"خَشَبُ العُودْ (الأَلُوَّةُ)"
أَورد الزبيدي في تاج العروس أنّه مَرَّ أعرابيٌّ بالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يُدْفَنُ، فَقَالَ:
هلا دفنتم رَسُول الله فِي سفط *** من الألوة أحوى ملبساً ذَهَبا
أَو فِي سحيق من الْمسك الذكي وَلم ***ترضوا لجنب رَسُول الله متربا
خير الْبَريَّة أتقاها وَأَكْرمهَا **** عِنْد الْإِلَه إِذا مَا ينسبون أَبَا
- رَوَى البُخاريُّ بِسَنده عن أَبَي هُريرة -رَضِي الله عَنهُ- أنه قال، قال رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ علَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، والذينَ علَى إثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ علَى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ، لا اخْتِلَافَ بيْنَهُمْ ولَا تَبَاغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ منهمْ زَوْجَتَانِ، كُلُّ واحِدَةٍ منهما يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِن ورَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الحُسْنِ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وعَشِيًّا، لا يَسْقَمُونَ، ولَا يَمْتَخِطُونَ ، ولَا يَبْصُقُونَ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ والفِضَّةُ، وأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، ووَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الألُوَّةُ - قالَ أَبُو اليَمَانِ: يَعْنِي العُودَ -، ورَشْحُهُمُ المِسْكُ) [1]
- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالْ: حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِي الله عَنهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((أَهْلُ الْجَنَّةِ رَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَوَقُودُهُمُ الْأَلُوَّةُ))؛ قُلْتُ لِابْنِ لَهِيعَةَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا الْأَلُوَّةُ؟ قَالَ: الْعُودُ الْهِنْدِيُّ الْجَيِّدُ. [2]
-حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رَضِي الله عَنهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ» قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: " الْأَلُوَّةُ: الْعُودُ " [3]
- رَوَى مُسلمٌ بِسَنده أنه "كانَ ابنُ عُمَرَ -رَضِي الله عَنهُ- إذَا اسْتَجْمَرَ بالألُوَّةِ، غيرَ مُطَرَّاةٍ وَبِكَافُورٍ، يَطْرَحُهُ مع الألُوَّةِ ، ثُمَّ قالَ: هَكَذَا كانَ يَسْتَجْمِرُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "[4]
بعد هذه المقدمة اللطيفة، لنتعرف سويا على شجرة العود، تلك الشجرة المباركة التي يقوم عليها اقتصاد كثير من الدول، بسم الله المستوي على عرشه استواء يليق بجلاله وعظيم سلطانه:
الأَلُوَّةُ عزيزي القارئ هي خشب العود المستوي بعد التنظيف والتنقية لتظهر بالصورة المعروفة -خشب العود-، أما شجرة العود فهي شجرة موطنها آسيا بالذات على مدار الأقاليم المطرية وأجزاء من الصين والجزر الواقعة في المحيط، وشجرة العود شجرة لطيفة مدارية دائمة الخضرة، معمرة (اسمها العلمي:Aquilaria) وهي جنس من النباتات تتبع الفصيلة المثنانية من رتبة الخبازيات. موطنها الأصلي في جنوب شرق آسيا ويكثر بشكل خاص في الغابات المطيرة .
أشهر المناطق التي يصدر منها خشب العود:
[هندستان (الهند) - سيلان (سيريلانكا) والأشد ندرة - ماينمار (بورما) – جزر إندونيسيا – مملكة سيام (تايلاند) – كمبوديا (كمبوتشيا) - لاوس - فيتنام – الممالك الماليزية – سلطنة دار السلام (مملكة بروناي) – أمان الله (جزر الفلبين ) – جزيرة بورنيو (أحدى جزر سوندا الكبرى) - غينيا الجديدة - سنغافورة - الصين]
وتتميز كل دولة بطابع معين من الإنتاج، منه الطبيعي الخالص ومنه المستزرع، ومنه الطبيعي المحسن ومنه الصناعي، وأشد الأعواد والأدهان ندرة السيلاني، وأكثره وفرة وأقلها مادة (التايلندي والفيتنامي)، واسوء تلك الأنواع الصناعي.
الخطوط العطرية للعود :
الخط الحاد "الحيواني" (الرائحة القوية الحادة): يتميز به الهندي والسيلاني و وبعض الماليزي.
الخط الناعم (الزهوري البخوري) : في المرتبة الأولى إنتاج غابات (تراد وبراشينبوري) يتبعها باقي دول جنوب شرق آسيا، وأقلها رائحة السنغافوري، كذلك بعض إنتاج سيلان.
