسه، وودعها، وكان معها كأن ليس معها، فأفضل الحركات الصلاة، وأمثل السكنات الصيام، وأنفع البر والصدقة، وأزكى السر الاحتمال، وأبطل السعي الرياء، ولن تخلص النفس عن الدون ما التفتت إلى قيل وقال وجدال، وخير العمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية ما انفرج عن علم، ومعرفة الله أول الأوائل، إليه يصعد الكلم الطيب. إلى أن قال: والمشروب فيهجر تلهيا لا تشفيا، ولا يقصر في الأوضاع الشرعية، ويعظم السنن الإلهية.
قد سقت في تاريخ الإسلام أشياء اختصرتها، وهو رأس الفلاسفة الإسلامية، لم يأت بعد الفارابي مثله، فالحمد لله على الإسلام والسنة.
وله كتاب "الشفاء"، وغيره، وأشياء لا تحتمل، وقد كفره الغزالي في كتاب "المنقذ من الضلال"، وكفر الفارابي.
وقال الرئيس: قد صح عندي بالتواتر ما كان بجوزجان في زماننا من أمر حديد لعله زنة مائة وخمسين منا نزل من الهواء، فنشب في الأرض، ثم نبا نبوة الكرة، ثم عاد، فنشب في الأرض، وسمع: له صوت عظيم هائل، فلما تفقدوا أمرهن ظفرا به، وحمل إلى والي جوزجان، فحاولوا كسر قطعة منه، فما عملت فيه الآلات إلا بجهد، فراموا عمل سيف منه، فتعذر. نقله في "الشفاء"...انتهى.. 
.
.

المرجع :
[1]ترجمته في ميزان الاعتدال "١/ ٥٣٩"، ولسان الميزان "٢/ ٢٩١"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "٥/ ٢٥"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "٣/ ٢٣٤".
.
.
**المصدر:
سير اعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي رحمه الله..  
الإمام احمد ابن حنبل رحمه الله و فتنة القول بخلق القرآن "بختصار بعض الاحداث" 
.
.
كان المأمون الخليفة العباسي متعنتاً كثير الظلال كان منتهجٌ لمنهج المعتزلة وبحد السيف فتن الناس بمساعدة شيوخ المعتزلة على القول بأن القرآن مخلوق و أتى بكتب الإغريق الملاحدة وترجمها لمكتبته الشهيرة بيت الحكمه! 
وكان متشيع تشيعاً مخيفاً ولا يستغرب جده لأمه سيس الفارسي كان قد ادعى النبوة وبطش به الرشيد رحمه الله، و أخواله روافض خُرسانيين روافض و متأثر تأثر بالغ بالأغريقيين، وقد ساعدوه اخواله وجنود خُرسان على قتل اخيه عندما نازعه المُلك و كان الأمين افضل منه فقتله واخذ الخلافة وحدثت في ايامه الفتن المهولة ومكن لشيوخ المعتزلة الظالين، وحدث انه حُدث ان الإمام احمد رحمه الله ينكر القول بخلق القرآن و أُتي للإمام احمد إليه فدخل الموظف الخاص بالديوان للإمام وهو خائفٌ مرتبك فقال يا إمام إن المأمون سل سيفاً لم يسله قط واقسم، وقام الإمام في آخر الليل وتوضى وهو في حبسه ومربوط في اوثاقه فصلى ودعا على المأمون وقال في آخر دعائه ( اللهم إن كان قرآنك مُنزلٌ غير مخلوق فكفنا مؤنته ) فما لبث أن اتاهم الصارخ بموت المأمون[1]
.
.
واعيد الإمام أحمدُ إلى السجن مرَّة أخرى.
.
.
ثم تولَّى الخلافةَ بعدَ المأمونِ المعتصمُ، وكان المأمون قد أوصاه بتقريب ابن أبي دؤاد، والاستمرارِ بالقوْل بخلْق القرآن، وكان الإمام أحمد في السجن، وكانوا يُحضِرونه من السجن في كلِّ مرَّة، وكان جمعٌ من العلماء يناقشونه في خلْق القرآن، وكان الإمام أحمد يستدلُّ بالقرآن والسُّنة، ويقول لهم: "أعطوني دليلاً مِن كتاب الله أو سُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم"، وأعيد للسجن، وبعد المرَّة الثانية، وفي اليوم الثالث أُحضر الإمام أحمدُ من السجن، وأعيدتِ المناقشة، وكان المعتصم عند عقد مجلس المناظرة، قد بسط بمجلسه بِساطًا، ونَصبَ كرسيًّا جلس عليه، وازدحم الناس، كازدحامهم أيَّام الأعياد، وكان مما دار بينهم أن قال للإمام أحمد: ما تقول في القرآن؟ فقال: "كلام الله غيرُ مخلوق؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ} [التوبة: 6] قال: هل عندك حُجَّة غير هذا؟ قال: نعم، قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: 1 - 2]، ولم يقل: خَلَق القرآن، وقال تعالى: {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يــس: 1 - 2]، ولم يقل والقرآن المخلوق، فقال المعتصم: أعيدوه للحبس وتفرَّقوا.
.
.
