الأربعاء، 21 مايو 2025

الخاقان المُوحد، پَادِشَاه #هندستان و #خُرسان و أخواتها يمينُ الدَّولةِ أبو القاسِمِ السُلَطان الكَبير محمودُ بِنُ سَيِّد الأمراءِ ناصِر الدَّولةِ أبَيَ مَنْصُور سُبُكْتِكين - رَحِمَهُ اللهُ تعالى-


 

" يمينُ الدَّولةِ أبو القاسِمِ محمودُ بنُ سبكتكين - رَحِمَهُ اللهُ تعالى-"

يَمينُ الدَّولةِ، فاتِحُ الهِندِ: أبو القاسِمِ، المَلِكُ السُّلطانُ محمود بِنُ سَيِّد الأمراءِ ناصِر الدَّولةِ أبَيَ مَنْصُور سُبُكْتِكين التُّركيُّ نسبةً الغزنويُّ نشأةً وحكماَ، مُحطُّم الأصَنام، محي السُنةَ في الأنام قاهر طواغيت الهند والمشركين صاحِبُ خُراسان والهِند، حارب محمودٌ النوَّابَ السامانيِّينَ، وخافَتْه الملوكُ وضَمَّ إقليمَ خُراسان، ونفَّذ إليه الخَليفةُ العباسيُّ القادِرُ بالله خِلَعَ السَّلْطنةِ، ولَقَّبَه يمينَ الدَّولة، وفَرَضَ على نفسِه كُلَّ سَنةٍ غَزوَ الهندِ، فافتتح بلادًا شاسعةً منها، وكسَّرَ أصنامَ الهندِ، وأعظَمُها عند الهُنودِ سومنات، كان السُّلطانُ محمود رَبعةً، فيه سِمَنٌ وشُقرةٌ، ولحيتُه مُستديرةٌ، غَليظَ الصَّوتِ، وفي عارِضَيه شَيبٌ، وكان مُكْرِمًا لأمرائِه وأصحابِه، وإذا نَقِمَ عاجَلَ، وكان لا يَفتُرُ ولا يكادُ يَقِرُّ. كان يعتَقِدُ في الخليفة العباسيِّ القادِرِ بالله، ويخضَعُ لجَلالِه، ويحمِلُ إليه قناطيرَ مِن الذَّهَب، وكان إلبًا على القرامِطةِ والإسماعيليَّةِ، والفلاسِفةِ المتكَلِّمةِ.


قال ابنُ كثير: "في سنة 408 استتاب القادِرُ باللهِ الخَليفةُ فُقَهاءَ المُعتَزِلة، فأظهروا الرُّجوعَ وتبَرَّؤوا من الاعتزالِ والرَّفضِ والمقالاتِ المُخالِفةِ للإسلامِ، وأمَرَ عُمَّالَه بالمِثلِ, فامتَثَلَ محمودُ بنُ سبكتكين أمْرَ أميرِ المؤمنين في ذلك، واستَنَّ بسُنَّتِه في أعمالِه التي استخلَفَه عليها من بلادِ خُراسانَ وغَيرِها في قَتلِ المُعتَزِلة والرَّافِضةِ والإسماعيليَّةِ والقَرامطة، والجَهميَّة والمُشَبِّهة، وصَلَبَهم وحَبَسَهم, ونفاهم وأمَرَ بلَعنِهم على المنابِرِ، وأبعَدَ جَميعَ طوائفِ أهلِ البِدَعِ، ونفاهم عن ديارِهم، وصار ذلك سُنَّةً في الإسلامِ".


قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة: "لَمَّا كانت مملكةُ مَحمودِ بنِ سبكتكين من أحسَنِ ممالِكِ بني جِنسِه، كان الإسلامُ والسُّنَّة في مملكَتِه أعَزَّ؛ فإنَّه غزا المُشرِكينَ مِن أهلِ الِهندِ، ونشَرَ مِن العدلِ ما لم ينشُرْه مِثلُه، فكانت السُّنَّةُ في أيامِه ظاهِرةً، والبِدَعُ في أيَّامِه مَقموعةً"
و قال ابنُ كثير: "كان يمينُ الدَّولة يخطُبُ في سائِرِ ممالِكِه للخليفةِ القادر بالله، وكانت رسُلُ الفاطميِّينَ مِن مصر تَفِدُ إليه بالكُتُبِ والهدايا لأجلِ أن يكونَ مِن جِهَتِهم، فيحرِقُ بهم ويحرِقُ كتُبَهم وهداياهم، وفتَحَ في بلاد الكُفَّارِ مِن الهند فتوحاتٍ هائلةً، لم يتَّفِقْ لغَيرِه من الملوكِ، لا قَبلَه ولا بعده، وغَنِمَ منهم مغانمَ كثيرةً لا تَنحَصِرُ ولا تنضَبِطُ، مِن الذَّهَب والمجوهرات، والسَّبْي، وكسَرَ مِن أصنامِهم شيئًا كثيرًا، وأخذ مِن حِليَتِها, ومِن جملةِ ما بلغ تَحصيلُه مِن سومنات أعظَمِ أصنامِهم مِن حُلِيِّ الذَّهَبِ عشرون ألف ألف دينار(*)، وكَسَرَ مَلِكَ الهِندِ الأكبَر الذي يُقالُ له صينال، وقهَرَ مَلِكَ التُّركِ الأعظَم الذي يقال له إيلك الخان، وأباد مُلْكَ السَّامانيَّة، الذين ملكوا العالَمَ في بلاد سمرقند وما حولها، وبنى على جيحون جسرًا عظيمًا أنفَقَ عليه ألفي ألف دينار(*)، وهذا شيءٌ لم يتَّفِقْ لغيره، وكان في جيشِه أربعُمِئَة فيلٍ تُقاتِلُ معه، وهذا شيءٌ عظيمٌ وهائِلٌ، وكان مع هذا في غايةِ الدِّيانةِ والصِّيانةِ وكراهةِ المعاصي وأهلِها، لا يحِبُّ منها شيئًا، ولا يألَفُه، ولا أن يَسمَعَ بها، ولا يَجسرُ أحَدٌ أن يُظهِرَ مَعصيةً ولا خَمرًا في مملَكتِه، ولا غير ذلك، ولا يُحِبُّ الملاهيَ ولا أهلَها، وكان يحِبُّ العُلَماءَ والمُحَدِّثين ويُكرِمُهم ويُجالِسُهم، ويحِبُّ أهلَ الخيرِ والدِّينِ والصَّلاح، ويُحسِنُ إليهم، وكان حنفيًّا ثمَّ صار شافعيًّا على يدي أبي بكرٍ القَفَّال الصغيرِ على ما ذكره إمامُ الحَرَمينِ وغَيرُه"، ولم يَزَلْ يفتَحُ بلادَ الهِندِ إلى أن انتهى إلى حيثُ لم تَبلُغْه في الإسلامِ رايةٌ، ولم تُتْلَ به سورةٌ قَطُّ ولا آية، فدحَضَ عنها أدناسَ الشِّركِ، وبنى بها مساجِدَ وجوامِعَ.