الخط الترابي : تتميز به بعض أنواع (الإندونيسي والماليزي).
أما استخراج الخشب والدُهن فعلم قائم بذاته وله مدارس منها الهندية ومنها التايلندية ومنها السيلانية وهكذا مما يصعب شرحه، لكن حسبنا الطريقة المجملة بين المدارس، وشرحها مع الأنواع على النحو التالي :
أنواع خشب العود:
يتكون خشب العود من (4) أنواع وهي [الطبيعي - المستزرع - الطبيعي المحسن - الصناعي]
الطبيعي والمستزرع: هو العود الذي نتج عن طريق إصابة الشجرة بمرض يصيب الجذع الداخلي للشجرة بعفن أسود اللون هذا العفن يتحول لمادة صمغية راتنجية تكون العروق الطبيعية لمادة العود وهذا الأغلى والأشد ندرة ويكون عادة في الأشجار المعمرة، وهنالك نوع آخر وهو تحفيز الشجرة بتخريم شجرة العود وحقنها بمادة عسلية تجعل الهوام تهاجم الشجرة وينتج عنه العفن المكون لمادة العود وهذا نوع من الاستزراع الطبيعي للعود لسرعة الانتاج، وتوجد طريقة أخرى، وهي التخريم بدون حقن، وأخرى تكون عن طريق صبغ الشجرة بمادة قطرانيه سوداء، تجعل الهوام تهاجم الشجرة فتنتج العود المستزرع، ويميز هذا النوع أن الرائحة تختلف من قطعة لأخرى.
الطبيعي المحسن: خشب طبيعي لكن جودته رديئة أو قليلة يطبخ في مراجل خاصة تضاف له محسنات أساسها (مادة الريسين) فنتج عود طبيعي محسن، وطبعا دراجات لكن خط الرائحة واحد، وهو متوسط الثمن.
الصناعي: اردى أنواع العود وهو مكون من خشب خام يطبخ ويضاف له مادة (الريسين) وهو الأقل قيمة.
استخراج العود:
بعد أن يتم فحص شجرة العود وتكون جاهزة للقطع، يتم قطعها وتقسيمها وتنظيفها، وفرزها حسب الدرجات المعروفة بكل سوق، ثم يجفف حتى يستوي، ومنه ما يذهب للبيع خشباً (صافي بلا شوائب) ومنه ما يذهب لإنبيق الطبخ، كذلك المستزرع الذي غالباً ما يكون رقائق كصفحات الكتب، وتنقيته تكون عن طريق النحت.
دهن العود:
دهن العود هو المادة الراتنجية الناتجة عن طبخ بقايا خشب العود ولها طريقة وهي:
1- بعد تنقية العود الطبيعي تنتج قطع خفيفة سواء عن التنقية أو بعد نحت الرقائق (عود الرقائق الأغلى)، يتم جمعها وطحنها بودرة وتخميرها في قلال (اسبوعين - شهر - ثلاثة شهور - ستة شهور)، وكلما زاد التخمير زادة الحدة (رائحة حيوانية) وكلما قلت أزهرت الرائحة وطابت.
2- بعد التخمير يتم صب العود في إنبيق تقطير ويطبخ على نار (غاز) أو (حطب) مع تحريك مستمر عن طريق هندل يمزج الخليط بين الفينة والأخرى وتطبخ إلى ثلاثة أيام حسب النوع.
3- يتكثف البخار المتصاعد من الإنبيق عبر حوض تبريد وينتج ماء العود الذي يطفح فوقه دهن العود، ويتم جمعه في قناني للمرحلة الأخيرة (التعتيق).
4- التعتيق وفيه يتم تشميس العود حتى تذهب منه جزء من الرطوبة ويرتاح ويبان فيه خطه العطري ثم يوزع في قناني حفظ خاصة بعيداً عن الشمس .
ودهن العود على ما أستخرج منه ويخضع لعوامل عدة تؤثر في الرائحة منها (التخمير، الطبخ، نوع الخشب، نخب العود المرفوع من الماء، التعتيق) وكلما طال مكوث العود مع المحافظة عليه في بيئة مناسبة كلما أزداد جمال الرائحة والقوام مع التشميس خاصة لما يكون طبيعة المكان رطبة، ومن أدهان العود ما تشرب منها يتطيب، ومنها ما يدخل في تراكيب العطور .
ومن بقايا التقطير ينتج (تراب العود) الذي يستخدم في البخور والمعاميل والند.
والعود استخدام الناس فيه طرائق قددا، وهنا بعض التوصيات:
الدهن:
رسمي ومناسبات : يكون الخط الهندي والسيلاني وعادة يكون حاداً حاذقا.
