"الوفد الأموي إلى إمبراطور الصين"
.
.
أنتم في رحاب #الدولة_الأموية دولة #بنو_أمية_النجباء #ذوو_الرايات_البيضاء .
.
.
وكان قتيبة قد غزا فى هذه السنة مدينة كاشغر وهي أدنى مدائن الصين "وإليها يُنسب الكاشغري".
فلمّا بلغ فرغانة أتاه موت الوليد، فوغل قتيبة حتّى قرب من الصين، فكتب إليه ملك الصين :
" أن ابعث إلىّ رجلا من أشراف من معكم يخبرنا عنكم ونسأله عن دينكم "
فانتخب قتيبة من عسكره اثنى عشر رجلا من أفناء [١] القبائل لهم جمال وأجسام وألسن وبأس، وبعد أن سأل عنهم، فوجدهم بحيث أحبّ، فكلّمهم قتيبة وفاطنهم، فرأى عقولا وجمالا، فأمر لهم بعدّة حسنة من السلاح والمتاع والجيّد من الخزّ والوشي والليّن من الثياب والرقيق والبغال والعطر، وحملهم على خيول مطهّمة تقاد معهم، ودوابّ يركبونها، وقال لهم: " سيروا على بركة الله، فإذا دخلتم عليه فأعلموه أنّى قد حلفت أن لا أنصرف حتّى أطأ بلادهم وأختم [٢] ملوكهم وأجبى خراجهم"
فساروا وعليهم هبيرة بن المشمرج [٣] ، فلمّا قدموا أرسل إليهم ملك الصين يدعوهم، فدخلوا الحمّام، ثمّ خرجوا، فلبسوا ثيابا بياضا تحتها الغلائل، ثمّ مسّوا الغالية"أنفس أطياب العرب"، ولبسوا النعال والأردية ودخلوا عليه وعنده عظماء أهل مملكته، فجلسوا، فلم يكلّمهم الملك ولا أحد من جلسائه، فنهضوا .
فقال الملك لمن حضره :
كيف رأيتم هؤلاء؟
قالوا رأينا قوما هم نساء، ما بقي منّا أحد حين رءاهم ورأى شعورهم ووجد رائحتهم إلّا انتشر ما عنده !
قال فلمّا كان الغد أرسل إليهم فلبسوا الوشي وعمائم الخزّ والمطارف وغدو عليه.
فلمّا دخلوا إليه قيل لهم:
ارجعوا!
ثم قال لأصحابه كيف رأيتم؟
قالوا :هذه الهيئة أشبه بهيئة الرجال من تلك [الهيئة] [4] الأولى وهم أولئك .
فلمّا كان اليوم الثالث أرسل إليهم فشدّوا عليهم سلاحهم ولبسوا البيض والمغافر، وتقلّدوا السيوف، وأخذوا الرماح، وتنكّبوا القسىّ وركبوا خيولهم.
فنظر إليهم صاحب الصين من منظرة له، فرأى أمثال الجبال مقبلة. فلمّا دنوا ركّزوا رماحهم، ثمّ أقبلوا مشمّرين، فقيل لهم قبل أن يدخلوا:
ارجعوا! فانصرفوا.
فلمّا ركبوا خيولهم اختلجوا رماحهم ثمّ رفعوا خيولهم كأنّهم يتطاردون بها.
فقال الملك لأصحابه:
كيف ترونهم؟
قالوا: ما رأينا مثل هؤلاء قطّ.
.
.
فلمّا أمسى أرسل إليهم أن ابعثوا إلىّ زعيمكم وأفضلكم رجلا،فبعثوا إليه هبيرة، فقال له حين دخل عليه : "قد رأيتم عظيم ملكي وأنّه ليس أحد يمنعكم منّى وأنتم فى بلادي بمنزلة الخاتم فى كفّى، وأنا سائلكم عن أمر، فإن لم تصدقوني [5] قتلتكم"
قال : سل !
قال: لم صنعتم ما صنعتم من الزىّ [6] فى اليوم الأوّل والثاني والثالث؟
قال: "أمّا زيّنا فى اليوم الأوّل فلباسنا فى أهالينا، وأمّا يومنا الثاني، فإذا أتينا أمراءنا، وأمّا يومنا الثالث فزيّنا لعدوّنا، فإذا هاج هيج كنّا هكذا"
قال: "ما أحسن ما دبّرتم دهركم! فانصرفوا إلى صاحبكم فقولوا له ينصرف فإنّى قد عرفت حرصه وقلّة أصحابه وإلّا بعثت إليه من يهلكه ويهلككم معه"
.
.
فأجابه هبيرة وقال: "كيف يكون قليل الأصحاب من أوّل خيله فى بلادك وآخرها فى منابت الزيتون، وكيف يكون حريصا من خلّف الدنيا وراءه قادرا عليها وغزاك؟ وأمّا تخويفك إيّانا بالقتل فإنّ لنا آجالا إذا حضرت فلسنا نكرهها ولا نخافها"
فقال بعد أن أطرق:
فما الذي يرضى صاحبك؟
قال: إنّه قد حلف ألّا ينصرف حتّى يطأ أرضكم ويختم ملوككم ويعطى الجزية .
قال: فإنّا نخرجه من يمينه: نبعث إليه بتراب أرضنا فيطأه، ونبعث إليه ببعض أبنائنا فيختمهم، ونبعث إليه بجزية يرضاها .
.
.
قال: فدعا بصحاف من ذهب فيها تراب، وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم. ثمّ أجازهم فأحسن جوائزهم، فساروا فقدموا بما بعثوا به.
فقبل الجزية وختم الغلمة وردّهم ووطئ التراب.
.
.
فقال فى ذلك سوادة بن عبد الله السلولي:
لا عيب فى الوفد الذين بعثتهم
للصين لو سلكوا طريق المنهج
كسروا الجفون على العدى [7]خوف الرّدى
حاشا الكريم هبيرة بن مشمرج
لم يرض غير الختم فى أعناقهم
ورهائن دفعت لحمل سمرّج
أدّى رسالتك التي استرعيته
وأتاك من حنث اليمين بمخرج
......
قال: فأوفد قتيبة هبيرة إلى الوليد، فمات بقرية من فارس يرحمه الله ... أنتهى ..
.
.
الحاشية :
[1] . الأفناء: جمع مفرده الفنء: الجماعة من الناس. تقول: جاء فنء من الناس. والفناء: الكثرة. تقول: مال ذو فنء.
[2] . وأختم: كذا فى مط والطبري (8: 1277) . وما فى الأصل غير واضح.
[3] . المشمرج: ضبطناه كما فى الطبري. وهو غير مضبوط فى الأصل ومط.
[4] . سقط ما بين [] من الأصل. فأخذناه عن مط. كما أنّ الكلمة ليست فى الطبري أيضا (أنظر 8: 1278) .
[5] . فى الأصل ومط والطبري: لم تصدقني (بصيغة المفرد) وفى بعض الأصول عن حواشي الطبري:
لم تصدقوني. وهو أنسب.
[6] . الزي: كذا فى الأصل والطبري، وهو الصحيح. وما فى مط: الذي!
[7] . العدى: كذا فى الأصل ومط. وما فى الطبري (8: 1279) : القذى. وفى حواشيه عن بعض الأصول: العدى.
......
المصدر :
كتاب "تجارب الأمم وتعاقب الهمم"
المؤلف: أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه (المتوفى: 421هـ)
المحقق: أبو القاسم إمامي .