وَفَاتهُ : توفِّيَ يمينُ الدَّولةِ أبو القاسِمِ محمودُ بنُ سبكتكين - رَحِمَهُ اللهُ تعالى- في ربيعٍ الآخِرِ، وقيل: في أحدَ عَشَر صَفَر، وكان مرضُه سوءَ مزاجٍ وإسهالًا، وبقي كذلك نحو سنتينِ، فلم يزَلْ كذلك حتى توفِّيَ قاعِدًا رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

[1] كتاب المستدرك على الصحيحين ط الرسالة باب الظروف الاجتماعية "ج:1-ص:14"
[2] الموسوعة التاريخية – حوادث العام الهجري : 421-
(*) غنم عشرون ألف ألف دينار أي عشرين مليون دينار ذهباً وهو ما يعادل [خمسةٌ وثمانون ألف كيلو ذهب]
(*) أي أنفق ما يقارب [ثمانيةَ آلاف وخمسمئةِ كيلو ذهب]



الخميس، 9 يناير 2025

"خَشَبُ العُودْ (الأَلُوَّةُ)"

"خَشَبُ العُودْ (الأَلُوَّةُ)"

أَورد الزبيدي في تاج العروس أنّه مَرَّ أعرابيٌّ بالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يُدْفَنُ، فَقَالَ:

هلا دفنتم رَسُول الله فِي سفط *** من الألوة أحوى ملبساً ذَهَبا
أَو فِي سحيق من الْمسك الذكي وَلم ***ترضوا لجنب رَسُول الله متربا
خير الْبَريَّة أتقاها وَأَكْرمهَا **** عِنْد الْإِلَه إِذا مَا ينسبون أَبَا

- رَوَى البُخاريُّ بِسَنده عن أَبَي هُريرة -رَضِي الله عَنهُ- أنه قال، قال رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ علَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، والذينَ علَى إثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ علَى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ، لا اخْتِلَافَ بيْنَهُمْ ولَا تَبَاغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ منهمْ زَوْجَتَانِ، كُلُّ واحِدَةٍ منهما يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِن ورَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الحُسْنِ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وعَشِيًّا، لا يَسْقَمُونَ، ولَا يَمْتَخِطُونَ ، ولَا يَبْصُقُونَ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ والفِضَّةُ، وأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، ووَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الألُوَّةُ - قالَ أَبُو اليَمَانِ: يَعْنِي العُودَ -، ورَشْحُهُمُ المِسْكُ) [1]

- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالْ: حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِي الله عَنهُ-  قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((أَهْلُ الْجَنَّةِ رَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَوَقُودُهُمُ الْأَلُوَّةُ))؛ قُلْتُ لِابْنِ لَهِيعَةَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا الْأَلُوَّةُ؟ قَالَ: الْعُودُ الْهِنْدِيُّ الْجَيِّدُ. [2]

-حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رَضِي الله عَنهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ» قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: " الْأَلُوَّةُ: الْعُودُ " [3]

- رَوَى مُسلمٌ بِسَنده أنه "كانَ ابنُ عُمَرَ -رَضِي الله عَنهُ- إذَا اسْتَجْمَرَ بالألُوَّةِ، غيرَ مُطَرَّاةٍ وَبِكَافُورٍ، يَطْرَحُهُ مع الألُوَّةِ ، ثُمَّ قالَ: هَكَذَا كانَ يَسْتَجْمِرُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "[4]

بعد هذه المقدمة اللطيفة، لنتعرف سويا على شجرة العود، تلك الشجرة المباركة التي يقوم عليها اقتصاد كثير من الدول، بسم الله المستوي على عرشه استواء يليق بجلاله وعظيم سلطانه:

الأَلُوَّةُ عزيزي القارئ هي خشب العود المستوي بعد التنظيف والتنقية لتظهر بالصورة المعروفة -خشب العود-، أما شجرة العود فهي شجرة موطنها آسيا بالذات على مدار الأقاليم المطرية وأجزاء من الصين والجزر الواقعة في المحيط، وشجرة العود شجرة لطيفة مدارية دائمة الخضرة، معمرة (اسمها العلمي:Aquilaria) وهي جنس من النباتات تتبع الفصيلة المثنانية من رتبة الخبازيات. موطنها الأصلي في جنوب شرق آسيا ويكثر بشكل خاص في الغابات المطيرة .

أشهر المناطق التي يصدر منها خشب العود:

[هندستان (الهند) - سيلان (سيريلانكا) والأشد ندرة - ماينمار (بورما) – جزر إندونيسيا – مملكة سيام (تايلاند) – كمبوديا (كمبوتشيا) - لاوس - فيتنام – الممالك الماليزية – سلطنة دار السلام (مملكة بروناي) – أمان الله (جزر الفلبين ) – جزيرة بورنيو (أحدى جزر سوندا الكبرى) - غينيا الجديدة - سنغافورة - الصين]
وتتميز كل دولة بطابع معين من الإنتاج، منه الطبيعي الخالص ومنه المستزرع، ومنه الطبيعي المحسن ومنه الصناعي، وأشد الأعواد والأدهان ندرة السيلاني، وأكثره وفرة وأقلها مادة (التايلندي والفيتنامي)، واسوء تلك الأنواع الصناعي.

الخطوط العطرية للعود :

الخط الحاد "الحيواني" (الرائحة القوية الحادة): يتميز به الهندي والسيلاني و وبعض الماليزي.

الخط الناعم (الزهوري البخوري) : في المرتبة الأولى إنتاج غابات (تراد وبراشينبوري) يتبعها باقي دول جنوب شرق آسيا، وأقلها رائحة السنغافوري، كذلك بعض إنتاج سيلان.

الخط الترابي : تتميز به بعض أنواع (الإندونيسي والماليزي).

أما استخراج الخشب والدُهن فعلم قائم بذاته وله مدارس منها الهندية ومنها التايلندية ومنها السيلانية وهكذا مما يصعب شرحه، لكن حسبنا الطريقة المجملة بين المدارس، وشرحها مع الأنواع على النحو التالي :

 أنواع خشب العود:

يتكون خشب العود من (4) أنواع وهي [الطبيعي - المستزرع - الطبيعي المحسن - الصناعي]

الطبيعي والمستزرع: هو العود الذي نتج عن طريق إصابة الشجرة بمرض يصيب الجذع الداخلي للشجرة بعفن أسود اللون هذا العفن يتحول لمادة صمغية راتنجية تكون العروق الطبيعية لمادة العود وهذا الأغلى والأشد ندرة ويكون عادة في الأشجار المعمرة، وهنالك نوع آخر وهو تحفيز الشجرة بتخريم شجرة العود وحقنها بمادة عسلية تجعل الهوام تهاجم الشجرة وينتج عنه العفن المكون لمادة العود وهذا نوع من الاستزراع الطبيعي للعود لسرعة الانتاج، وتوجد طريقة أخرى، وهي التخريم بدون حقن، وأخرى تكون عن طريق صبغ الشجرة بمادة قطرانيه سوداء، تجعل الهوام تهاجم الشجرة فتنتج العود المستزرع، ويميز هذا النوع أن الرائحة تختلف من قطعة لأخرى.

الطبيعي المحسن: خشب طبيعي لكن جودته رديئة أو قليلة يطبخ في مراجل خاصة تضاف له محسنات أساسها (مادة الريسين) فنتج عود طبيعي محسن، وطبعا دراجات لكن خط الرائحة واحد، وهو متوسط الثمن.

الصناعي: اردى أنواع العود وهو مكون من خشب خام يطبخ ويضاف له مادة (الريسين) وهو الأقل قيمة.

استخراج العود:

بعد أن يتم فحص شجرة العود وتكون جاهزة للقطع، يتم قطعها وتقسيمها وتنظيفها، وفرزها حسب الدرجات المعروفة بكل سوق، ثم يجفف حتى يستوي، ومنه ما يذهب للبيع خشباً (صافي بلا شوائب) ومنه ما يذهب لإنبيق الطبخ، كذلك المستزرع الذي غالباً ما يكون رقائق كصفحات الكتب، وتنقيته تكون عن طريق النحت.
دهن العود:

دهن العود هو المادة الراتنجية الناتجة عن طبخ بقايا خشب العود ولها طريقة وهي:

1- بعد تنقية العود الطبيعي تنتج قطع خفيفة سواء عن التنقية أو بعد نحت الرقائق (عود الرقائق الأغلى)، يتم جمعها وطحنها بودرة وتخميرها في قلال (اسبوعين - شهر - ثلاثة شهور - ستة شهور)، وكلما زاد التخمير زادة الحدة (رائحة حيوانية) وكلما قلت أزهرت الرائحة وطابت.

2- بعد التخمير يتم صب العود في إنبيق تقطير ويطبخ على نار (غاز) أو (حطب) مع تحريك مستمر عن طريق هندل يمزج الخليط بين الفينة والأخرى وتطبخ إلى ثلاثة أيام حسب النوع.

3- يتكثف البخار المتصاعد من الإنبيق عبر حوض تبريد وينتج ماء العود الذي يطفح فوقه دهن العود، ويتم جمعه في قناني للمرحلة الأخيرة (التعتيق).