فلمَّا كان مِن الغد، جلس المعتصم مجلسَه ذلك، وقال: هاتوا أحمدَ بن حنبل، فاجتمع الناس، وسُمِعتْ لهم ضجَّة ببغداد، فلمَّا جيء به وقف بين يديه، والسيوف قد جُرِّدت، والرماح قد ركزت، والأتراس قد نُصبت، والسِّياط قد طرحت، فسأله المعتصم: ما تقول في القرآن؟ قال: "أقول: غير مخلوق، واستدلَّ بقوله - تعالى -: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13]، قال: فإن يكنِ القوْل من الله - تعالى - فإنَّ القرآن كلام الله.
.
.
وأحضر المعتصم له الفقهاءَ والقضاة، فناظروه بحضرته ثلاثة أيَّام، وهو يناظرهم، ويظهر عليهم بالحُجج القاطعة، ويقول: "أعطوني دليلاً من كتاب الله، أو كلام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:"، فقال المعتصم: "قهَرَنا أحمد"، وتحدَّث الوشاة عنده من علماء السُّوء، أنَّه قد غلب خليفتين، فأخذتْه العِزَّة بالإثم، فشتمَه وهدَّده بالقتل، فقال الإمام أحمد: "يا أمير المؤمنين، إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يَحِلُّ دمُ امرئ مسلِم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلاَّ بإحدى ثلاث))، فبِمَ تستحلُّ دمي، وأنا لم آتِ شيئًا من هذا يا أمير المؤمنين؟ تذكَّر وقوفَك بين يدي الله - عز وجل - كوقوفي بين يديك"، فلمَّا رأى المعتصم ثبوتَ الإمام أحمد وتصميمه لاَنَ، فخشي ابن أبي دؤاد من رأفتِه عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إن تركتَه قِيل: إنَّك تركت مذهب المأمون، أو أن يقال: غلب خليفتَين، فهاجَه ذلك، ثم أعيد إلى السجن مرَّة أخرى، وأخرج في رمضان وهو صائم، وجعلوا - والعياذ بالله - يضربونه، وأتى المعتصم بجلاَّديِن، كلما ضَرب أحدُهم الإمامَ أحمد سوطين، تأخَّر وتقدَّم الآخَر، والمعتصم يحرِّضهم على التشديد في الضَّرْب، وهو يقول: شدُّوا عليه قطع الله أيديَكم، يقول واحد ممَّن جلده: والله الذي لا إله إلاَّ هو: لقد جلدتُ الإمام أحمد بن حنبل جلْدًا لو جلدتُه بعيرًا لَمَات، كان يأخذ العصي مثل الخيزران ويبرد في الماء، ثم يجلد الإمام حتى يسيلَ دمُ الإمام أحمد في الأرض.
.
.
ثم نزل المعتصمُ من كرسيه، وجاء للإمام أحمد، وهو يقول له: قلْ بما قلتُ لك بأنَّ القرآن مخلوق، فيقول الإمام أحمد: "أعطوني دليلاً من كتاب الله، أو سُنَّة رسوله حتى أقولَ به".
.
.
بعد ذلك جرَّدوه مِن ثيابه - رحمه الله تعالى - ولم يبقَ عليه إلاَّ إزارُه، (وشد على بطنه التكه وهو رباط على بطنه يشد به سرواله وكان يخاف ان تُرى عورته، وكان المعتصم يقول للجلاد شُد قطع الله يدك وجُلد تقريبا 73 سوطاً وكان كل جلاد يظرب سوطين فقط حتى لا يتعب [2] ) وصاروا يضربونه حتى يُغمَى عليه، فيُفيق، ثم يُعاد عليه الكرَّة يقول الإمام أحمد: "فذهَبَ عقلي عندَ ذلك، فلم أفق إلاَّ وقد أُفرِج عني، ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم، فحضرتْ صلاة الظهر، فصليت، فقالوا: صليتَ والدمُ يسيل منك؟ فقلت: قد صلَّى عمر - رضي الله عنه - وجُرْحه يَثعُب دمًا، ثم نُقِل بعد ذلك إلى بيته، وهو لا يقدر على السَّيْر من شدَّة ما نزل به - رحمه الله تعالى.
.
.
فلمَّا مكث مدَّة من الزمن في بيته، (وكان يأتيه الطبيب المعالج الخاص بالخليفه ويعالجه وقطع اللحم الميت منه فيقول عالجت معذبين ولم ارى مثل هذا الضرب، وكان يقول الإمام عفيت عن كل من اساء إلي إلا المبتدعه واخرج من ذالك المعتصم، لعلمه رحمه الله ان المعتزلة غررو به واوغلوا قلبه عليه [3] ) وبرئتْ جراحُه، وقوي جسمُه، خرج إلى المسجد، وصار يدرِّس للناس، ويملي عليهم الحديث، ولم يمنع من ذلك حتى توفِّي المعتصم، رحم الله الإمامَ أحمد، وأجزلَ له مثوبتَه، وجزاه الله عنَّا وعن الإسلام والمسلمين خيرَ الجزاء [4] .
.
.
المصدر: 
[1][2][3] محاضرة إمام السنة الامام احمد ابن حنبل للدكتور المؤرخ احمد ابن يوسف الدعيج. 
[4] مقال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل الشيخ محمد أبو عجيلة أحمد عبدالله موقع الألوكة.