أما الصلوات : فالخط التايلندي والكمبودي، وهذا الخط بخوري زهوري لطيف.
وسائر اليوم : الخط الترابي.
الخشب:
الخشب الطبيعي يكون شخصي واستقبال الضيوف حسب النوع، كلما زاد الثمن كان أجمل وأطيب، والقاعدة في الطبيعي من المستحيل أن تجد الرائحة واحدة فتتفاوت بحسب غزارة العود وتمكنه من القطعة، وإذا أردت كمال التبخر، فعليك برش ملابسك الداخلية بماء الورد (للتثبيت) ثم إن كان العود غزيرا ضعه على جمر حامي حتى لا تبهت ولا تستفد منها ولا تجعلها تصل مرحلة الاحتراق، بل أفتج به ثم تطيب بالطيب المحبب لك وأدهن وتجمل، وأعظم ما تجمل به الإنسان للقاء الله جل وعلا، وإن كانت القطع من الرقائق فيكون على جمر مرمد حتى لا تحرق القطعة ويذهب لذة رائحتها، وأما المحسن فجعله لتطيب البيوت أزكى وأطيب.
الغش في العود:
يكثر الغش في العود خشباً أو دهن وهذا مشهور عند الآسيويين والهنادكة، ويكون في الدهن إذ يخففوه بالصندل أو الراتنج الشجري، وأما الخشب فبصب الإسمنت أو الصمغ (غراء) أو الرصاص ثم يتم التلوين عليه حتى تظهر القطعة كاثمن ما تكون، ويعرف ذلك أما بالمعاينة أو الخبرة أو حين التبخر يكون مؤذي للعين والنفس، فويل ثم ويل لكل غاش .
التسميات في عالم خشب العود والأدهان:
بعض أنوع العود ينسب للمقاطعة المزروع فيها، والبعض تسمية شهرة لسلالة معينة، والبعض تسمية لشكله مثلا:
الكلاكاس: هو تسمية لشكل عود يكون قوي وصلب، وغالباً يكون صفائح ثخينة ومنه الدهن، وغالباً يطلق على بعض أنواع الهندي.
السُلّا أو السُلا والسيوفي : تسمية لعود يشبه المسال وذؤابة السيف، ويكون مدبب الأطراف وهو يطلق على نوع هندي.
أنفال وآسام ونجلاند: أنواع عود هندي نسبة لغابات تنتجها، ويوجد كذلك گنام أشتهرت به الهند وهو سلالة لنوع عود معين، كذلك كرسنا .
العود الأزرق: هو العود الذي إذا طبخ على الجمر تصاعد منه دخان قريب للون الأزرق، ليس كما يظن أن لون الخشب أزرق هذا تسويق، واللون الأزرق دلالة على قوة وغزارة الراتنج في الكسرة.
تراد أو ترات و سورات: مقاطعات تنتج العود التايلندي.
براشين أو براشينبوري: غابات تنتج العود وهي على جزئيين (كمبودي وتايلندي) وأشبه الروائح وأقربها للبراشين الكاوياي الجبلي.
موروكي (حي وميت): الحي يكون من شجرة عود حية وهو من غابات إندونيسيا، ومنه الميت وهو المأخوذ من آطام الفيضانات والأودية وغالباً رائحته زهوريه ترابية، أما الحي يكون من شجرة حية.
الرقائق: هي أعواد مستزرعة اشتهرت بها [ترات، فيتنام، لاوس] وهي لطيفة رقيقة رائقة، أنعمها رائحة الترات، وأحدها الاوسي، وأما الفيتنامي فخط رسمي (هندي)
ومن التسميات (زورا، ساسورا، مينابور، بونتيانك، سومطري، چار، موري، كودي موري) وغيرها كثير يطول المقال لسردها والتفصيل فيها، وحسبنا ما أوردنا والحمد لله رب العالمين؛ انتهى.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسلماً .
---------
الحاشية:
[1] حديث صحيح أورده البخاري رحمه الله برقم (3245 ) | الموسوعة الحديثية.
[2] "كتاب الوقوف والترجل من الجامع للخلال" | ح:17 -ص:116، المكتبة الشاملة.
[3] "مسند الحمدي" | ح: 1142 - ص: 265 - ج: 2، المكتبة الشاملة
[4] أثرٌ صحيح أورده مُسلمٌ رحمه الله برقم (2254 ) | الموسوعة الحديثية.
حُرر في تسع ليالاٍ خلت من شهر رجب من العام السادس والأربعين بعد أربعمئةٍ وألف من هجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[الإمضاء هُمَٰيُونْ]