4- التعتيق وفيه يتم تشميس العود حتى تذهب منه جزء من الرطوبة ويرتاح ويبان فيه خطه العطري ثم يوزع في قناني حفظ خاصة بعيداً عن الشمس .

ودهن العود على ما أستخرج منه ويخضع لعوامل عدة تؤثر في الرائحة منها (التخمير، الطبخ، نوع الخشب، نخب العود المرفوع من الماء، التعتيق) وكلما طال مكوث العود مع المحافظة عليه في بيئة مناسبة كلما أزداد جمال الرائحة والقوام مع التشميس خاصة لما يكون طبيعة المكان رطبة، ومن أدهان العود ما تشرب منها يتطيب، ومنها ما يدخل في تراكيب العطور .

ومن بقايا التقطير ينتج (تراب العود) الذي يستخدم في البخور والمعاميل والند.

والعود استخدام الناس فيه طرائق قددا، وهنا بعض التوصيات:
الدهن:

رسمي ومناسبات : يكون الخط الهندي والسيلاني وعادة يكون حاداً حاذقا.

أما الصلوات : فالخط التايلندي والكمبودي، وهذا الخط بخوري زهوري لطيف.

وسائر اليوم : الخط الترابي.

الخشب:
الخشب الطبيعي يكون شخصي واستقبال الضيوف حسب النوع، كلما زاد الثمن كان أجمل وأطيب، والقاعدة في الطبيعي من المستحيل أن تجد الرائحة واحدة فتتفاوت بحسب غزارة العود وتمكنه من القطعة، وإذا أردت كمال التبخر، فعليك برش ملابسك الداخلية بماء الورد (للتثبيت) ثم إن كان العود غزيرا ضعه على جمر حامي حتى لا تبهت ولا تستفد منها ولا تجعلها تصل مرحلة الاحتراق، بل أفتج به ثم تطيب بالطيب المحبب لك وأدهن وتجمل، وأعظم ما تجمل به الإنسان للقاء الله جل وعلا، وإن كانت القطع من الرقائق فيكون على جمر مرمد حتى لا تحرق القطعة ويذهب لذة رائحتها، وأما المحسن فجعله لتطيب البيوت أزكى وأطيب.

الغش في العود:
يكثر الغش في العود خشباً أو دهن وهذا مشهور عند الآسيويين والهنادكة، ويكون في الدهن إذ يخففوه بالصندل أو الراتنج الشجري، وأما الخشب فبصب الإسمنت أو الصمغ (غراء) أو الرصاص ثم يتم التلوين عليه حتى تظهر القطعة كاثمن ما تكون، ويعرف ذلك أما بالمعاينة أو الخبرة أو حين التبخر يكون مؤذي للعين والنفس، فويل ثم ويل لكل غاش .

التسميات في عالم خشب العود والأدهان:

بعض أنوع العود ينسب للمقاطعة المزروع فيها، والبعض تسمية شهرة لسلالة معينة، والبعض تسمية لشكله مثلا:

الكلاكاس: هو تسمية لشكل عود يكون قوي وصلب، وغالباً يكون صفائح ثخينة ومنه الدهن، وغالباً يطلق على بعض أنواع الهندي.
السُلّا أو السُلا والسيوفي : تسمية لعود يشبه المسال وذؤابة السيف، ويكون مدبب الأطراف وهو يطلق على نوع هندي.
أنفال وآسام ونجلاند: أنواع عود هندي نسبة لغابات تنتجها، ويوجد كذلك گنام أشتهرت به الهند وهو سلالة لنوع عود معين، كذلك كرسنا .
العود الأزرق: هو العود الذي إذا طبخ على الجمر تصاعد منه دخان قريب للون الأزرق، ليس كما يظن أن لون الخشب أزرق هذا تسويق، واللون الأزرق دلالة على قوة وغزارة الراتنج في الكسرة.
تراد أو ترات و سورات: مقاطعات تنتج العود التايلندي.
براشين أو براشينبوري: غابات تنتج العود وهي على جزئيين (كمبودي وتايلندي) وأشبه الروائح وأقربها للبراشين الكاوياي الجبلي.
موروكي (حي وميت): الحي يكون من شجرة عود حية وهو من غابات إندونيسيا، ومنه الميت وهو المأخوذ من آطام الفيضانات والأودية وغالباً رائحته زهوريه ترابية، أما الحي يكون من شجرة حية.
الرقائق: هي أعواد مستزرعة اشتهرت بها [ترات، فيتنام، لاوس] وهي لطيفة رقيقة رائقة، أنعمها رائحة الترات، وأحدها الاوسي، وأما الفيتنامي فخط رسمي (هندي)

ومن التسميات (زورا، ساسورا، مينابور، بونتيانك، سومطري، چار، موري، كودي موري) وغيرها كثير يطول المقال لسردها والتفصيل فيها، وحسبنا ما أوردنا والحمد لله رب العالمين؛ انتهى.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسلماً .

---------

الحاشية:

[1] حديث صحيح أورده البخاري رحمه الله برقم (3245 ) | الموسوعة الحديثية.
[2] "كتاب الوقوف والترجل من الجامع للخلال" | ح:17 -ص:116، المكتبة الشاملة.
[3] "مسند الحمدي" | ح: 1142 - ص: 265 - ج: 2، المكتبة الشاملة
[4] أثرٌ صحيح أورده مُسلمٌ رحمه الله برقم (2254 ) | الموسوعة الحديثية.
حُرر في تسع ليالاٍ خلت من شهر رجب من العام السادس والأربعين بعد أربعمئةٍ وألف من هجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

[الإمضاء هُمَٰيُونْ]

السبت، 29 يونيو 2024

[نصل الجوهر بين الهند وفارس ودمشق]


[نصل الجوهر بين الهند وفارس ودمشق] 



سيوفيان في دكانهم "دمشق الغراء 1900 م

الحمد لله القائل في محكم التنزيل ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحديد 25)، وصلى الله على نبينا القائل (وَاعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ، الحديث)، وبعد :
تسمعون دائما مقولة هذا سيفٌ دمشقي، وهذا نصلٌ خُرساني، وآخر ختمه سندي، فما قصة الفولاذ الدمشقي؟ وما هو معدن الجوهر "الفرند" كما يسميه العرب؟ وما هي ماهية صناعته ومادته؟ وهل استفردت دمشق بصناعته؟

سيف صاغه مغول الهند تقريباً عام (1750 م) نصله فارسي (جوهر) عمل الحداد/ بكر مشهدي تعود ملكيته الآن لمتحف /Met Museum

يحكي البيروني عن الحديد إجمالاً والفرند خاصة في كتابه [الجماهر في معرفة الجواهر] ما نصه :

والحديد معدنه ينقسم إلي صنفين أحدهما لين يسمي "النرماهن [1]" ويلقب بالأنوثة والآخر صلب يسمي "الشابرقان [2]" ويلقب بالذكورة لصرامته وهو يقبل السقي مع تأبيه لتفليل انثناؤه، ثم ينقسم "النرماهن" مثله إلى ضربين أحدهما هو والآخر ماؤه السائل منه وقت الإذابة والتخليص من الحجارة ويسمي "دوصا" وبالفارسية "أسته" وبنواحي "زابلستان رو [3]" لسرعة خروجه وسبقه الحديد في الجريان وهو صلب ابيض يضرب إلي الفضية، ومن "الشابرقان" سيوف (الروم والروس والصقالبة) وربما قيل له (قُلَعْ) -بنصب اللام ويجزمها- فيقول تسمع للقُلَعْ طنينا ولغيره بحجا، ونسب إليه نوع من السيوف فسميت "قُلَعْيّة" وظنها قوم منسوبة إلي موضع (كالهندية واليمانية والمشرفية) فقالوا أنها تحمل من كله كما يحمل منها الرصاص وينسب إليها القُلَعْي، وهي سيوف عراض ولا تبعد أن تشبه لبياضها في اشعار العرب علي اضطرابها فيه قال(الحصين بن الحمام المري):

(تراوح بالصخر الأصم رؤوسهم**إذا القلع الرومي تثلّما)

