قال الجبرتي في تاريخه: ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائتين وألف، وما تجدد بها من الحوادث فكان إبتداء المحرم بالرؤية يوم الخميس في عاشره وصل كثير من كبار العسكر [1] الذين تخلفوا بالمويلح فحضر منهم حسين بك دالي باشا وغيره فوصلوا إلى قبة النصر جهة العادلية ودخلت عساكرهم المدينة شيئا فشيئا وهم في اسوء حال من الجوع وتغير الألوان وكآبة المنظر والسحن ودوابهم وجمالهم في غاية العي، ويدخلون إلى المدينة في كل يوم، ثم دخل أكابرهم إلى بيوتهم وقد سخط عليهم الباشا ومنع أن لا يأتيه منهم أحد ولا يراه وكأنهم كانوا قادرين على النصرة والغلبة، وفرطوا في ذلك ويلومنهم على الانهزام والرجوع وطفقوا يتهم بعضهم البعض في الانهزام فتقول الخيالة سبب هزيمتنا القرابة وتقول القرابة بالعكس ولقد قال لي: بعض أكابرهم من الذين يدعون الصلاح والتورع اين لنا بالنصر وأكثر عساكرنا على غير الملة[2] وفيهم من لا يتدين بدين ولا ينتحل مذهبا [3] وصحبتنا صناديق المسكرات ولا يسمع في عرضينا أذان ولا تقام به فريضة ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين[4]، والقوم [5] إذا دخل الوقت أذن المؤذنون وينتظمون صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر الأخرى للصلاة وعسكرنا يتعجبون من ذلك لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته وينادون [6] في معسكرهم هلموا إلى حرب المشركين المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط الشاربين الخمور التاركين للصلاة والآكلين الربا القاتلين الأنفس المستحلين المحرمات[7] وكشفوا عن كثير من قتلى العسكر فوجدوهم غلفا غير مختونين؛ انتهى.
----------------
الحاشية:
[1] العثماني المصري.
[2] غير دين الإسلام.
[3] ملاحدة.
[4] لا يقيمون صلاة ولا صيام.
[5] جنود الدولة السعودية الأولى (عسكر التوحيد).
[6] مُسعّر الحرب (قائد الجيش السعودي).
[7] أي جيش الباشا.
-----------------
المصدر (بتصرف يسير):
[كتاب تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، للجبرتي؛ المكتبة الشاملة]