فقد أشار إلى "الشابرقان" اذ ليس للروم سيوف من غيرها قال العجاج:

(قد أحدثت رومية القيون**أبيض من ماء الحديد الجون)

وقال:

(أني إذا الموت كع**أضربهم بذي القُلَعْ)

أي الحديد المتخذ منه السوف "القُلَعْيّة" وأخرجه مخرج صفة السيوف كذي الفُقار وذي الشطب وقال ابن الرومي:

(يكشِفّ الدهر منه في تصرفه**عن منصل قلعي مّن مناصله)

خارقة دروع أفغانية (القرن التاسع عشر) جوهرها من نوع (كيرك نيردبان)

ويزعم الكيميائيون أنهم يلينون الحديد "بالزرنيخ [4]" حتى يُذاب في سرعة ذوبان الرصاص وأنه إذا صار كذلك صلب الرصاص وذهب بصريره إلا أنه ينقص من بياضه فهذه أحوال الحديد المفرد، وأما المركب من "النرماهن" ومن مائه وهو الذي يسبقه إلي السيلان عند التخليص فهو "الفولاذ" وبلدة "هراة |بخُرسان أفغانستان" مخصوصة به وتسمي بيضات من جهة الشكل وأنها طويلة مستديرة الأسافل على هيئة بواطقها [بواتقها]، ومنها تطبع السيوف الهندية وغيرها، وحال "الفولاذ" في تركيبه علي قسمين إما أن يذاب ما في "البوطقة [5]" من "النرماهن" ومائه ذوبناً سواء يتحدان به فلا يستبين أحدهما من الآخر ويستصلح للمبارد وأمثالها، وإما أن يخلف ذوب ما في البوطقة فلا يكمل الامتزاج بينهما بل يتجاوز اجزاؤهما فيري كل جزء من لونيهما على حدة عيانا ويسمي (فرندا)، ويتنافسون في النصول التي جمعته والخضرة ويديمون صفتها وقال امرؤ القيس:

متوسدا عضبا مضاربه**في متنه كدبة النمل

وقال ابن المعتز:

تري فوق متنيه الفرند كأنه**بقية غيم رق دون سماء


سيف نجدي نقشاً وقبضة، وهو يعود لأحد قادة الدولة السعودية، نصله من الجوهر الفارسي كيرك كورسان

والخضرة تستحب في النصول اليمانية والهندية والبياض في المشرفية، وقال الباهلي في كتاب السلاح: (الفرند: الوشي الذي في متن السيف، والبرند: لمع يكون فيه الفرند تخالف لونه، والمشطب من السيوف الذي فيه طرائق كالجداول معمولة فربما كانت مرتفعة وربما كانت منحدرة)، وهذا الانحدار الذي ذكر لا يكون إلا إذا كان الجدول واحداً وأما إذا كانت الجداول أكثر من وأحد فالمرتفع هو بين كل جدولين بالضرورة، والسريجية منسوبة إلي سريج صانعها وقيل نسبة إلي السراج مصغراً لبريقها وهو تخريج رديء والقلعية إلي قلعة، والقساسية منسوبة إلي قساس جبل فيه معدن حديد، وقيل أن المشرفية نسبة إلي المشارف وهي قري تداني الريف وهي المزالف أيضا، وقيل أن المشرفية نسبة إلي صانع جاهلي من ثقيف اسمه "مشرف" وقالوا في فرند اليمانية أنه معوج متساوي العقد أبيض على أرض حمراء أو خضراء، والقبورية معروفة بهذا اللقب وكأنها الموجودة في حفائر موتاهم العظماء، وسمعت أنها التي لم تقبل الدواء في السبك بالسوية فبقيت فيها عروق لينة إناث لا تشرب الماء وإن إلتفقت في شفرتيها لم تقطع لعدم الشقاية، وإن تنحت عن الشفرتين لم تضر، والمهند نسبة إلي أن عمل بالهند وربما نسب إلي سرنديب[6] وغير بالتعريب قال ابن أحمر:

فخر وجال المهردب شماله كسيف** السرندي لاح في كف صاقل
                               -----------------------

سيف خًراساني عسكري نوع (بوليوار افغانى) والسيوف الخرسانية الأفغانية تتميز بشدة الحدبة، ونوع الجوهر رقائقي (laminated steel) 


فصلٌ : الحديث خاصة عن ماهية وصناعة الفرند في إقليم خُراسان:

قال: والفرند يسمي بخُراسان[7] جوهرا مضافا إلي السيف وقد يخفي من الحمي والصقل وإذا أراد الهنود إظهاره طلوه بالزاج[8] الأصفر البامياني أو الأبيض المولتاني ولولا أن للبامياني فضلا لما حمل إلي المولتان، وفي السقي يطلون متن السيف بطين حر وأخثاء البقر[9] وملح كالملغمة[10] ويمتحنون موضع السقي وينقون وجهه من المطلي عليه فيظهر الجوهر، ويمكن أن يكون مع الملح زاج، والقطع في الفرند والدوص الأبيض بسبب صلابته، ولكن الانكسار والتفتت مقرونان به، فإذا اكتنفه أنثي الحديد الأسود من جانبيه أبقاه علي القطع وحفظه من تلك الآفة، وهو صفة الجوهر ولن توجد أمة أبصر بأنواعه وأسمائه من الهند.
ومن هذا الجوهر ما هو دقيق النقش حتى يشبه بمدب النمل، ومنه ما يغلظ نقوشه وتنبسط فيحيل منها صنوف صور كما يتفق في السحاب وفي الماء المسكوب علي الأرض وما حكيناه في الجزع، وكان الروس يعملون سيوفهم من الشابرقان والشطب في وسطها من النرماهن لتكون أثبت على الضرب وأبعد عن الكسر، إذ أن الفولاذ لا يقاوم برد شتاؤهم وينكسر في الضربة فلما عاينوا الفرند أبدعوا للشطب النسج من خيوط ممدورة ومن كلا نوعي الحديد الشابرقان والأنثي (فحاءلهم* هكذا وردت) في النسج الملحم بالتغريق أشياء عجيبة مستظرفة كما قصدوها وأرادوها، وليس الفرند حاصلا بالقصد في الصنعة ولا آت بالإرادة إنما هو بالاتفاق، ولا بأس أن نذكر ما عرفناه من جهة ذوي البصر بجواهر السيوف مستفادة من الهنود وأشرف انواعه يسمي (بلارك) بالباء المعربة بالفاء، ومنه سيوفهم النفيسة وخناجرهم الثمينة ويزعمون أن حديده يسبك من رمل احمر في نواحي كنوج[11] يذوبونه بالتنكار البلوري[12]، فإن دقيقه لا يصلح إلا للصاغة وهو ماء هناك ينعقد تنكارا والغلبة في هذا الجوهر الابيض من لونيه على اسودهما، ونوع منه يسمي (زوهنا) يطبع بالمولتان من البضات الهروية، ونوع يسمي امون يضرب أيضا بالمولتان من تلك البضات وهي ثلاثة أصناف أجناسها يلقب (بالعمراني ويقارب بلارك والغلبة) في جوهره الأسود واحسنه وأردءه يلقب (بحرمون) وفيما بينهما واسطة، واليمانية من السيوف تشابهه ويقاربه نوع أسود (نيله بند) ونوع يسمي (باخري) وهو ثلاثة الوان، أصلي يقارب (روهينا) ومخصوص يشبه بالسقلاطون المخوص[13] وذلك أن البيضة لا تضرب بطولها وإنما تضرب على رأسها إلي أن تنبسط كالطبق، ثم يقطعونها لولبيا ويسوون استدرتها إلي الاستواء، ثم يغدرون السيف منها فيجيء مخوص الجوهر وثالث الألوان باخري، كل سيف لا جوهر فيه فإن هذا الاسم يطلق عليه من غير صفة ونوع يسمي مجليا، ويشبه باخري إلا أنه يتفق فيه صور حيوانات وأشجار وغيرها وذلك على ضربين أحدهما أن تكون الصورة في أحد متني السيف بتمامها والأخرى أن بعضها في أحد المتنين وباقي أعضائها قد نفذت حتى ظهرت في الجانب الآخر وهو أنفس ضربيه، ويقوم بفيل مختار - فان كانت الصورة أنسية فاق الاثمان والقيم - وكان لعمرو بن معدي كرب سيف بذي النون إذ كان في وسطه تمثال سمكة وهو يقول فيه: وذو النون الصفي معي**وتحتي الورد مقتعده

وأيضا: وذو النون الصفي صفي عمـ**ـرو وكل وارد الغمرات نامي

ذو الفقار هو سيف عربي نصله متين مستقيم ذو حدين وعلى متنه نقرات كأنها الفقرات، لأجل ذلك سُمي ذو الفقار لا كما يروج الرافضه والصوفية من أنه سيف ذو نصلين أو ذؤابتين، هذا النوع من النصول اشتهرت به فارس والهند وليس من ذو الفقار الأصلي في شيء.


وكان ذو الفقار لمنبه بن الحجاج استخلصه النبي صلي الله عليه وسلم واصطفاه لنفسه يوم بدر وكل ماعدا هذه الانواع ولم يجد حديده سموه (كوجرة) وكما أن في الخيل دوائر يتيمن بها ويتشاءم دائرة مذمومة تعرف بالقالع كذلك في السيوف ذوي الجواهر موضع اسود كالقطعة الخالية عن النقش إذا قلع اضربا لنصل فلهذا يترك وإذا كان نافذاُ من متن إلي متن كان شراؤهم يتشاءمون إلا إنهم يفضلونه في نصفي السيف فان كان نحو طرفيه كان شؤمه علي الخصم وإن كان نحو القبضة عاد الشؤم علي صاحبه.
 
السيوف الدمشقية بشكل عام عجيبة الهيئة والصنعة لاتكلف في صنعتها وخفيفة ورشيقة، وقد أتخذ الفرس والعثمانيين الطابع الدمشقي في القبضة والرشاقة، وهذا النسخة الأصلية للسيف الدمشقي الأصيل

 ولم يدين على الحداد الدمشقي كتاب في وصف السيوف التي اشتملت رسالة الكندي علي أوصافها، لتبدأ العمل بنصاب الفولاذ بصنعة الكور وعمل البواطق ورسومها وصفة أطيانها وتعيينها ثم أمر أن يجعل في كل بوطقة خمسة أرطال[14] من نعال الدواب ومساميرها المعمولة من النرماهن ومن كل وأحد من الروسختج[15] والمرقشيثا[16] الذهباني والمغنيسيا الهشة[17] وزن عشرة دراهم[18] ويطين البواطق وتودع الكور ويملأ فحما وينفخ عليها بالمنافخ الرومية كل منفاخ برجلين إلى أن تذوب وتدور وقد أعدله صوراً في اهليلج وقشر رمان وملح العجين واصداف اللؤلؤ بالسوية مجرشة في كل صورة أربعين درهما يلقي في كل بوطقة وأحدة ثم ينفخ عليها ساعة نفخا شديدا بلا رحمة ثم تترك حتى تبرد وتخرج البيضات عن البواطق، وحدثني من كان بأرض السند أنه جلس إلى حداد كان يعمل السيوف فتأملها وكان حديدها نرماهن وكان يذر عليه دواءً مدقوق ناعما لونه يضرب إلي الحمرة ويلقيه ويلحمه بالتغريق ثم يخرجه ويطوله بالطرق ويعيد الذر والعمل مرارا قال وسالته عما هو فنظر إلي نظر المستهزئ فتفرست منه أنه دوص يمزجه بالنرماهن طرفا وتغريقا كما تعمل البيضات منه في هرارة بالإذابة وأنه ما ذكره الدمشقي في مثله فقد يقال في جوهر السيف أنه يستحيل من نوع إلي نوع ولذلك يحمد فيه العتق ويمدح به وعلى استبعادي ذلك أحمل قولهم علي معاون النار في أحاله أحد المختلطين إلي الآخر، حتى يقلل أبيضه أو أسوده أو على الصقل حتى يظهر بالتقشير خفيا كان في الباطن تحت الصفيحة العليا من جرمه، ومما يشبه الخزافة في أصل الحديد وأن كثر ذكره في كتب الأخبار أنه وجد في "قندهار" عند افتتاحها سارية حديد طولها في السماء سبعون ذراعا فحفر هشام بن عمر عن أصلها فانكشف عن ثلاثين ذراعا منها تحت الأرض، فسأل عنها فأخبر أن تبع اليمن ورد بلادنا مع الفرس ولما استولوا على الهند سبقوا من سيوفهم هذه السارية وقالوا، نحن لا نريد مجاوزة هذه البلاد إلي غيرها، وملكوا السند وقالوا، كلام من ليس له بصر بمزاولة الفلزات وصنعة الأشخاص العظام منها بل هي حماقة من يحتاج إلي الازدياد في السلاح عند امتلاك البلاد فينقص منها بدل الزيادة كأنه يريد أن يقاتل بالسارية، ويشبه خبر المترددين بين خوارزم وأرض الغزية عن علاوة من حديد في قدر البيت العظيم يعبرون عليه في الطريق العادلة، وذلك المؤونة والنفقة فزادت على القيمة المثقال من الذهب فاعرض عنه ومن الرصاص يعمل الاسفيذاج[19] هو كلسه ولاكن إذا أذيب علته قشرة تنحي عنه بالملعقة فتتجدد فوق وجهها أخري ولا تزال تفعل ذلك وهي تعود إلي أن تحترق كله ثم يبيض بالتسوية البليغة فيخرج لبيض فيه صفرة يسيرة وإذا أذيب في النار حصل منه كالحرف فستقي اللون قال:

كأنه سيف من رصاص مفضض**يري حسنا في العين وهو كهام

الطابع الهندي متميز وفريد ومليء بالنقوش والزخارف، ويسمى (تولوار)

وكأنه سيف قلعي مموه والشأن في مفضض الرصاص إلا أن يكون بإلزاق تبر الفضة عليه بالغراء وجدته أيضا في نسخة من نحاس مرصص فكانه للقريب من الامكان والله اعلم، انتهى[*]

 

جميع الشفرات من مجموعة موسر، كتالوج عام 1955، ويظهر فيها أشهر وأندر أنواع الجوهر وهو الجوهر الشهير في بلاد فارس (كيرك نيردبان برقم 3) وكل الأشكال من الصناعات القديمة

        الجوهر في العصر الحاضر

أما عن العصر الحاضر فبعد أبحاث مستفيضة قام أحد هواة صنع الشفرات وهو الحداد/ ألفريد إتش. بيندراي بمعمله في  غينزفيل، فلوريدا، بعمل الطريقة التالية في صنع الشفرات الدمشقية :

أولاً: جمع الحديد النقي الخام مع نوع آخر من الحديد الصُلب (حديد سوريل) والفحم ورقائق الزجاج والأوراق النباتية الخضراء، مع قيامه بعملية التحكم في النسب حتى تنتج مزيجاً يسهل من خلال الطرق والسحب وتقوية الحديد.

(مجموعة من الأشكال الحديثة للجوهر بعد التطوير الحديث لها)

ثانياً: قم بصهر المكونات في البوتقة الحجرية ومن خلال هذه العملية يقوم الزجاج بتشكيل طبقة تمنع أكسدت الحديد وتقوم أوراق الأشجار بإنتاج الهيدروجين الذي بدوره بقوم تسريع كربنت الحديد وإنتاج ما يسمى بـ الأسمنتيت[20]، حيث يتم رفع الكربون في الحديد إلى نسبة (1.5%)وهي نسبة جيدة لتكوين جزيئات كربيد الحديد الصلب التي تتراكم مشكلة الأخاديد ويتشكر بذلك النمط السطحي للشفرات الدمشقية، وفائدة الأوراق والزجاج تكمن في عملية الطرق والسحب، إذ بدونها يتفلج الحديد ولا يتماسك، بعد برودة المزيج يعيد التسخين وهنا تتكون القاعدة الخاصة بالجوهر التي كان يستخدمها القدماء، وفي هذه المرحلة يقوم الحديد بالتسخين خارج البوتقة في فرن مفتوح وهنا يعمل على التحكم في الحرارة حتى لا يتأكسد الحديد، وبهذه المرحلة تتكون طبقة بمقدار (0.5)مل/متر من الأكسيد يسهل طرقها وإخراجها من متن الحديد.

ثالثاً: يقوم هنا الحداد بضرب الحديد مع تقنية التسخين والتبريد حتى تتشكل طبقة التموجات التي هي لب الفرند، ويحتاج هنا الحديد إلى ما يقارب (50) دورة طرق وسحب وتبريد حتى تظهر النتيجة النهائية.

رابعاً: يقوم الحداد في هذه المرحلة بالتشكيل النهائي للنصل وإبراز الأخاديد والتموجات بواسطة (حمض الكبريت مع تركيبة كيميائية) وإضافة النقوش أو الأختام المراد إبرازها على النصل والتخريم لوضع المقبض، وإظهار النصل بالشكل النهائي، انتهى[*]

خنجر فارسي شبيه بخناجر الحشاشين مصنوع في فارس جوهر أصفهاني القرن 19 يعود ملكيته الآن لمتحف Mandarin Mansion

ويستخدم اليوم حمض الكبريت في إبراز تموجات الجوهر والمحافظة عليه من الأكسدة، وقد وجت بحث لدكتور سوري نصه:

(هذا الحمض وجدت بحث بسيط عن حمض الكبريت وهو:  الكبريت بمستخلص مائي لأوراق الزيتون السوري (OLE) طريقة خضراء: يُستخدم في هذا البحث مستخلص ورق الزيتون السوري (OLE) بالماء والكحول الايتيلي لتثبيط تأكل الحديد بتشكيل فلم واق ودراسة صموده وكفاءته في وسط حمض الكبريت وفي درجات حرارة مختلفة. بينت النتائج أن افضل الشروط التجريبية لتشكيل الفلم عند pH=5.5 بزمن غمس في المستخلص 16 ساعة. وأن الصمود الأعظمي للفلم كان في حمض الكبريت ذي التركيز 0.1M، دلت على ذلك الدراسة الكهركيميائية بما فيها قياسات (E.I.S)، انتهى؛ وعليه فإني أرجح ان هذه أحد أساليب الدماشقة في حفظ نصولهم لمئات السنين والله أعلم[*].

)انتهى والحمد لله رب العالمين[

 

الحاشية :

 [1] نرماهن: نرماهن: (فارسية نرم ​​آهن) نوع من أنواع الحديد المطاوع اللين (انظر ما تقدم 1: 715) (وديوان الهذليين 18) باتمانا ما تردد في مؤلفات فنون الحرب (مخطوطة 92 - وبالتالي تصحيح ما ورد في الجريدة الآسيوية 1: 68) )؛ موقع المعجم العربي (ArabLexicon)

 [2]شابُرْقان: (شابورقان): صنف من الحديد الصلب النوع المضاد. حديد وفي كتاب الحروب (مخطوطة 92 ص138 ف): شباكات. في مختصر ابن البيطار (مخطوطة 13): حديد صنفان شديد ويسمى شابورقان، وباللغة العربية ذكر أو إستام، ورخو، ويسمى نرماهن أي (نَرْم آهَن) وباللغة العربية أنثى. ويذكر ابن البيطار 1: 295) ثلاثة أصناف والصنف الثالث (فولاذ) ويقول إن الشابرقان هو طبيعي من الفولاذ المقاوم للصدأ (وهو اسم غير لأنه لأنه لا يوجد في حالة طبيعية من الفولاذ المقاوم للصدأ). انظر أيضاً القزويني (1: 207، 2) وفيه سابورقان؛ موقع المعجم العربي (ArabLexicon)

 [3] زَابُلِستان: بعد الألف باء موحدة مضمومة، ولام مكسورة، وسين مهملة ساكنة، وتاء مثناة من فوق، وآخره نون: كورة واسعة قائمة برأسها جنوبي بلخ وطخارستان وهي زابل، والعجم يزيدون السين وما بعدها في أسماء البلدان شبيها بالنسبة، وهي منسوبة إلى زابل جدّ رستم بن دستان، وهي البلاد التي قصبتها غزنة البلد المعروف العظيم؛ موقع المعجم العربي (ArabLexicon)

 [4] الزرنيخ : عنصر شَبيه بالفلزات لَهُ بريق الصلب ولونه ومركباته سامة يستخدم فِي الطِّبّ وَفِي قتل الحشرات؛ موقع المعجم العربي (ArabLexicon).

[5] البوتقة أو البودقة أو بالفارسية بوته: حجر صخري ناري يتم فيه صهر المعادن، ويتخذ لقوته في تحمل درجات الحرارة دون أن يذوب أو ينفلق، ويتخذ من السيراميك أو الجيرانيت، والجيرانيت أقوى.

[6] سرنديب: ويقال لها سيلان، وهي سيريلانكا حاليا.

[7] خُراسان: أقليم كبير يضم أجزاء من خمس دول، جزء كبير منه في (أفغانستان) وعاصمته هراة، ويشمل التالي :شمال أفغانستان، وغرب طاجكيستان، وجنوب غرب أوزبكستان والشرق الجنوبي لتركمانستان، وشرق بلاد فارس "إيران"، وأشهر مدن خُراسان [هرات، قندهار، دوشنبه، فرغانة، سمرقند، بخارى، ترمذ، طوس (مشهد) نيسابور، كاشگر].

[8] (الزاج): (الزاج الْأَبْيَض) كبريتات الخرصين و (الزاج الْأَزْرَق) كبريتات النّحاس و (الزاج الْأَخْضَر) كبريتات الْحَدِيد و (زَيْت الزاج) حمض الكبريتيك.

[9] الأخثَاء: جمعُ الخثِي بالكسر وهو للبقر والفيل كالروث للحافر يعني ما يرميه البقر والفيل من ذي بطنة.

[10] ملح كالملغمة: أي الملح المتحد مع أي معدن يقبل الأتحاد مع الزئبق.

[11] قنوج (بالإنجليزية: Kannauj)‏ هي مدينة وبلدية في مقاطعة قنوج ولاية أتر برديش في الهند.

[12] البوركس: مادة بودرية تضاف للمعادن وقت الصهر والطرق تذهب الشوائب والصدا .

[13] سَقْلاطونُ: بلد بالرُّوم، تُنْسَبُ إليه الثياب.

[14] الرطل: معيار لما يُوزَنُ، أو يُكَالُ بِهِ، وهو أنواع : مصري، وشامي، وعراقي . وفي مقدار العراقي أقوال عدة، منها أنه عند الحنفية 130 درهماً، أي : ما يعادل 406.25 جراماً، وعند الجمهور 128 درهماً، وأربعه أسباع، أي : ما يعادل 302.5 جراماً . ومن أمثلته ما ذكره الفقهاء عن مقدار كفارة الظهار، والجماع في نهار رمضان إذا أخرجت حبوباً، وكيلت بالرطل .

[15] الروسختج: نحاس محروق.

[16] المرقشيثا،  هو كبريتور الحديد، ويكون أصفر اللون أو أبيض.

[17] المغنيسيوم عنصر كيميائي فلزي قلوي.

[18] الدرهم يعادل 2.975 جرام، أي ما يقارب 29.75 جرام.

[19] الإسبيداج هو الاسم الشائع لخضاب أبيض اللون يتكون كيميائياً من كربونات الرصاص القاعدية، أو ما يعرف باسم أبيض الرصاص.

[20] سمنتيت (Cementite) هو طور من الأطوار الموجودة في مخطط الحديد والكربون ويرمز له كيميائيا (Fe3C) حيث يحتوي على 6.67% كربون و93.3% حديد.

-----------------------
المصادر:

[*] كتاب: الجماهر في معرفة الجواهر| أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي (ت ٤٤٠هـ) المكتبة الشاملة.

[*] كتاب: سر شفرات دمشق| جون دي فيرهوفين.

[*]المصدر: مجلة جامعة دمشق للعلوم الأساسية| مقال للدكتور: د. أيمن المصري.

----------------------------------------

تم البحث صباح يوم السبت الموافق: 23 /12 / 1445 هـ والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجميعن؛ فائق التحيات هُمَٰيُونْ.

الثلاثاء، 16 أبريل 2024

【الصراع بين عسكر التوحيد وعسكر الكفر】




قال الجبرتي في تاريخه: ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائتين وألف، وما تجدد بها من الحوادث فكان إبتداء المحرم بالرؤية يوم الخميس في عاشره وصل كثير من كبار العسكر [1] الذين تخلفوا بالمويلح فحضر منهم حسين بك دالي باشا وغيره فوصلوا إلى قبة النصر جهة العادلية ودخلت عساكرهم المدينة شيئا فشيئا وهم في اسوء حال من الجوع وتغير الألوان وكآبة المنظر والسحن ودوابهم وجمالهم في غاية العي، ويدخلون إلى المدينة في كل يوم، ثم دخل أكابرهم إلى بيوتهم وقد سخط عليهم الباشا ومنع أن لا يأتيه منهم أحد ولا يراه وكأنهم كانوا قادرين على النصرة والغلبة، وفرطوا في ذلك ويلومنهم على الانهزام والرجوع وطفقوا يتهم بعضهم البعض في الانهزام فتقول الخيالة سبب هزيمتنا القرابة وتقول القرابة بالعكس ولقد قال لي: بعض أكابرهم من الذين يدعون الصلاح والتورع اين لنا بالنصر وأكثر عساكرنا على غير الملة[2] وفيهم من لا يتدين بدين ولا ينتحل مذهبا [3] وصحبتنا صناديق المسكرات ولا يسمع في عرضينا أذان ولا تقام به فريضة ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين[4]، والقوم [5] إذا دخل الوقت أذن المؤذنون وينتظمون صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر الأخرى للصلاة وعسكرنا يتعجبون من ذلك لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته وينادون [6] في معسكرهم هلموا إلى حرب المشركين المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط الشاربين الخمور التاركين للصلاة والآكلين الربا القاتلين الأنفس المستحلين المحرمات[7] وكشفوا عن كثير من قتلى العسكر فوجدوهم غلفا غير مختونين؛ انتهى.

----------------

الحاشية:

[1] العثماني المصري.

[2] غير دين الإسلام.

[3] ملاحدة.

[4] لا يقيمون صلاة ولا صيام.

[5] جنود الدولة السعودية الأولى (عسكر التوحيد).

[6] مُسعّر الحرب (قائد الجيش السعودي).

[7] أي جيش الباشا.

-----------------

المصدر (بتصرف يسير):

[كتاب تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، للجبرتي؛ المكتبة الشاملة]


السبت، 26 فبراير 2022

النشأة الأولى بعد الطوفان الأول (طوفان نوح عليه السلام) "الجزء الثاني"

 


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بعد انقطاع طويل عدت بفضل الله و منه، ووجت كتاباً ماتعاً ممتعاً فيه أخبار السابقين، وسأسرد في هذا الموضوع الساميون وتفرعاتهم بإيجاز فبسم الله :
.
.
"الساميون وظهورهم"
.
.
وكان لسام بن نوح خمسه بنين: ارم وكان اكبرهم سنا، وارفخشذ، وعالم، واليفر، والاسور، فخص ولد ارم باللسان العربي عند تبلبل الالسن، وكانوا أيضا سبعه اخوه: عاد، وثمود، وصحار، وطسم، وجديس، وجاسم، ووبار. فارتحل عاد مع من تبعه حتى حل بأرض اليمن، ونزل ثمود بن ارم ما بين الحجاز الى الشام، ونزل طسم بن ارم عمان والبحرين، ونزل جديس بن ارم اليمامه، ونزل صحار ما بين الطائف الى جبلي طيّئ، ونزل جاسم ما بين الحرم الى سفوان [1] .، ونزل وبار بن ارم ما وراء الرمل بالبلاد التي تعرف بوبار، وهؤلاء العرب الاولى انقرضوا عن آخرهم.
.
.

قالوا: ولما خرج هؤلاء تحركت قلوب سائر ولد نوح للخروج من بابل، فخرج خراسان بن عالم بن سام، فاتخذ خراسان خطه، وفارس بن الاسور بن سام، والروم بن اليفر بن سام، وارمين بن نورج بن سام، وهو صاحب أرمينية، وكرمان بن تارح بن سام، وهيطل بن عالم بن سام، وولده من وراء نهر بلخ [2] .، وتسمى بلاد الهياطلة، ونزل كل رجل منهم مع ولده في الارض التي سميت به، ونسبت اليه، فلم يبق مع الملك جم بأرض بابل الا ولد ارفخشذ بن سام.
.
.

قالوا: ولما كثرت عاد باليمن تجبروا وعتوا، وعليهم شديد بن عمليق بن عاد بن ارم بن سام بن نوح، فوجه الى ولد سام ابن أخيه الضحاك بن علوان بن عمليق ابن عاد، وهو الذى تسميه العجم بيوراسف، فصار الى ارض بابل، وهرب منه جم الملك، فطلبه الضحاك حتى ظفر به، فأخذه، واشره بميشار [3].
.
.
فاستولى على ملكه. وكان الذى وجه الى ولد حام بن نوح ابن عمه الوليد بن الريان بن عاد بن ارم، وكان ملكهم يومئذ مصر بن القبط بن حام الذى تبوأ ارض مصر، فسار اليه الوليد بن الريان حتى قتله، واستولى على ملكه، ومن ولد الوليد بن الريان الريان بن الوليد عزيز مصر، صاحب يوسف عليه السلام، ومن ولدهما الوليد بن مصعب فرعون موسى عليه السلام، وكان جالوت الجبار الذى قتله داود النبي عليه السلام من ولد الوليد بن الريان، وكان الذى وجه شديد بن عمليق الى ولد يافث بن نوح ابن أخيه غانم بن علوان أخو الضحاك بن علوان، وكان ملك ولد يافث بن نوح يومئذ فراسياب بن توذل ابن الترك بن يافث بن نوح، فغلب على ملكه أيضا، واستولى على ارضه، ومن ولد غانم بن علوان فيما يقال فؤر ملك الهند الذى قتله الاسكندر مبارزه، ويقال ان رستم الشديد من ولد غانم؛ أنتهى (يتبع الجزء القادم مقتطفات من تاريخ الملوك الساميه)..

----------------------
الهامش :
[1] سفوان واد من ناحيه بدر

[2] نهر في شمالى افغانستان تقع عليه مدينه بلخ عاصمه دوله آل سبكتكين وقد دمرت مدينه بلخ على يد جنكيزخان، وكانت محاطه بسور وفيها قلعه وجوامع ومدارس

[3] المئشار بالهمز هو المنشار بالنون، واشرت الخشبة أشرا إذا شققتها مثل نشرتها نشرا.
---------------------
المصدر : [الأخبار الطوال - المؤلف: أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت ٢٨٢هـ)]


النشأة الأولى بعد الطوفان الأول (طوفان نوح عليه السلام) "الجزء الأول"


بسم الله الرحمن الرحيم

بعد انقطاع طويل عدت بفضل الله و منته، ووجت كتاباً ماتعاً ممتعاً فيه أخبار السابقين، وسأسرد في هذا الموضوع عن عصر ما بعد الطوفان بإيجاز، لكن شدني اسماء احفاد نوح عليه السلام، فقد وجت أن اسمائهم نسبة لأقاليم موجودة اليوم!!، فبسم الله :
.
.
(أدريس و نوح عليهما السلام و تفرق أبناء نوح في الأمصار و أحيائها)
.
.
قال المصنف :
.
.
‌‌(ادريس ونوح )

وكان أول نبي بعد شيث ادريس، واسمه اخنوخ بن يرد بن مهليل، وسمى ادريس، لكثرة دراسته، ثم بعث الله نوحا ع الى اهل عصره، وكان مسكنه بأرض العراق، وهو نوح بن لمك بن متوشلح، فكذبوه، فأغرقهم الله، ونجى نوحا ومن كان معه في السفينة، وكان جنوح السفينة واستقرارها على راس الجودي، جبل بقردى وبازبدى [1] . من ارض الجزيرة، فلما مات نوح استخلف ابنه ساما، فكان أول من وطد السلطان، واقام منار الملك بعد سام جم بن ويرنجهان بن ايران، وهو ارفخشذ بن سام بن نوح، واعقم الله جميع من نجى مع نوح في السفينة الا بنيه الثلاثة، ساما وحاما ويافثا. وكان لنوح ابن رابع اسمه يام، وهو الغريق، ولم يكن له عقب، واما الثلاثة فكلهم اعقب.
وكان سام هو المتولي لأمر نوح من بعده، وكان يشتو بأرض جوخى ويصيف بالموصل، وكان طريقه في مبدئه ومنصرفه على شط دجلة من الجانب الشرقى، فسمى لذلك سام راه، [2] . وهو الذى تسميه العجم ايران. وقد كان تبوأ ارض العراق، واختصها لنفسه، فسمى ايران شهر(شهر باللغة الفارسية تعني مدينة)، وقام بالأمر بعده ابنه شالخ، فلما حضرته الوفاة اسند الأمر الى ابن أخيه جم بن ويرنجهان بن ارفخشذ فثبت اساس الملك، ووطد أركانه وبنى معالمه، واتخذ يوم النيروز (النوروز بالفارسية) عيد [3] .
.
.
‌‌اختلاف الالسن "نشأت اللغات"

قالوا: وفي زمان جم تبلبلت الالسن ببابل. وذلك ان ولد نوح كثروا بها، فشحنت بهم، وكان كلام الجميع السريانية (إلى اليوم قائمة وهي لغة الكنيسة السورية و المصرية و الأردنية)، وهي لغة نوح، فأصبحوا ذات يوم، وقد تبلبلت السنتهم، وتغيرت الفاظهم، وماج بعضهم في بعض، فتكلمت كل فرقه منهم باللسان الذى عليه اعقابهم الى اليوم.
فخرجوا من ارض بابل، وتفرقت كل فرقه جهة، وكان أول من خرج منهم ولد يافث بن نوح، وكانوا سبعه اخوه: الترك، والخزر، وصقلاب، وتاريس، ومنسك، وكمارى، والصين. فأخذوا ما بين المشرق والشمال، ثم سار بعدهم ولد حام بن نوح.

وكانوا أيضا سبعه اخوه: السند والهند والزنج والقبط وحبش ونوبه وكنعان، فأخذوا ما بين الجنوب والدبور [4] .، واقام ولد سام بن نوح مع ابن عمهم جم الملك بأرض بابل على تغير الفاظهم
؛ أنتهي،،، يتبع [الساميون]

‌‌_________

الهامش :
[1] كورتان متقابلتان أولاهما شرقى نهر دجلة والاخرى غربيه، وفي نسخه نقرداى وبازبدى.

[2] اى طريق سام، وكلمه راه فارسيه معناها طريق.

[3] كلمه فارسيه مركبه من: نو، بمعنى جديد، وروز بمعنى يوم، ويوم النوروز عند الفرس هو أول يوم من ايام السنه الشمسيه حيث يفرح الناس به سته ايام، وقد كتب الحكيم عمر الخيام النيسابورى رساله عن النيروز بالفارسيه، عنوانها نوروزنامه وطبعت سنه 1330 هـ بطهران.

[4] المراد المغرب، فالدبور بفتح الدال ريح تهب من نحو المغرب تقابل ريح الصبا.

-------------
المصدر : [
الأخبار الطوال - المؤلف: أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت ٢٨٢هـ)]

الاثنين، 22 مارس 2021

ملخص مُقدمة كِتَابُ الطَّبِيِخ للمؤلف البَغَّدادي




 [فضلٌ فيما يحتاج "الطَّبِيِخ - الطبَّٰخ" إلى معرفته]

.

.

قال المُصنف : قالت الحكماء : ينبغي للطباخ أن يكون حاذقاً عارفاً بقوانين الطبيخ، بصيراً بصنعته، وليتعاهد قصّ أظفاره بحيث لا يحيف عليها فتتقرح ولا يتركها تطول، لئلا تجتمع الأوساخ تحتها، وليختر من القدور البُرام*، ثم بعدها الفخار، وعند الضرورة النحاس المبيض، وأردأ ما يطبخ فيه قدر نحاس قد نَصُل بياضه .

.

.

ويختار من الحطب اليابس مما لا يكون له دخان ساطع لنداوته كحطب الزيتون و السنديان* اليابس و الدفلى و الأشجار التبوعية و ما اشبه، ويتجنب حطب التين فإنه كثير الدخان وكل ما فيه نداوة، ثم يعرف مقدار وقوده .

.

.

ويختار من الملح الدراني* وإن لم يحضر يختار النقي الأبيض الخالي من الشوائب، وأجوده ما حلّ وعقد .

.

.

ويختر من الأبازير* ما يذكر من كسفرة* خضراء اللون يابسة، و من الكمون و الكرويا* كذلك، و من الدارصيني* ما كان خشبه ثخيناً ملتفاً ذكي الرائحة بحذو اللسان، و من المصطكى ما كان حبه كباراً أبيضاً براقا غير دق خالياً من الشوائب، ومن الفلفل ما كان حديثاً غير عتيق وحبه كباراً، و من الزنجبيل ما كان مغروسا، وليبالغ في تنقية سائر الأبازير* ويطحنها طحناً ناعماً، وكذالك في غسل الأواني المستعملة في الطبخ والقدور، وليضربها بالطين، والأشنان* والورد اليابسين، وليبخر الزبادي بالمصطكى و العود ثم يغرف فيها ويمسح القدور بعد غسلها بورق النارنج* و الأترنج* الطريين .

.

.

ويختار لدق اللحم هاوناً من حجر، أما الأبازير فتطحن في رحى طحناً ناعماً او تدق في هاوناً من نحاس .

.

.

وبالجملة فليتعمد تجويد دق الأبازير وتنعيمها وغسل القدور و الأواني مهما امكن؛ ثم يكثر الأبازير في السواذج*، وأكثر منه في القلايا و النواشف في حلوها اكثر من حامضها، ويقلله في الحوامض ذوات الأمراق، والأصل في الطبيخ كله إذا غلت القدور أن يبالغ في أخذ الرغوة و الزبد ووسخ اللحم، و ما عساه يطفو على رأس القدر مع النفاخات الطالعة، وقبل ذلك غسل اللحم بالماء الحار و الملح من ما عساه يبقى فيه من دم أم وسخ، وتنقيته من الغدد و العروق و الأغشية، وتعريق* اللحم في السواذج و القلايا بالدُهن و يسير من شيرج* فإنه أصل في أذهاب زفره قبل سلقه، وأن يترك الطبيخ حتى يهدأ على نار هادئة ساعة واحدة جيدة قبل غرفه، فاعرف ذلك؛ أنتهى ..

.

.

................................

الهامش : [البُرام او البُرم أو البُرمة: إناء ضيق الوسط كالمزهرية يستخدم بكثرة في بلاد اليمن السعيد و الجنوب وكذلك عند الهنود، ويصنع من الطين و الألمنيوم و الأستيل و الحجر - السنديان : شجرة البلوط - الملح الدراني : ملح بلوري يُنسب لمقاطعة أندران في اقليم نيسابور - الأبازير : وهو المعنى العام للتوابل يابسها و لينها، أما التوابل فهو مختص باليابس فقط - الكسفرة : الكزبرة خضراء او يابسة - الكرويا : بذور نبات طيب الرائحة عطري بذوره اكبر من الكمون وله استخدمات طبية و طبخية - الدارصيني : القرفة - الأشنان : نبات عطري شوكي - النارنج : شجرة عطرية ثمرتها كثمرة البرتقال - الأترنج : الليمون الأصفر - السواذج : لم أجد معنى محدد لكن اتوقع الأكل القليل ملحهه أو حلوه جداً لدرجة الإنعدام ولحظة ذلك في قراءة الوصفات - تعريق اللحم : تشويحهه او قليه قلياً ناعما - الشيرج : زيت السمسم]

.

.

…………………………………

المصدر : [كِتَابُ الطَّبِيِخ - لمحمد بن الحسن البغدادي| 579هـ - 637هـ|] هُمايون .